الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفِعْل الْمَاضِي)
أنْشد فِيهِ
(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة)
الْبَسِيط وَالله لَا عذبتهم بعْدهَا سقر على أَن الْمَاضِي النَّفْي بِلَا فِي جَوَاب الْقسم ينْصَرف إِلَى الِاسْتِقْبَال كَمَا فِي الْبَيْت.
وَهُوَ عجز وصدره: حسب المحبين فِي الدُّنْيَا عَذَابهمْ وَالْبَيْت من قصيدةٍ للمؤمل بن أميل الْمحَاربي قَالَهَا فِي امرأةٍ كَانَ يهواها من أهل الْحيرَة يُقَال لَهَا: هِنْد وَهِي قصيدة مَشْهُورَة.
وَمِنْهَا:
(شف المؤمل يَوْم الْحيرَة النّظر
…
لَيْت المؤمل لم يخلق لَهُ بصر)
وَمِنْهَا:
روى الْأَصْبَهَانِيّ بِسَنَدِهِ فِي الأغاني عَن عَليّ بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ قَالَ: رأى المؤمل فِي نَومه قَائِلا يَقُول: أَنْت المتألي على الله أَنه لَا يعذب المحبين حَيْثُ تَقول:
(يَكْفِي المحبين فِي الدُّنْيَا عَذَابهمْ
…
وَالله لَا عذبتهم بعْدهَا سقر)
فَقَالَ: نعم. فَقَالَ: كذبت يَا عَدو الله ثمَّ أَدخل إصبعيه فِي عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَهُ: أَنْت الْقَائِل: شف المؤمل يَوْم الْحيرَة النّظر
…
...
…
. . الْبَيْت
هَذَا مَا تمنيت فانتبه فَزعًا فَإِذا هُوَ قد عمي.
وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن مُصعب الزبيرِي أَنه قَالَ: أنْشد الْمهْدي: قتلت شَاعِر هَذَا الْحَيّ من مضرٍ
…
...
…
. الْبَيْت فَضَحِك وَقَالَ: لَو علمنَا أَنَّهَا فعلت لما رَضِينَا ولغضبنا لَهُ وأنكرنا. انْتهى.
وشفه: بالشين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء بِمَعْنى أرقه وأهزله ونقصه. والمتألي بِمَعْنى الْحَالِف: اسْم فَاعل من تألى من الألية وَهِي الْيَمين. وَيُقَال مِنْهَا آل إِيلَاء وائتلى أَيْضا: افتعل من الألية.)
والمؤمل: ابْن أميل بن أسيد الْمحَاربي. والمؤمل بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول وَالثَّانِي: بِالتَّصْغِيرِ وَكِلَاهُمَا مأخوذان من الأمل وَالثَّالِث: بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة.
وَهَذِه تَرْجَمته من الأغاني قَالَ: هُوَ المؤمل بن أميل بن أسيد الْمحَاربي من محَارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مُضر. شاعرٌ كوفيٌّ من مخضرمي شعراء الدولتين الأموية والعباسية.
وَكَانَت شهرته فِي العباسية أَكثر لِأَنَّهُ كَانَ من الْجند المرتزقة مَعَهم وَمن يخصهم ويخدمهم من أَوْلِيَائِهِمْ.
وَانْقطع إِلَى الْمهْدي فِي حَيَاة أَبِيه وَبعده. وَهُوَ صَالح الْمَذْهَب فِي شعره لَيْسَ من المبرزين الفحول وَلَا المرذولين. وَفِي شعره لين. وَله طبعٌ صَالح.
وَرُوِيَ عَنهُ بالسند أَنه قَالَ: قدمت على الْمهْدي وَهُوَ بِالريِّ وَهُوَ إِذْ ذَاك ولي عهد فامتدحته بأبياتٍ فَأمر لي بِعشْرين ألف دِرْهَم فَكتب
بذلك صَاحب الْبَرِيد إِلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَهُوَ بِمَدِينَة السَّلَام يُخبرهُ أَن الْأَمِير الْمهْدي أَمر لشاعر بِعشْرين ألف دِرْهَم فَكتب إِلَيْهِ يعذله ويلومه وَيَقُول لَهُ: إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي لَك أَن تعطيه بعد أَن يُقيم ببابك سنة أَرْبَعَة أُلَّاف دِرْهَم.
