الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأصْبح فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا شريدهم
…
...
…
... . . الْبَيْت وَثَانِيهمَا فِي بَاب الْعَطف وَهُوَ: وعض زمانٍ يَا ابْن مَرْوَان لم يدع
…
...
…
...
…
الْبَيْت وَهِي قصيدة جَيِّدَة من غرر قصائده.
وَأنْشد بعده:
(وَمَا حل سعديٌّ غَرِيبا ببلدةٍ
…
فينسب إِلَّا الزبْرِقَان لَهُ أَب)
لما تقدم قبله أَي: يحل وَلَا ينْسب.
وَالْكَلَام فِيهِ كَمَا تقدم قبله. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب مَا بعد الْفَاء على الْجَواب. وَالرَّفْع جَائِز وَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِي الَّذِي قبله. يَقُول: الزبْرِقَان سيد قومه وأشهرهم فَإِذا تغرب رجلٌ من سعد وهم رَهْط الزبْرِقَان فَسئلَ عَن نسبه انتسب إِلَيْهِ لشرفه وشهرته. انْتهى.
وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة من بَاب الْحَال.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة)
نحاول ملكا أَو نموت وَهُوَ قطعةٌ من بَيت وَهُوَ:
(فَقلت لَهُ لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا
…
نحاول ملكا أَو نموت فنعذرا)
على أَن سِيبَوَيْهٍ جوز الرّفْع فِي قَوْله: نموت إِمَّا بالْعَطْف على نحاول أَو على الْقطع أَي: نَحن نموت.
وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن معنى مَا انتصب بعد أَو على إِلَّا أَن كَمَا كَانَ معنى مَا انتصب بعد الْفَاء. تَقول: لألزمنك أَو تقضيني حَقي ولأضربنك أَو تسبقني. فَالْمَعْنى لألزمنك إِلَّا أَن تقضيني ولأضربنك إِلَّا أَن تسبقني. هَذَا معنى النصب.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: فَقلت لَهُ لَا تبك عَيْنك
…
...
…
... . . الْبَيْت والقوافي مَنْصُوبَة فالتمثيل على مَا ذكرت لَك وَالْمعْنَى على إِلَّا أَن نموت فنعذرا. وَلَو رفعت لَكَانَ عَرَبيا جيدا على وَجْهَيْن: على أَن تشرك بَين الأول وَالْآخر وعَلى أَن يكون مُبْتَدأ مَقْطُوعًا من الأول يَعْنِي أَو نَحن مِمَّن يَمُوت.
وَقَالَ تَعَالَى: ستدعون إِلَى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أَو يسلمُونَ إِن شِئْت كَانَ على وَقَالَ صَاحب التَّكْمِيل: وَيحْتَمل أَن يكون أَو هُنَا للغاية أَي: نحاول الْملك إِلَى أَن نموت.
وَأما نصب قَوْله: فنعذرا فبالعطف على نموت على
رِوَايَة النصب وَأما على رِوَايَة الرّفْع فخفيٌّ. وَلِهَذَا حذفه الشَّارِح الْمُحَقق من المصراع.
وَوجه نَصبه الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح بِأَن الْفَاء للسَّبَبِيَّة وَبعدهَا أَن مضمرة فِي جَوَاب النَّفْي الضمني بِتَأْوِيل نموت بِلَا نبقى. فَتَأمل.
ونعذرا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وروى: نعذر من أعذر الرجل إِذا أَتَى بِعُذْر.
وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وروى: فنعذر بِكَسْر الذَّال أَي: نبلغ الْعذر.
وَالْبَيْت من قصيدةٍ لامرىء الْقَيْس مشتملةٍ على جملٍ من يَوَاقِيت الفصاحة وجواهر البلاغة قَالَهَا لما دخل بِلَاد الرّوم مستجيراً بقيصر لِأَن أَبَاهُ كَانَ قد ولي بني
أَسد فظلمهم فتعاونوا على قَتله كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته فَخرج امْرُؤ الْقَيْس إِلَى قَيْصر يستمده.)
قَالَ أَبُو الْقَاسِم السَّعْدِيّ فِي كتاب مساوي الْخمر: وَمِمَّنْ بلغ بِهِ إفشاء سره حتفه امْرُؤ الْقَيْس بن حجر الْكِنْدِيّ. وَذَلِكَ أَن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء عِنْد مَا ملك على الْحيرَة عِنْدَمَا ولاه أنوشروان ذَلِك بعد مقتل حجر وَزَوَال ملك بني آكل المرار أرسل جَيْشًا من بكر وتغلب فِي طلب بني آكل المرار فجيء إِلَيْهِ مِنْهُم بِسِتَّة عشر رجلا فَضرب أَعْنَاقهم فِي بيُوت بني مرينا.
