الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأجر على الْمُصِيبَة. ثمَّ دَعَا بوكيله فَقَالَ: انْطلق السَّاعَة فاشتر للمولود جَارِيَة تحضنه وادفع إِلَيْهِ مِائَتي دينارٍ للنَّفَقَة على تَرْبِيَته. ثمَّ قَالَ للْأَنْصَارِيِّ: عد إِلَيْنَا بعد أَيَّام فَإنَّك جئتنا وَفِي الْعَيْش يبس وَفِي المَال قلَّة قَالَ الْأنْصَارِيّ: لَو سبقت حاتماً بيومٍ وَاحِد مَا ذكرته الْعَرَب أبدا وَلكنه سَبَقَك فصرت لَهُ)
تالياً وَأَنا أشهد أَن عفوك أَكثر من مجهوده وطل كرمك أَكثر من وابله.
هَذَا مَا اخترناه من العقد وَفِيه كِفَايَة وقصدنا بتسطيره الثَّوَاب وَإِن كَانَ أطلنا بِهِ الْكتاب.
(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة)
الطَّوِيل
(لعمرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجل
…
على أَيّنَا تعدو الْمنية أول)
على أَن أول بني على الضَّم لحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَنِيَّة مَعْنَاهُ. وَالْأَصْل: أول أَوْقَات عدوها.
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: إِنَّمَا بنيت أول هُنَا لِأَن الْإِضَافَة مردةٌ فِيهَا فَلَمَّا اقتطعت مِنْهَا وَهِي مُرَادة فِيهَا بنيت كقبل وَبعد فَكَأَنَّهُ قَالَ: تعدو الْمنية أول الْوَقْت.
وَأَصلهَا قبل الْإِضَافَة أَن
تكون مَعهَا من ليتم بهَا قبل الظَّرْفِيَّة صفة فَتكون كقديم وَحَدِيث لم تنقل عَن الْوَصْف إِلَّا إِلَى الظَّرْفِيَّة.
فَإِذا صَحَّ فِيهَا مَذْهَب الصّفة فَلَا بُد فِيهَا من معنى من قبل الْإِضَافَة فَإِذا تصورت صفة قبل ذَلِك أمكن حِينَئِذٍ نقلهَا إِلَى الظّرْف كَسَائِر مَا نقل إِلَى الظروف من الصِّفَات نَحْو قديم وَحَدِيث وملي وطويل. وأوجل مِمَّا جَاءَ على الصِّفَات على أفعل لَا فعلاء لَهُ. أَلا تراهم لَا يَقُولُونَ وجلاء استغنوا عَنْهَا بوجلة. اه.
وظنه الْعَيْنِيّ فعلا مضارعاً فَقَالَ: قَوْله: لأوجل أَي: لأخاف من وَجل يوجل.
والمصراع الثَّانِي فِي مَحل نصب على أَنه سادٌّ مسد مفعولي درى مُعَلّق عَن الْعَمَل فِي لَفظه بِسَبَب الِاسْتِفْهَام وعَلى مُتَعَلقَة بتعدو.
وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ فِي قَوْله: مفعول أَدْرِي مَحْذُوف تَقْدِيره: مَا أَدْرِي مَا يفعل بِنَا أَو مَا يكون وَنَحْو ذَلِك. وَلم يتَعَرَّض لجملة على أَيّنَا تعدو إِلَخ. وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة من عدا عَلَيْهِ يعدو عدوا بِمَعْنى ظلم وَتجَاوز الْحَد.
وَرُوِيَ بالغين الْمُعْجَمَة من غَدا غدواً أَي: ذهب غدْوَة وَهِي مَا بَين صَلَاة الصُّبْح وطلوع الشَّمْس. هَذَا أَصله ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل فِي الذّهاب والانطلاق أَي وقتٍ كَانَ.
والمنية: الْمَوْت. وَأول: ظرفٌ مَبْنِيّ وموضعه النصب بتعدو وَجُمْلَة: وَإِنِّي لأوجل جملَة مُعْتَرضَة بَين أَدْرِي وَبَين الساد عَن مفعوليها. وأوجل مَعْنَاهُ خَائِف.
وَالْمعْنَى:
أقسم ببقائك مَا أعلم أَيّنَا يكون الْمُقدم فِي عَدو الْمَوْت عَلَيْهِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ الآخر:)
الطَّوِيل
(فَأكْرم أَخَاك الدَّهْر مَا دمتما مَعًا
…
كفى بالممات فرقة وتنائيا)
وَالْبَيْت مطلع قصيدةٍ لِمَعْنٍ بن أوسٍ الْمُزنِيّ أورد بَعْضهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. وَنحن نقتصر عَلَيْهِ.