وَكتب إِلَى كَاتب الْمهْدي أَن يُوَجه إِلَيْهِ بالشاعر. فَطلب فَلم يقدر عَلَيْهِ وَكتب إِلَى أبي جَعْفَر: إِنَّه قد توجه إِلَى مَدِينَة السَّلَام. فأجلس قائداً من قواده على جسر النهروان وَأمره أَن يتصفح النَّاس رجلا رجلا.
فَجعل لَا تمر بِهِ قافلة إِلَّا تصفح من فِيهَا حَتَّى مرت الْقَافِلَة الَّتِي فِيهَا المؤمل فتصفحهم فَلَمَّا سَأَلَهُ من أَنْت قَالَ: أَنا المؤمل بن أميل الْمحَاربي الشَّاعِر أحد زوار الْأَمِير الْمهْدي. فَقَالَ: إياك طلبت. قَالَ المؤمل: فكاد قلبِي ينصدع خوفًا من أبي جَعْفَر الْمَنْصُور.
فَقبض عَليّ وأسلمني إِلَى الرّبيع فَأَدْخلنِي إِلَى أبي جَعْفَر وَقَالَ لَهُ: هَذَا الشَّاعِر الَّذِي أَخذ من الْمهْدي عشْرين ألف دِرْهَم قد ظفرنا بِهِ. فَقَالَ: أدخلوه إِلَيّ.
فأدخلت عَلَيْهِ فَسلمت تَسْلِيم مذعور مروع فَرد عَليّ السَّلَام وَقَالَ: لَيْسَ لَك هَا هُنَا إِلَّا خيرٌ أَنْت المؤمل بن أميل. قلت: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: أتيت غُلَاما غراً كَرِيمًا فخدعته فانخدع. قلت: نعم أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أتيت غُلَاما غراً كَرِيمًا فخدعته فانخدع. قَالَ: فَكَأَن ذَلِك أعجبه فَقَالَ: أَنْشدني مَا قلت لَهُ.
فَأَنْشَدته:
الوافر)
(هُوَ الْمهْدي إِلَّا أَن فِيهِ
…
مشابهةً من الْقَمَر الْمُنِير)
(تشابه ذَا وَذَا فهما إِذا مَا
…
أنارا مشكلان على الْبَصِير)
(فَهَذَا فِي الظلام سراج ليلٍ
…
وَهَذَا فِي النَّهَار ضِيَاء نور)
(وَلَكِن فضل الرَّحْمَن هَذَا
…
على ذَا بالمنابر والسرير)
(وبالملك الْعَزِيز فَذا أميرٌ
…
وماذا بالأمير وَلَا الْوَزير)
(فيا ابْن خَليفَة الله الْمُصَفّى
…
بِهِ تعلو مفاخرة الفخور)
(لَئِن فت الْمُلُوك وَقد توافوا
…
إِلَيْك من السهولة والوعور)
(لقد سبق الْمُلُوك أَبوك حَتَّى
…
بقوا من بَين كابٍ أَو حسير)
(وَجئْت مُصَليا تجْرِي حثيثاً
…
وَمَا بك حِين تجْرِي من فتور)
(فَقَالَ النَّاس: مَا هَذَانِ إِلَّا
…
كَمَا بَين الخليق إِلَى الجدير)
(لَئِن سبق الْكَبِير فَأهل سبقٍ
…
لَهُ فضل الْكَبِير على الصَّغِير)
(وَإِن بلغ الصَّغِير مدى كبيرٍ
…
فقد خلق الصَّغِير من الْكَبِير)
فَقَالَ: وَالله لقد أَحْسَنت وَلَكِن هَذَا لَا يُسَاوِي عشْرين ألف دِرْهَم فَأَيْنَ المَال هَا هُوَ هَذَا.
قَالَ: يَا ربيع امْضِ مَعَه فأعطه أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَخذ مِنْهُ الْبَاقِي.
قَالَ المؤمل: فَخرج معي الرّبيع فحط ثقلي وَوزن لي من المَال أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَأخذ الْبَاقِي.
فَلَمَّا ولي الْمهْدي الْخلَافَة ولى ابْن ثَوْبَان الْمَظَالِم فَكَانَ يجلس للنَّاس بالرصافة فَإِذا مَلأ كساءه رِقَاعًا رَفعهَا إِلَى الْمهْدي فَرفعت إِلَيْهِ رقعةٌ فَلَمَّا دخل بهَا
ابْن ثَوْبَان جعل الْمهْدي ينظر فِي الرّقاع حَتَّى إِذا وصل إِلَى رقعتي ضحك.
