الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من بَاب التناصف. وللعرب قصائد قد أنصف قائلوها أعداءهم فِيهَا وَصَدقُوا عَنْهُم وَعَن أنفسهم فِيمَا اصطلوه من حر اللِّقَاء وَفِيمَا وصفوه من أَحْوَالهم فِي إمخاض الإخاء قد سَموهَا المنصفات. ويروى أَن أول من أنصف فِي شعره مهلهل بن ربيعَة حَيْثُ قَالَ: الوافر
(كأنا غدْوَة وَبني أَبينَا
…
بِجنب عنيزةٍ رحيا مدير)
وَمن التناصف فِي الإخاء قَول الْفضل بن الْعَبَّاس رضي الله عنهما فِي أبي لَهب: الْبَسِيط
(لَا تطمعوا أَن تهينونا ونكرمكم
…
وَأَن نكف الْأَذَى عَنْكُم وتؤذونا)
انْتهى.
وَالْعَبَّاس وَعَمْرو بن معديكرب صحابيان تقدّمت تَرْجَمَة الأول فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر وترجمة الثَّانِي فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل
(مَرَرْت على وَادي السبَاع وَلَا أرى
…
كوادي السبَاع حِين يظلم وَاديا)
…
(أقل بِهِ ركبٌ أَتَوْهُ تئية
…
وأخوف إِلَّا مَا وقى الله ساريا)
على أَن أفعل فِيهِ من قبيل: مَا رَأَيْت كعين زيدٍ أحسن فِيهَا الْكحل.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِنَّمَا أَرَادَ أقل بِهِ الركب تئية مِنْهُم. وَلكنه حذف اسْتِخْفَافًا كَمَا تَقول: أَنْت أفضل وَلَا تَقول من أحد. وَتقول: الله أكبر وَمَعْنَاهُ الله أكبر من كل شَيْء. انْتهى.
قَالَ ابْن خلف: حذف مِنْهُم وَبِه اختصاراً لعلم السَّامع. وَالْهَاء فِي بِهِ الأولى ضمير وَاديا وَالْهَاء فِي بِهِ الَّتِي بعد مِنْهُم ضمير وَادي السبَاع.
وَقَالَ الجاربردي فِي رِسَالَة ألفها لمسألة الْكحل على عبارَة الكافية: ولوقوع التَّغْيِير الْكثير فِي الْعبارَة الثَّالِثَة من الْحَذف والتقديم وَالتَّأْخِير رُبمَا يتَوَهَّم أَنَّهَا غير جَائِزَة فَلذَلِك احْتَاجَ إِلَى إِيرَاد نظيرٍ لَهَا جَاءَ فِي كَلَام الْعَرَب وَقد أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ قَوْله: مَرَرْت على وَادي السبَاع
…
...
…
... . الْبَيْت والاستشهاد إِنَّمَا يحصل من الْبَيْتَيْنِ بقوله: وَلَا أرى كوادي السبَاع أقل بِهِ ركب أَتَوْهُ تئية فِي وَادي)
السبَاع. فأفعل هَا هُنَا وَهُوَ أقل جرى لشيءٍ وَهُوَ فِي الْمَعْنى لمسببٍ هُوَ الركب مفضل بِاعْتِبَار من هُوَ لَهُ وَهُوَ قَوْله بِهِ على نَفسه بِاعْتِبَار وَادي السبَاع. انْتهى.
وَقد شرح الشَّارِح الْمُحَقق الْبَيْتَيْنِ بِمَا لم يسْبق بِهِ.
وَقَوله: الْوَاو فِي وَلَا أرى اعتراضية هَذَا بِالنّظرِ إِلَى مَا يَأْتِي بعد الْبَيْت الثَّانِي.
وَجعل الْعَيْنِيّ جملَة: وَلَا أرى حَالية.
وَقَوله: وَهُوَ بِمَعْنى الْمَفْعُول يَعْنِي أَن أخوف فِي الْبَيْت مَأْخُوذ من الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَجْهُول أَي: أَشد مخوفية كَمَا أَخذ أشهر وَأحمد من الْمَبْنِيّ للْمَجْهُول أَي: أَشد مشهورية ومحمودية.
وَقَوله: وَهُوَ مَنْصُوب على التَّمْيِيز من أقل هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَعَلِيهِ اقْتصر شَارِح اللّبَاب قَالَ: التئية: التَّوَقُّف والتثبت. وتئية تَمْيِيز من قَوْله: أقل أَي: أقل توقفاً. فَأَقل: أفعل من الْقلَّة مَنْصُوب لِأَنَّهُ صفة لمفعول أرى.
وَقَالَ الجاربردي: تئية إِمَّا مصدر على أَصله لِأَن الْإِتْيَان قد يكون تئية أَي: بتوقف وَقد يكون بِغَيْرِهِ. وَإِمَّا مصدرٌ فِي تَأْوِيل الْمُشْتَقّ أَي: متوقفين فَيكون حَالا. وأخوف عطف على أقل أَو على تئية إِن جعلت حَالا. وَإِلَّا مَا وقى الله: استثناءٌ مفرغ أَي: فِي كل وَقت إِلَّا وَقت وقاية الله الساري. انْتهى.
ومحصل الْمَعْنى أَن ثُبُوت الركب فِي وَادي السبَاع أقل من ثُبُوته فِي غَيره.