(أَلا يَا عين بكي لي شنينا
…
وبكي لي الْمُلُوك الذاهبينا)
…
(ملوكاً من بني حجر بن عَمْرو
…
يساقون العشية يقتلونا)
(فَلَو فِي يَوْم معركة أصيبوا
…
وَلَكِن فِي بيُوت بني مرينا)
وَفِي ذَلِك أَيْضا يَقُول عَمْرو بن كُلْثُوم فِي معلقته:
(فآبوا بالنهاب مَعَ السبايا
…
وأبنا بالملوك مصفدينا)
فهرب مِنْهُ امْرُؤ الْقَيْس: قيل: كَانَ مَعَهم فَأَفلَت وَقيل: سمع بخبرهم فَذهب على وَجهه يستجير بالعرب فبعضٌ يقبله وبعضٌ يردهُ. فَخرج إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني الْمَعْرُوف بِابْن مَارِيَة وَحَال الْحَارِث يومئذٍ بِالشَّام كَحال الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء بالعراق فَسَأَلَهُ الْجوَار والنصرة وتوسل إِلَيْهِ الخؤولة.
وَذَلِكَ أَن مَارِيَة ذَات القرطين اللَّذين يضْرب الْعَرَب بهما الْمثل هِيَ أُخْت هندٍ امرأةٍ جُحر وَالِد امرىء الْقَيْس. فَأكْرمه وَسَأَلَهُ النُّصْرَة على الْمُنْذر فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي لست أقدر على الْمسير إِلَى الْعرَاق فِي هَذَا الْوَقْت وَلَكِنِّي أَسِير مَعَك إِلَى الْملك قَيْصر فَهُوَ أقوى مني على مَا سَأَلت.
وَكَانَت لِلْحَارِثِ وفادةٌ على الْملك فأوفده مَعَه. وَهَذَا قبل أَن يَغْزُو الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء إِلَى وَقيل أَن سَبَب مَا هيج مَا بَين الْمُنْذر والْحَارث هَذَا الْحَرْب إِنَّمَا هُوَ إِجَارَة الْحَارِث لامرىء الْقَيْس فَتوجه مَعَه امْرُؤ الْقَيْس إِلَى بلد الرّوم. وَفِي ذَلِك قَالَ هَذِه القصيدة ذكر فِيهَا استجارته وخلوصه إِلَى التَّوَجُّه إِلَى بلد الرّوم:
الطَّوِيل
(سما لَك شوقٌ بَعْدَمَا كَانَ أقصرا
…
وحلت سليمى بطن ظبيٍ فعرعرا)
(فدعها وسل الْهم عَنْهَا بجسرةٍ
…
ذمولٍ إِذا صَامَ النَّهَار وهجرا)
(عَلَيْهَا فَتى لم تحمل الأَرْض مثله
…
أبر بميثاقٍ وأوفى وأصبرا)
(إِذا قلت هَذَا صاحبٌ قد رضيته
…
وقرت بِهِ العينان بدلت آخرا))
(كَذَلِك جدي لَا أصَاحب صاحباً
…
من النَّاس إِلَّا خانني وتغيرا)
(تذكرت أَهلِي الصَّالِحين وَقد أَتَت
…
على جملٍ بِنَا الركاب وأعفرا)
(وَلما بَدَت حوران والآل دونهَا
…
نظرت فَلم تنظر بِعَيْنَيْك منْظرًا)
(تقطع أَسبَاب اللبانات والهوى
…
عَشِيَّة جاوزنا حماة وشيزرا)
(بَكَى صَاحِبي لما رأى الدَّرْب دونه
…
وأيقن أَنا لاحقان بقيصرا)
(فَقلت لَهُ: لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا
…
نحاول ملكا أَو نموت فنعذرا)
وَبعد هَذَا سَبْعَة أَبْيَات فِي وصف فرسه وَفِي بعض مَا مر لَهُ فِي بعض الْمنَازل.