فَقَالَ لَهُ ابْن ثَوْبَان: أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا رَأَيْتُك ضحِكت من شيءٍ من هَذِه الرّقاع إِلَّا من هَذِه الرقعة. فَقَالَ: هَذِه رقْعَة أعرف سَببهَا ردوا إِلَيْهِ عشْرين ألف دِرْهَم. فردوها إِلَيّ وانصرفت.
وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن أبي مُحَمَّد اليزيدي عَن المؤمل بن أميل قَالَ: صرت إِلَى الْمهْدي بجرجان فمدحته بِقَوْلِي: المتقارب
(تعز ودع عَنْك سلمى وسر
…
حثيثاً على سائرات البغال)
(وكل جوادٍ لَهُ ميعةٌ
…
يخب بسرجك بعد الكلال))
(إِلَى الشَّمْس شمس بني هاشمٍ
…
وَمَا الشَّمْس كالبدر أَو كالهلال)
(ويضحكه أَن يدون السُّؤَال
…
ويتلف من ضحكه كل مَال)
فاستحسنها الْمهْدي وَأمر لي بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم.
وشاع الشّعْر وَكَانَ فِي عسكره رجلٌ يعرف بِأبي الهوسات يُغني فغنى
فِي الشّعْر لرفقائه وَبلغ ذَلِك الْمهْدي فَبعث إِلَيْهِ سرا فَدخل عَلَيْهِ فغناه فَأمر لَهُ بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَأمر لي بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم أُخْرَى وَكتب بذلك صَاحب الْبَرِيد إِلَى الْمَنْصُور.
ثمَّ ذكر بَاقِي الْخَبَر نَحْو مَا تقدم قبله وَزَاد فِيهِ أَن الْمَنْصُور قَالَ لَهُ: جِئْت إِلَى غُلَام غرٍّ فخدعته حَتَّى أَعْطَاك من مَال الله عشْرين ألف دِرْهَم لشعرٍ قلته فِيهِ غير جيد وأعطاك من رَقِيق الْمُسلمين مَالا يملكهُ وأعطاك من الكراع والأثاث مَا أسرف فِيهِ يَا ربيع خُذ مِنْهُ ثَمَانِيَة عشر ألف دِرْهَم وأعطه أَلفَيْنِ وَلَا تعرض لشيءٍ من الأثاث وَالدَّوَاب وَالرَّقِيق فَفِي ذَلِك غناهُ.
فَأخذت مني وَالله بخواتمها.
فَلَمَّا ولي الْمهْدي
دخلت عَلَيْهِ فِي المتظلمين فَلَمَّا رَآنِي ضحك وَقَالَ: مظلمةٌ أعرفهَا وَلَا أحتاج إِلَى بينةٍ عَلَيْهَا. وَجعل يضْحك وَأمر بِالْمَالِ فَرد عَلَيْهِ بِعَيْنِه وَزَادَنِي فِيهِ عشرَة آلَاف دِرْهَم.
انْتهى.
وَمن شعره: الطَّوِيل
(حلمت بكم فِي نومتي فغضبتم
…
وَلَا ذَنْب لي إِن كنت فِي النّوم أحلم)
(سأطرد عني النّوم كَيْلا أَرَاكُم
…
إِذا مَا أَتَانِي النّوم وَالنَّاس نوم)
(تصارمني وَالله يعلم أنني
…
أبر بهَا من والديها وأرحم)
(وَقد زَعَمُوا لي أَنَّهَا نذرت دمي
…
وَمَا لي بِحَمْد الله لحمٌ وَلَا دم)
(بَرى حبها لحمي وَلم يبْق لي دَمًا
…
وَإِن زَعَمُوا أَنِّي صحيحٌ مُسلم)
(فَلم أر مثل الْحبّ صَحَّ سقيمه
…
وَلَا مثل من لَا يعرف الْحبّ يسقم)
(ستقتل جلدا بَالِيًا فَوق أعظمٍ
…
وَلَيْسَ يُبَالِي الْقَتْل جلدٌ وَأعظم)
روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى حُذَيْفَة بن مُحَمَّد الطَّائِي قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: رَأَيْت المؤمل شَيخا كَبِيرا نحيفاً أعمى فَقلت لَهُ لقد صدقت فِي قَوْلك:
وَقد زَعَمُوا لي أَنَّهَا نذرت دمي
…
...
…
الْبَيْت)
فَقَالَ: نعم فديتك لَا أَقُول إِلَّا حَقًا