وَالشعر لسحيم بن وثيل وَهُوَ شَاعِر عصري الفرزدق وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ.
وَادي السبَاع: اسْم مَوضِع بطرِيق الْبَصْرَة. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: وَادي السبَاع جمع سبع بِالْبَصْرَةِ مَعْرُوف وَهُوَ الَّذِي قتل فِيهِ الزبير بن الْعَوام سمي بذلك لِأَن أَسمَاء بنت عمرَان بن الحاف بن قضاعة.
وَقَالَ
الْكَلْبِيّ: هِيَ أَسمَاء بنت دريم بن الْقَيْن بن أهود بن بهراء كَانَت تنزله. وَيُقَال لَهَا أم الأسبع لِأَن وَلَدهَا أَسد وكلب وَالذِّئْب والدب والفهد والسرحان. وَأَقْبل وَائِل بن قاسط فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا رَآهَا امْرَأَة ذَات جمال
فطمع فِيهَا ففطنت لَهُ فَقَالَت: لَو هَمَمْت بِي لأتاك أسبعي فَقَالَ: مَا أرى حولك أسبعاً. فدعَتْ بنيها فَأتوا بِالسُّيُوفِ من كل نَاحيَة. فَقَالَ: وَالله وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: وَادي السبَاع جمع سبع. والسبع: يُقَال: على مَا لَهُ نابٌ ويعدو)
على النَّاس وَالدَّوَاب فيفترسها مثل الْأسد وَالذِّئْب والنمر والفهد. فَأَما الثَّعْلَب فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ لَهُ نَاب فَإِنَّهُ لَيْسَ بسبعٍ لِأَنَّهُ لَا عدوان لَهُ. وَكَذَلِكَ الضبع.
ووادي السبَاع هُوَ الَّذِي قتل فِيهِ الزبير بن الْعَوام بن الْبَصْرَة وَمَكَّة بَينه وَبَين الْبَصْرَة خَمْسَة أَمْيَال. كَذَا ذكره أَبُو عُبَيْدَة.
ووادي السبَاع من نواحي الْكُوفَة سمي بذلك لما أذكرهُ لَك وَهُوَ: أَن أَسمَاء بنت دريم بن الْقَيْن بن أهود بن بهراء كَانَ يُقَال لَهَا: أم الأسبع.
وَوَلدهَا بَنو وبرة ابْن تغلب بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة يُقَال لَهُم السبَاع وهم: كلب وَأسد وَالذِّئْب والفهد والثعلب وسرحان. ونزكٌ بِفَتْح النُّون
وَسُكُون الزَّاي وَهُوَ الْحَرِيش وَيُقَال لَهُ: الكركدن لَهُ قرن وَاحِد يحمل الْفِيل على قرنه على مَا قيل. وجعثم وَهُوَ الضبع.
والفزر وَهُوَ الببر: نوع من الضباع دون جرم الفهد إِلَّا أَنه أَشد وأجرأ مِنْهُ. وعنزة وَهِي دابةٌ طَوِيلَة الخطم يعد من رُؤُوس السبَاع يَأْتِي النَّاقة فَيدْخل خطمه فِي حيائها وَيَأْكُل مَا فِي بَطنهَا وَيَأْتِي الْبَعِير فيمتلخ عَيْنَيْهِ. وهر وضبع.
والسمع بِالْكَسْرِ وَهُوَ ولد الذِّئْب من الضبع. وديسم وَهُوَ الثَّعْلَب وَقيل: ولد الذِّئْب.
ونمس وَهُوَ دويبة فَوق ابْن عرس يَأْكُل اللَّحْم وَهُوَ أسود ملمع ببياض.
والعفر: جنس من الببر. وَسيد. والدلدل. والظربان: دويبةٌ مُنْتِنَة الفساء. ووعوع وَهُوَ ابْن آوى الضخم. وَكَانَت تنزل مَعَ أَوْلَادهَا بِهَذَا الْوَادي فَسُمي وَادي السبَاع بِأَوْلَادِهَا.
قَالَ ابْن حبيب: مر وَائِل بن قاسط بأسماء هَذِه أم ولد وبرة وَكَانَت امْرَأَة جميلَة وبنوها يرعون حولهَا فهم بهَا فَقَالَت لَهُ: لَعَلَّك أسررت فِي نَفسك مني شَيْئا فَقَالَ: أجل. فَقَالَت: لَئِن لم تَنْتَهِ لأستصرخن عَلَيْك فَقَالَ: وَالله مَا أرى بالوادي أحدا فَقَالَت: لَو دَعَوْت سباعه لمنعتني مِنْك وأعانتني عَلَيْك. فَقَالَ: أَو تفهم السبَاع عَنْك قَالَت: نعم.
ثمَّ رفعت صَوتهَا: يَا كلب يَا ذِئْب يَا فَهد يَا دب يَا سرحان يَا أَسد. فجاؤوا يتعادون وَيَقُولُونَ: مَا خبرك يَا أُمَّاهُ قَالَت: ضيفكم هَذَا أَحْسنُوا قراه. وَلم تَرَ أَن تفضح نَفسهَا عِنْد بنيها فذبحوا لَهُ وأطعموه فَقَالَ وَائِل: مَا هَذَا إِلَّا وَادي السبَاع فَسُمي ذَلِك. انْتهى.