وَصَاحبه الَّذِي بَكَى هُوَ عَمْرو بن قميئة الضبعِي الشَّاعِر الْمَشْهُور وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الثلثمائة. كَانَ صحب امْرأ الْقَيْس لما مر ببكر ابْن وَائِل يطْلب مِنْهُم النُّصْرَة فَسَأَلَهُمْ عَن شاعرٍ محسن فيهم فَأتوهُ بِهِ وَقد أسن فاستنشده فأعجبه ثمَّ شكا إِلَيْهِ حَاله فَقَالَ لَهُ: اصحبني. فصحبه وَكَانَ مَعَه حَتَّى سلك الطَّرِيق إِلَى بلد الرّوم فَلَمَّا توَسط الدَّرْب بَكَى عَمْرو بن قميئة وَقَالَ: غررت بِنَا.
والدرب: كل مدْخل إِلَى الرّوم أَو النَّافِذ مِنْهُ وَبَاب السِّكَّة الْوَاسِع وَالْبَاب الْأَكْبَر. كَذَا فِي الْقَامُوس.
ثمَّ إِن عمرا مَاتَ فِي الطَّرِيق فَكَانَ يُسمى عمرا الضائع. فَلَمَّا وصل امْرُؤ الْقَيْس إِلَى بلد الرّوم أَمر ملك الرّوم بإدخاله عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يدْخل على قيصرٍ أحدٌ إِلَّا سجد لَهُ. فَقيل لَهُ إِن امْرأ الْقَيْس لَا يسْجد لَك.
وَكَانَ لقيصر بَابَانِ أَحدهمَا صَغِير وَالْآخر كَبِير فَقَالَ: أدخلوه من الْبَاب الصَّغِير ليضع رَأسه لي.
فَلَمَّا رأى امْرُؤ الْقَيْس صغر الْبَاب ولى ظَهره فَدخل موليا حَتَّى قَامَ بَين يَدَيْهِ. قَالُوا: فَنظر إِلَيْهِ قَيْصر فأعجبه وَكَانَ وسيماً جميلاً وأعلمه أَنه جَاءَهُ يستمده على الْعَرَب. فَرَحَّبَ بِهِ وألطفه.
وَقَالَ لَهُ: أَيّمَا أحب إِلَيْك: ستمائةٍ من أَوْلَاد الْمُلُوك
أَو سِتَّة آلَاف من الْجند فَاخْتَارَ سِتّمائَة من أَبنَاء الْمُلُوك. وخف على قلب قَيْصر حَتَّى نادمه فَفِي ذَلِك يَقُول:
المتقارب
(ونادمت قَيْصر فِي ملكه
…
فأوجهني وَركبت البريدا)
(إِذا مَا ازدحمنا على سكةٍ
…
سبقت الفرانق سبقاً بَعيدا))
والفرانق بِضَم الْفَاء وَكسر النُّون: الَّذِي يدل صَاحب الْبَرِيد على الطَّرِيق. والبريد: دَابَّة الرَّسُول المستعجل.
ثمَّ إِن امْرأ الْقَيْس لطف مَحَله من قَيْصر فَأدْخلهُ الْحمام مَعَه فَرَأى غلفة قَيْصر فَقَالَ: الْبَسِيط
(لقد حَلَفت يَمِينا غير كاذبةٍ
…
إِنَّك أغلف إِلَّا مَا جنى الْقَمَر)
وختانة الْقَمَر مثلٌ تضربه الْعَرَب للأغلف لِأَن الْقَمَر لَا يختن أحدا.
وَفِي مُدَّة منادمته لقيصر رَأَتْهُ ابْنة قَيْصر فعشقته وراسلته وَصَارَ إِلَيْهَا وفيهَا يَقُول من قصيدة: الطَّوِيل
(سموت إِلَيْهَا بَعْدَمَا نَام أَهلهَا
…
سمو حباب المَاء حَالا على حَال)
(فَقَالَت سباك الله إِنَّك فاضحي
…
أَلَسْت ترى السمار وَالنَّاس أحوالي)
(فَقلت لَهَا بِاللَّه أَبْرَح قَاعِدا
…
وَلَو قطعُوا رَأْسِي لديك وأوصالي)
قَالُوا: وَلم يزل يصير إِلَيْهَا ثمَّ أخبر بذلك أَصْحَابه وَفِيهِمْ الطماح بن قيسٍ الْأَسدي فَقَالَ لَهُ: ائتنا بأمارةٍ. فَأَتَاهُ بقارورة من
طيب الْملك وَذَلِكَ كَانَ عِنْد سكره.
