الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَال والهم: مُبْتَدأ وَجُمْلَة تغشاني طوارقه: خَبره وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب حَال من التَّاء فِي بت.
قَالَ ابْن الْأَثِير: غشيه يَغْشَاهُ غشياناً إِذا جَاءَهُ. وغشاه تغشيةً إِذا غطاه. وَغشيَ الشَّيْء إِذا لابسه. والطوارق هُنَا: الدَّوَاهِي.
قَالَ ابْن الْأَثِير: كل آتٍ بِاللَّيْلِ طَارق. وَقيل أصل الطروق من الطّرق وَهُوَ الدق. وَسمي الْآتِي بِاللَّيْلِ طَارِقًا لِحَاجَتِهِ إِلَى دق الْبَاب. وَجمع الطارقة طوارق. وَمِنْه الحَدِيث: أعوذ بِاللَّه من طوارق اللَّيْل إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير. وَمن: مُتَعَلقَة بقوله: تغشاني ورحلة مُضَاف إِلَى بَين وَكَذَلِكَ بَين مُضَاف إِلَى مَا بعده فهما مجروران بالكسرة.
والرحلة بِالْكَسْرِ: اسْم مصدر بِمَعْنى الارتحال. والبين هُنَا مصدر بَان يبين بَينا أَي: فَارق)
وَبعد. والظاعنين من ظعن يظعن بِفَتْح عينهما ظعناً بِفَتْح الْعين وسكونها أَي: سَار وَذهب.
وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب.
3 -
(الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الستمائة)
الطَّوِيل
(فيالرزام رشحوا بِي مقدما
…
على الْحَرْب خواضاً إِلَيْهَا الكرائبا)
على أَن خواضاً صِيغَة مُبَالغَة حول من اسْم الْفَاعِل الثلاثي وَهُوَ خائض.
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: فِي هَذَا الْبَيْت شاهدٌ على جَوَاز إِعْمَال اسْم الْفَاعِل. أَلا ترَاهُ كَيفَ نصب الكرائب بخواض.
وَهُوَ من أبياتٍ تِسْعَة لسعد بن ناشبٍ الْمَازِني أوردهَا أَبُو تَمام فِي أَوَائِل الحماسة وَهِي:
(سأغسل عني الْعَار بِالسَّيْفِ جالباً
…
عَليّ قَضَاء الله مَا كَانَ جالبا)
(وأذهل عَن دَاري وَأَجْعَل هدمها
…
لعرضي من بَاقِي المذمة حاجبا)
(ويصغر فِي عَيْني تلادي إِذا انْثَنَتْ
…
يَمِيني بِإِدْرَاك الَّذِي كنت طَالبا)
(فَإِن تهدموا بالغدر دَاري فَإِنَّهَا
…
تراث كريمٍ لَا يُبَالِي العواقبا)
(أَخُو غمراتٍ لَا يُرِيد على الَّذِي
…
يهم بِهِ من مفظع الْأَمر صاحبا)
(إِذا هم لم تردع عَزِيمَة همه
…
وَلم يَأْتِ مَا يَأْتِي من الْأَمر هائبا)
(إِذا هم ألْقى بَين عَيْنَيْهِ عزمه
…
ونكب عَن ذكر العواقب جانبا)
(وَلم يستشر فِي أمره غير نَفسه
…
وَلم يرض إِلَّا قَائِم السَّيْف صاحبا)
قَالَ شرَّاح الحماسة: سَبَب هَذِه الأبيات أَنه كَانَ أصَاب دَمًا فهدم بِلَال بن أبي بردة دَاره بِالْبَصْرَةِ وحرقها. وَقيل: إِن الْحجَّاج هُوَ الَّذِي هدم دَاره.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: وَيُقَال إِنَّه قتل لَهُ حميم وَإنَّهُ أوعده بهدم دَاره إِن طَالب بثأره.
وَقَوله: سأغسل عني الْعَار إِلَخ. قَالَ التبريزي: أصل الْقَضَاء الحتم ثمَّ يتوسع فِيهِ فَيُقَال: قضي قضاؤك أَي: فرغ من أَمرك. فَاسْتعْمل فِي معنى الْفَرَاغ من الشَّيْء.
ويروى: قَضَاء الله بِالرَّفْع وَالنّصب. فَإِذا
رفعته يكون فَاعِلا لجالباً عَليّ وَمَا كَانَ جالباً فِي مَوضِع الْمَفْعُول وَيكون الْقَضَاء بِمَعْنى الحكم.)