قَالَ شراحها: وَسبب هَذَا الشّعْر أَنه كَانَ لِمَعْنٍ بن أَوْس صديقٌ وَكَانَ معنٌ متزوجاً بأخته فاتفق أَنه طَلقهَا وَتزَوج بِأُخْرَى فَحلف صديقه أَن لَا يكلمهُ أبدا. فَقَالَ معن هَذِه القصيدة يستعطف بهَا قلبه ويسترقه لَهُ. وفيهَا مَا يدل على الْقِصَّة وَهُوَ قَوْله:
(فَلَا تغضبن أَن تستعار ظعينةٌ
…
وَترسل أُخْرَى كل ذَلِك يفعل)
والأبيات الَّتِي أوردهَا أَبُو تَمام بعد المطلع هِيَ هَذِه:
(وَإِنِّي أَخُوك الدَّائِم الْعَهْد لم أحل
…
إِن ابزاك خصمٌ أَو نبا بك منزل)
(أُحَارب من حَارَبت من ذِي عداوةٍ
…
وأحبس مَالِي إِن غرمت فأعقل)
(كَأَنَّك تشفي مِنْك دَاء مساءتي
…
وسخطي وَمَا فِي ريثتي مَا تعجل)
(وَإِن سؤتني يَوْمًا صبرت إِلَى غدٍ
…
ليعقب يَوْمًا مِنْك آخر مقبل)
…
(وَإِنِّي على أَشْيَاء مِنْك تريبني
…
قَدِيما لذُو صفحٍ على ذَاك مُجمل)
(ستقطع فِي الدُّنْيَا إِذا مَا قطعتني
…
يَمِينك فَانْظُر أَي كفٍّ تبدل)
(وَفِي النَّاس إِن رثت حبالك واصلٌ
…
وَفِي الأَرْض عَن دَار القلى متحول)
(إِذا أَنْت لم تنصف أَخَاك وجدته
…
على طرف الهجران إِن كَانَ يعقل)
(ويركب حد السَّيْف من أَن تضيمه
…
إِذا لم يكن عَن شفرة السَّيْف مزحل)
(قلبت لَهُ ظهر الْمِجَن وَلم أَدَم
…
على ذَاك إِلَّا ريثما أتحول)
(إِذا انصرفت نَفسِي عَن الشَّيْء لم تكد
…
إِلَيْهِ بوجهٍ آخر الدَّهْر تقبل)
وَقَوله: وَإِنِّي أَخُوك إِلَخ. يَقُول: إِنِّي أَخُوك الَّذِي يَدُوم عَهده وَلَا يَزُول وَلَا يحول إِن أبزاك خصم أَي: غلبك وقهرك. يُقَال: بزوت الْخصم بزواً وأبزيته إبزاءً بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي.
وَيجوز أَن يكون أبزاك من بزِي يبزى بزًى فَهُوَ أَبْزَى وَهُوَ دُخُول الظّهْر وَخُرُوج الْبَطن.
وَيكون الْمَعْنى: إِن حملك خصم من الثّقل مَا يبزى لَهُ ظهرك فَلَا تطِيق الثَّبَات تَحْتَهُ والنهوض بِهِ.)
وَقَوله: أُحَارب من حَارَبت إِلَخ هَذَا تَفْسِير دوَام عَهده أَي: تجدني ذاباً عَنْك وَإِن أَصَابَك غرم حبست مَالِي عَلَيْك. وأعقل عَنْك يُقَال: علقت عَنهُ إِذا غرمت مَا لزمَه فِي دِيَته.
وعقلته إِذا أَعْطَيْت دِيَته.
وَيجوز أَن يكون معنى فأعقل: أَشدّهَا بعقلها بفنائك لتدفعها فِي غرامتك. وَالْمَال إِذا أطلق يُرَاد بِهِ الْإِبِل.
وَقَوله: كَأَنَّك تشفي إِلَخ يُرِيد: إساءتك إِلَيّ وسخطك عَليّ فأضافهما إِلَى الْمَفْعُول. وَالْمعْنَى: إِنَّك تستمر فِي إساءتك إِلَيّ حَتَّى كَأَن بك دَاء ذَاك شفاؤه.
والريثة: ضد العجلة. يَقُول: لَيْسَ فِي أناتي وتركي مكافأتك مَا يجب أَن يتعجل عَليّ بِمَا يسوؤني.
وَقَوله: وَإِن سؤتني يَوْمًا إِلَخ أَي: إِن فعلت مَا يسوؤني تجاوزت إِلَى غدٍ ليجيء يومٌ آخر مقبلٌ مِنْك بيومٍ يسرني.