وَكَانَ أَبُو امرىء الْقَيْس قد قتل قيسا أَبَا الطماح أَيَّام أوقع ببني أَسد فتحيل الطماح حَتَّى أَخذهَا فأنفذها إِلَى قَيْصر وَأخْبرهُ بِالْحَدِيثِ فَعرفهُ وَعلم صِحَّته. فَفِي ذَلِك يَقُول من قصيدة: الطَّوِيل
(لقد طمح الطماح من بعد أرضه
…
ليلبسني من دائه مَا تلبسا)
وَقَالَ أَيْضا من قصيدة: الطَّوِيل
(إِذا الْمَرْء لم يخزن عَلَيْهِ لِسَانه
…
فَلَيْسَ على شيءٍ سواهُ بخزان)
فَلَمَّا نفد امْرُؤ الْقَيْس بالجيش أَتَى الطماح ملك الرّوم فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الْملك أهلكت جَيْشًا بعثته مَعَ المطرود الَّذِي قتل أَبوهُ وَأهل بَيته وَمَا تُرِيدُ من نَصره وَكلما قتل بعض الْعَرَب بَعْضًا كَانَ خيرا لَك قَالَ: فَمَا الرَّأْي قَالَ: أَن تتدارك جيشك وترده وتبعث إِلَى امرىء الْقَيْس بحلةٍ مَسْمُومَة.
فَفعل وعزم على امرىء الْقَيْس أَن يلبسهَا فَدخل امْرُؤ الْقَيْس الْحمام فاطلى
ولبسها وَقد رق جلده لقروح كَانَت بِهِ فتساقط لَحْمه. ورد قَيْصر جَيْشه. وَقدم امرؤا لقيس أنقرة وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا الْآن أنكورية فَأَقَامَ بهَا مدنفاً يعالج قروحه وَنزل إِلَى جنب جبلٍ يُقَال لَهُ عسيب وَإِلَى)
جنبه قبرٌ لابنَة بعض الرّوم فَسَأَلَ عَن الْقَبْر فَأخْبر بِهِ فَقَالَ:
الطَّوِيل
(أجارتنا إِن الخطوب تنوب
…
وَإِنِّي مقيمٌ مَا أَقَامَ عسيب)
(أجارتنا إِنَّا غَرِيبَانِ هَا هُنَا
…
وكل غريبٍ للغريب نسيب)
فَلَمَّا أَيقَن بِالْمَوْتِ قَالَ: الرجز
(كم طعنةٍ مثعنجره
…
وخطبةٍ مسحنفره)
(وجفنةٍ مدعثره
…
قد غودرت بأنقره)
وَكَانَ هَذَا آخر مَا تكلم بِهِ وَمَات.
هَذَا مَا نقلته من كتاب مساوي الْخمر.
والمثعنجرة: السائلة. والمسحنفرة: الواسعة فِي الصِّحَاح يُقَال: اسحنفر فِي خطبَته إِذا مضى واتسع فِي كَلَامه. والجفنة بِفَتْح الْجِيم: الْقَصعَة. والمدعثرة: المتثلمة والمتكسرة.
وَقَوله: بطن ظَبْي وعرعرا هما موضعان.
وترجمة امرىء الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ.
وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:
الْبَسِيط
(إِن تركبوا فركوب الْخَيل عادتنا
…
أَو تَنْزِلُونَ فَإنَّا معشرٌ نزل)
على أَن تَنْزِلُونَ عِنْد الْخَلِيل معطوفٌ على إِن تركبوا على الْمَعْنى وَهُوَ الْمُسَمّى عطف التَّوَهُّم.
وَقَالَ يُونُس: هُوَ على الْقطع أَي: بل أَنْتُم نازلون وأو بِمَعْنى بل.
وكلٌّ من الْخَلِيل وَيُونُس شيخ سِيبَوَيْهٍ. وَهَذَا نَصه فِي الْكتاب.
وَسَأَلت الْخَلِيل رحمه الله عَن قَول الْأَعْشَى.
إِن تركبوا فركوب الْخَيل عادتنا
…
...
…
...
…
. الْبَيْت فَقَالَ: الْكَلَام هَا هُنَا على قَوْله يكون كَذَا أَو يكون كَذَا لما كَانَ مَوْضِعه مَا لَو قَالَ فِيهِ أتركبون لم ينقص الْمَعْنى صَار بِمَنْزِلَة وَلَا سَابق شَيْئا.
وَأما يُونُس فَقَالَ: أرفعه على الِابْتِدَاء كَأَنَّهُ قَالَ: أَو أَنْتُم نازلون. وَقَول يُونُس أسهل.