وَالتَّقْدِير: سأغسل الْعَار عَن نَفسِي بِاسْتِعْمَال السَّيْف فِي الْأَعْدَاء فِي حَال جلب حكم الله عَليّ الشَّيْء الَّذِي يجلبه. وَإِذا نصبت الْقَضَاء فَإِنَّهُ يكون مَفْعُولا لجالباً وفاعله مَا كَانَ جالباً.
وَيكون الْقَضَاء الْمَوْت المحتوم كَمَا يُقَال للمصيد الصَّيْد وللمخلوق الْخلق. وَالْمعْنَى: جالباً الْمَوْت عَليّ جالبه. وَقيل: إِن كَانَ فِي قَوْله: مَا كَانَ فِي معنى صَار. انْتهى.
وَقَالَ ابْن جني: أَرَادَ جالبه أَي: جالباً إِيَّاه فَحذف الضَّمِير مَعَ اسْم الْفَاعِل كَمَا يحذف مَعَ الْفِعْل نَفسه.
وَمثله مَا أراناه أَبُو عَليّ من قَول الله تَعَالَى: فَاقْض مَا أَنْت قاضٍ أَي: قاضيه فِي معنى قاضٍ إِيَّاه.
وَعَلِيهِ الْبَيْت الآخر فِيهِ وَهُوَ: بِإِدْرَاك الَّذِي كنت طَالبا
أَي: إِيَّاه أَو طَالبه أَو طَالبا لَهُ. وَأَن يكون الْمَحْذُوف ضميراً مُتَّصِلا أولى من أَن يكون ضميراً مُنْفَصِلا.
وَقَوله: وأذهل عَن دَاري إِلَخ. الذهول: ترك الشَّيْء متناسياً لَهُ. يَقُول: إِذا نبا الْمنزل بِي حَتَّى يصير دَار الهوان انْتَقَلت عَنهُ وَأَجْعَل خرابه وقايةً لنَفْسي من الْعَار الْبَاقِي.
وَهَذَا قريبٌ من قَوْله: الْكَامِل وَإِذا نبا بك منزلٌ فتحول
وَقَوله: ويصغر فِي عَيْني إِلَخ. أَرَادَ بقوله: يصغر صغر الْقدر. وَخص التلاد وَهُوَ المَال الْقَدِيم لِأَن النَّفس بِهِ أضن.
وَنبهَ بِهَذَا الْكَلَام على أَنه كَمَا يخف على قلبه ترك الدَّار والوطن خوفًا من الْتِزَام الْعَار الْبَاقِي كَذَلِك يقل فِي عينه إِنْفَاق المَال عِنْد إِدْرَاك الْمَطْلُوب. وانثنت: انعطفت ومالت.
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية شَاهدا على جَوَاز حذف الْعَائِد الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة إِن كَانَ الْمُضَاف وَصفا بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَإِن الأَصْل كنت طَالبه فَحذف الضَّمِير.
وَقَوله: فَإِن تهدموا بالغدر إِلَخ. الْغدر: ترك الْوَفَاء. يَقُول: إِن تخربوا دَاري بالغدر مِنْكُم فَإِنَّهَا تراث كريم. يَعْنِي نَفسه. وسمى ملكه مِيرَاثا وَهُوَ حيٌّ بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ. وَالْكَرم: التَّنَزُّه عَن)
الأقذار.
وَقَوله: أَخُو غَمَرَات إِلَخ بِفتْحَتَيْنِ هِيَ الشدائد. ويروى: أَخُو عَزمَات. والعزم: عقد الْقلب على مَا يرى فعله. ومفظع من أفظع الْأَمر
إفظاعاً. وَكَذَلِكَ فظع فظاعةً أَي: عظم. أَو من أفظعني الْأَمر ففظعت بِهِ أَي: أعياني فضقت بِهِ ذرعاً. يصف نَفسه بِأَنَّهُ صَاحب همم وأخو عَزمَات مستبدٌّ بِرَأْيهِ فِيهَا غير متخذ رَفِيقًا.