وَقَوله: ستقطع فِي الدُّنْيَا إِلَخ يَقُول: أَنا لَك بِمَنْزِلَة يدك الْيُمْنَى فَإِذا قطعتني فَإِنَّمَا تقطع يَمِينك.
وَقَوله: وَفِي النَّاس إِن رثت إِلَخ يَقُول: إِذا انْقَطَعت حبالٌ الود بيني وَبَيْنك فَفِي النَّاس واصلٌ غَيْرك. وَإِذا نبا بِي جوارك فَفِي جَوَانِب الأَرْض متحولٌ عَن دَار البغض.
وَقَوله: إِذا أَنْت لم تنصف إِلَخ أَي: إِذا لم تنصف أَخَاك وَلم توفه حُقُوق إخائه وجدته هاجراً لَك مستبدلاً بك إِن كَانَ لَهُ عقل ثمَّ لَا يُبَالِي أَن يركب من الْأُمُور مَا يقطعهُ تقطيع السَّيْف ويؤثر فِيهِ تَأْثِيره مَخَافَة أَن يُصِيبهُ ضيمٌ مَتى لم يجد عَن ركُوبه معدلاً.
وَقَوله: من أَن أَي: بَدَلا من أَن. وشفرة السَّيْف بِالْفَتْح: حَده.
ومزحل بالزاي والحاء الْمُهْملَة: مصدر زحل عَن مَكَانَهُ إِذا تنحى عَنهُ وتباعد.
وَقَوله: وَكنت إِذا مَا صاحبٌ إِلَخ رام ظنتي بِالْكَسْرِ: عرضني لاتهام عقده والارتياب بوده بِأَن عد إحساني إِلَيْهِ إساءة. وَمَعْنَاهُ: رام إِيقَاع التُّهْمَة عَليّ.
وَقَوله: قلبت لَهُ ظهر إِلَخ أَي: اتخذته عدوا وقلبت لَهُ ظهر الترس متقياً مِنْهُ وَلم أَدَم على الْحَال الْمَذْكُورَة مَعَه إِلَّا قدر مَا أتحول وبطء مَا أتنقل.
قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: دخل عبد الله بن الزبير يَوْمًا على مُعَاوِيَة فَقَالَ: اسْمَع أبياتاً قلتهَا. وَكَانَ واجداً عَلَيْهِ. فَقَالَ)
مُعَاوِيَة: هَات.
فأنشده: الطَّوِيل
(إِذا أَنْت لم تنصف أَخَاك وجدته
…
على طرف الهجران إِن كَانَ يعقل)
مَعَ الْبَيْت الَّذِي بعده. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: قد شَعرت بَعدنَا يَا أَبَا بكر ثمَّ لم ينشب مُعَاوِيَة أَن دخل عَلَيْهِ معن بن أوسٍ الْمُزنِيّ فَقَالَ: أقلت بَعدنَا شَيْئا فَقَالَ: نعم.
فأنشده:
(لعمرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجل
…
على أَيّنَا تعدو الْمنية أول)
حَتَّى صَار إِلَى الأبيات الَّتِي أنشدها ابْن الزبير فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: يَا أَبَا بكر أما ذكرت آنِفا أَن هَذَا الشّعْر لَك قَالَ أصلحت الْمعَانِي وَهُوَ ألف الشّعْر وَهُوَ بعد ظئري فَمَا قَالَ من شَيْء فَهُوَ لي. وَكَانَ عبد الله مسترضعاً فِي مزينة. انْتهى.
والظئر بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا همزَة سَاكِنة: الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة تحضن ولد غَيرهَا. وَيُقَال للرجل الحاضن ظئر أَيْضا. وَهَذَا هُوَ مُرَاد ابْن الزبير.
وَقَالَ الحصري فِي زهر الْآدَاب بعد إِيرَاد هَذِه الْحِكَايَة: أَرَادَ ابْن الزبير معاتبة مُعَاوِيَة بِشعر معن وَلَيْسَ ادعاؤه على حقيقةٍ مِنْهُ.
وَهَذَانِ البيتان قد أوردهما صَاحب تَلْخِيص الْمِفْتَاح فِي السرقات الشعرية.
وترجمة معن بن أَوْس الْمُزنِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ.
وَأنْشد بعده: الطَّوِيل
وَلَا ناعبٍ إِلَّا ببينٍ غرابها هُوَ عجزٌ وصدره: مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرةً على أَن ناعباً عطفٌ بِالْجَرِّ على مصلحين الْمَنْصُوب على خبر لَيْسُوا لتوهم الْبَاء فَإِنَّهَا تزاد فِي خبر لَيْسَ.
وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.