وَأما قَول الْخَلِيل فَجعله بِمَنْزِلَة قَول زُهَيْر: الطَّوِيل
(بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى
…
وَلَا سابقٍ شَيْئا إِذا كَانَ جائيا))
والإشراك على هَذَا التَّوَهُّم بعيد كبعد: وَلَا سَابق شَيْئا. انْتهى.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي رفع تَنْزِلُونَ حملا على معنى إِن تركبوا لِأَن مَعْنَاهُ وَمعنى أتركبون مُتَقَارب. وَكَأَنَّهُ قَالَ: أتركبون فَذَلِك عادتنا أَو تَنْزِلُونَ فِي مُعظم الْحَرْب فَنحْن معروفون بذلك.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه.
وَحمله يُونُس على الْقطع وَالتَّقْدِير عِنْده: أَو أَنْتُم تَنْزِلُونَ. وَهَذَا أسهل فِي اللَّفْظ وَالْأول اصح فِي الْمَعْنى وَالنّظم والخليل مِمَّن يَأْخُذ بِصِحَّة الْمعَانِي وَلَا يُبَالِي باختلال الْأَلْفَاظ. انْتهى.
وَكَذَا نقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي.
فَأَنت ترى أَنهم حملوه على إِضْمَار الْمُبْتَدَأ بِالنَّقْلِ عَن يُونُس وَلم يقل أحدٌ مِنْهُم: إِن أَو بِمَعْنى الإضراب كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق. وَلَا ضَرُورَة تلجئه إِلَيْهِ.
وَاقْتصر ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر على مَذْهَب الْخَلِيل وَخَصه بِالضَّرُورَةِ قَالَ: أَلا ترى أَن تَنْزِلُونَ حكمه أَن تحذف مِنْهُ النُّون للجزم لِأَنَّهُ مَعْطُوف على الْفِعْل المجزوم بأداة الشَّرْط وَهُوَ تركبوا لكنه اضْطر إِلَى رَفعه بالنُّون فَاسْتعْمل الرّفْع بدل الْجَزْم حملا على أتركبون المضمن معنى إِن تركبوا لِأَن الْفِعْل المستفهم عَنهُ جَائِز فِيهِ أَن يضمن معنى الشَّرْط إِلَّا أَن مَا حمل عَلَيْهِ رفع تَنْزِلُونَ لَا
يحوج إِلَى اللَّفْظ. انْتهى.
وَالْبَيْت من قصيدة الْأَعْشَى مَيْمُون الَّتِي أَولهَا: الْبَسِيط
(ودع هُرَيْرَة إِن الركب مرتحل
…
وَهل تطِيق وداعاً أَيهَا الرجل)
وَرُوِيَ الْبَيْت كَذَا أَيْضا:
(قَالُوا الطراد فَقُلْنَا تِلْكَ عادتنا
…
أَو تَنْزِلُونَ فَإنَّا معشرٌ نزل)
وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ.
وَلم يذكر الْخَطِيب التبريزي فِي شرح القصيدة غير هَذِه الرِّوَايَة وَقَالَ فِي شَرحه: يَقُول: إِن طاردتم بِالرِّمَاحِ فَتلك عادتنا وَإِن نزلتم تجالدون بِالسُّيُوفِ نزلنَا. انْتهى.
وَنزل بِضَمَّتَيْنِ: جمع نَازل. ونزولهم عَن الْخَيل يكون عِنْد ضيق المعركة ينزلون فيقاتلون على أَقْدَامهم وَفِي ذَلِك الْوَقْت يتداعون: نزال.
وَقد تقدم الْكَلَام على شرح النُّزُول مفصلا فِي الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة.
والأعشى شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.)
وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وَلَا ناعبٍ إِلَّا ببينٍ غرابها وَهَذَا عجز وصدره: مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرةً على أَن ناعب عطف بِالْجَرِّ على مصلحين الْوَاقِع خَبرا ل لَيْسَ على توهم الْبَاء فِيهِ فَإِنَّهَا يجوز ومشائيم: جمع مشؤوم كمنصور وَهُوَ من بِهِ الشؤم نسبهم إِلَى الشؤم وَقلة الصّلاح وَالْخَيْر.
يَقُول: لَا يصلحون أَمر الْعَشِيرَة إِذا فسد مَا بَينهم وَلَا يأتمرون بِخَير فغرابهم لَا ينعب إِلَّا بالتشتيت والفراق.
وَهَذَا مثلٌ للتطير والتشؤوم بهم. وَالْعرب تتشاءم بِصَوْت الْغُرَاب.