وَقَوله: فيالرزام رشحوا إِلَخ. هُوَ فعل أَمر من الترشيح وَهُوَ التربية. وَمِنْه رشحت الْمَرْأَة وَلَدهَا إِذا دَرَجَته فِي اللَّبن ثمَّ قيل: رشح فلَان لكذا توسعاً. أَي: رشحوا بِهِ بترشيحكم إيَّايَ قَالَ التبريزي: قَوْله: فيالرزام النِّيَّة بِالْفَاءِ اسْتِئْنَاف مَا بعْدهَا وَإِن نسق بهَا جملَة على جملَة.
وَاللَّام
من يالرزام لَام الاستغاثة ورزام مجرور بهَا وَهُوَ قَبيلَة وهم المدعوون وأصل حَرَكَة اللَّام مَعَ الظَّاهِر الْكسر وَفتحت مَعَ المستغاث لكَونه فِي موقع الضَّمِير ومقدماً بِكَسْر الدَّال بِمَعْنى مُتَقَدما كَمَا يُقَال وَجه وَتوجه وَنبهَ بِمَعْنى تنبه. ونكب بِمَعْنى تنكب.
والكرائب: جمع كريبة وَهِي الشدَّة من شَدَائِد الدَّهْر. وَالْأَصْل فِي الكرب الْغم الَّذِي يَأْخُذ بِالنَّفسِ. ويروى بدل: الكتائبا جمع كَتِيبَة وَهِي الْجَيْش.
وَقَوله: إِذا هم ألْقى إِلَخ أَي: جعله بمرأى مِنْهُ لَا يغْفل عَنهُ. وَقد طابق فِيهِ لما قابله بقوله: ونكب عَن ذكر العواقب جانبا. وسمى المعزوم عَلَيْهِ عزماً. ونكب إِن كَانَ بِمَعْنى حرف فجانباً مفعول بِهِ لَهُ وَإِن كَانَ بِمَعْنى انحرف فجانباً ظرف لَهُ.
قَالَ ابْن جني: لَك فِي جانباً وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون مَفْعُولا بِهِ أَي: نكب جانباً مِنْهُ عَن ذكر العواقب.
وَالْآخر: أَن يكون ظرفا أَي: نكب عَن ذكر العواقب فِي جَانب. ويؤكد هَذَا رِوَايَة من رَوَاهُ: وَأعْرض عَن ذكر العواقب وَقَوله: وَلم يستشر إِلَخ نبه على الرَّأْي بِهِ وعَلى الْفِعْل بقوله: وَلم يرض. وقائم السَّيْف: مقبضه.
وَقَالَ ابْن جني: إِن شِئْت نصبت صاحباً على أَنه مفعول بِهِ ونصبت قَائِم السَّيْف على الِاسْتِثْنَاء أَي: لم يرض صاحباً إِلَّا قَائِم السَّيْف. وَإِن شِئْت نصبت قَائِم السَّيْف نصب الْمَفْعُول بِهِ وَجعلت صاحباً بَدَلا مِنْهُ
كَقَوْلِك: لم أضْرب إِلَّا زيدا قَائِما أَي: لم أضْرب أحدا إِلَّا زيدا فِي حَال قِيَامه.)
وَمن نصب زيدا فِي قَوْلك: مَا رَأَيْت أحدا إِلَّا زيدا على الْبَدَل لم ينصب قَائِم السَّيْف فِي القَوْل الأول إِلَّا على الِاسْتِثْنَاء الْمُقدم دون الْبَدَل وَذَلِكَ لتقدمه على صَاحبه وَالْبدل لَا يجوز تقدمه على الْمُبدل مِنْهُ. انْتهى.
وَزَاد ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد بَيْتَيْنِ بعد هَذِه الأبيات وهما:
(فَلَا توعدني بالأمير فَإِن لي
…
جنَانًا لأكناف المخاوف رَاكِبًا)
(وَقَلْبًا أَبَيَا لَا يروع جأشه
…
إِذا الشَّرّ أبدى بِالنَّهَارِ كواكبا)
وَسعد بن ناشب شاعرٌ إسلاميٌّ فِي الدولة المروانية. قَالَ شرَّاح الحماسة: هُوَ من بني مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم.
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هُوَ من بني العنبر وَكَانَ أَبوهُ ناشب أَعور وَكَانَ من شياطين الْعَرَب.
وَفِيه يَقُول الشَّاعِر: الطَّوِيل
(وَكَيف يفِيق الدَّهْر سعد بن ناشبٍ
…
وشيطانه عِنْد الْأَهِلّة يصرع)
وَسعد بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْعين وناشب بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة.