الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأدنى ودانيت فاعلت كِلَاهُمَا من الدنو وَهُوَ الْقرب. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: أَرَادَ إِلَى الْمَوْت أدنى. وَإِذا دانيت إِلَيّ الأسل. فَوضع اللَّام فِي مَوضِع إِلَى لِأَن الدنو وَمَا تصرف مِنْهُ أَصله التَّعَدِّي بإلى. وَمثله فِي إِقَامَة اللَّام مقَام إِلَى قَول الله سُبْحَانَهُ: بِأَن رَبك أوحى لَهَا أَي: أوحى إِلَيْهَا. اه.
والأسل بِفتْحَتَيْنِ: أَطْرَاف الرماح وَقيل: هِيَ الأسنة الْوَاحِد أسلة بِزِيَادَة الْهَاء. والحرار بِكَسْر الْمُهْملَة: جمع حرى كعطاش جمع عطشى وزنا وَمعنى.
يَقُول لعمارة الْعَبْسِي: ستعلم إِذا تقابلنا ودانيت الرماح بَيْننَا أَيّنَا أقرب إِلَى الْمَوْت. أَي: إِنَّك زعمت أَنَّك تقتلني إِذا لقيتني وَأَنت أقرب إِلَى الْمَوْت عِنْد ذَلِك مني.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الستمائة)
السَّرِيع
(وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً
…
وَإِنَّمَا الْعِزَّة للكاثر)
على أَن من فِيهِ لَيست تفضيلية بل للتَّبْعِيض أَي: لَيست من بَينهم بِالْأَكْثَرِ حصاً إِلَى آخر مَا وَالْبَيْت من قصيدةٍ للأعشى مَيْمُون فضل فِيهَا عَامر بن الطُّفَيْل عَدو الله على عَلْقَمَة بن علاثة الصَّحَابِيّ قبل إِسْلَامه.
وَتقدم شرح أَوَائِل
هَذِه القصيدة وَسبب تفضيله على عَلْقَمَة فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ.
وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا:
(إِن ترجع الْحق إِلَى أَهله
…
فلست بالمسدي وَلَا النائر)
(وَلست فِي السّلم بِذِي نائلٍ
…
وَلست فِي الهيجاء بالجاسر)
(وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً
…
وَإِنَّمَا الْعِزَّة للكاثر)
(وَلست فِي الأثرين من مالكٍ
…
وَلَا أبي بكر أولي النَّاصِر)
(هم هَامة الْحَيّ إِذا مَا دعوا
…
وَمَالك فِي السودد القاهر)
(سدت بني الْأَحْوَص لم تعدهم
…
وعامرٌ سَاد بني عَامر)
(سَاد وألفى قومه سادةً
…
وكابراً سادوك عَن كَابر)
(فاصبر على حظك مِمَّا ترى
…
فَإِنَّمَا الفلج مَعَ الصابر)
المسدي من السدى بِالْفَتْح وَالْقصر وَهُوَ مَا مد من الثَّوْب. يُقَال: أسدى الثَّوْب وسداه والنائر: اسْم فَاعل من نرت الثَّوْب نيراً بِالْفَتْح ونيرته وأنرته: جعلت لَهُ نيراً بِالْكَسْرِ وَهُوَ علمٌ للثوب وهدبه وَلحمَته.
وَهَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا. وَهَذَا مثلٌ يضْرب فِي التبري من الشَّيْء كَقَوْلِهِم: لَا فِي العير وَلَا فِي النفير.
وَهَذَا خطابٌ مَعَ عَلْقَمَة بن علاثة.
وَالسّلم بِالْكَسْرِ: خلاف الْحَرْب. والنائل بِمَعْنى النوال وَهُوَ الْعَطاء.
والهيجاء: الْحَرْب.
والجاسر بِالْجِيم من الجسارة وَهِي الجراءة والشجاعة.
والحصا: الْعدَد وَالْمرَاد بِهِ هُنَا عدد الأعوان وَالْأَنْصَار وَإِنَّمَا أطلق الْحَصَا على الْعدَد لِأَن الْعَرَب)
أُمِّيُّونَ لَا يعْرفُونَ الْحساب بالقلم وَإِنَّمَا كَانُوا يعدون بالحصا وَبِه يحسبون الْمَعْدُود. واشتقوا مِنْهُ فعلا فَقَالُوا: أحصيت.
والعزة: الْقُوَّة وَالْغَلَبَة. قَالَ الدماميني: بِهَذَا الْمَعْنى فَسرهَا الْجَوْهَرِي فِي الْبَيْت وَلَا مَانع من جعلهَا بِمَعْنى خلاف الذلة.
أَقُول: الْجَوْهَرِي لم يذكر الْبَيْت هُنَا وَالْمعْنَى الَّذِي ذكره لازمٌ للقوة وَالْغَلَبَة. والكاثر بِمَعْنى الْكثير كَذَا فِي الصِّحَاح.
وَيجوز أَن يكون اسْم فَاعل من كثرتهم إِذا غلبتهم فِي الْكَثْرَة. قَالَ صَاحب الْقَامُوس:
وَعَلِيهِ اقْتصر بعض شرَّاح شَوَاهِد الْمفصل قَالَ: الكاثر: الْغَالِب من كاثرته فكثرته.
والأثرين جمع أثرى جمع تَصْحِيح بِمَعْنى ذِي ثروة وَذي ثراءٍ أَي: ذِي عدد وَكَثْرَة مَال. قَالَ الْأَصْمَعِي: ثرا الْقَوْم يثرون إِذا كَثُرُوا ونموا.
وَمَالك: هُوَ جد عَامر بن الطُّفَيْل بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب بن ربيعَة ابْن عَامر بن صعصعة.
وَأَبُو بكر: عَم جده واسْمه عبيد بِالتَّصْغِيرِ بن كلاب بن ربيعَة الْمَذْكُور. فَأَبُو بكر أَخُو جَعْفَر بن كلاب.
والأحوص هُوَ جد وَالِد عَلْقَمَة ابْن علاثة لِأَن عَلْقَمَة هُوَ عَلْقَمَة بن عَوْف ابْن الْأَحْوَص بن جَعْفَر الْمَذْكُور. فالأحوص ومالكٌ أَخَوان والطفيل وعَوْف ابْنا عَم.
والفلج بِضَم الْفَاء: اسمٌ من فلج الرجل على خَصمه يفلج فلجاً من بَاب نصر وَهُوَ الظفر والفوز. وَهَذَا من قبيل التهكم.
وَقَوله: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً ظَاهره الْجمع بَين أل وَبَين من فِي أفعل التَّفْضِيل. وَجوزهُ أَبُو عمر الْجرْمِي فِي الشّعْر.
رَأَيْت فِي نَوَادِر أبي زيد عِنْد الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت قَالَ أَبُو عمر: هَذَا يجوز فِي الشّعْر يُقَال: أَنْت أَكثر مِنْهُ مَالا وَأَنت الْأَفْضَل إِذا لم تأت بِمن فَإِذا اضْطر الشَّاعِر قَالَ: أَنْت الْأَفْضَل وَلَا يجوز إِلَّا فِي اضطرا. وَلَو قَالَ: أَنْت الْأَكْبَر من هَؤُلَاءِ وَهُوَ مِنْهُم لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنْت أكبر مِنْهُم.
انْتهى.
وَنسب ابْن جني جَوَاز الْجمع بَينهمَا إِلَى الجاحظ فِي موضِعين من الخصائص قَالَ فِي أَوَائِله فِي بَاب الرَّد على من اعْتقد فَسَاد علل النَّحْوِيين: يحْكى عَن الجاحظ أَنه قَالَ: قَالَ النحويون إِن أفعل)
الَّذِي مؤنثه فعلى لَا تَجْتَمِع فِيهِ الْألف وَاللَّام وَمن وَإِنَّمَا هُوَ بِمن أَو بِالْألف وَاللَّام.
ثمَّ قَالَ: وَقد قَالَ الْأَعْشَى: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً
…
...
…
. . الْبَيْت رحم الله أَبَا عُثْمَان أما إِنَّه لَو علم أَن من فِي هَذَا الْبَيْت لَيست الَّتِي تصْحَب أفعل للْمُبَالَغَة لضرب عَن هَذَا القَوْل إِلَى غَيره مِمَّا يَعْلُو فِيهِ قَوْله ويعنو لسداده وَصِحَّته خَصمه.
وَكَذَلِكَ نسب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذَا القَوْل إِلَى الجاحظ ووهمه. وَمنع النُّحَاة الْجمع بَينهمَا.
وَبَين ابْن جني وَجه الْمَنْع فِي أَوَاخِر الخصائص فِي بَاب الِامْتِنَاع من نقض الْفَرْض وَمثل لَهُ أَمْثِلَة ثمَّ قَالَ: وَمن ذَلِك امتناعهم أَي: امْتنَاع الْعَرَب من إِلْحَاق من بأفعل إِذا عَرفته بِاللَّامِ نَحْو الْأَحْسَن مِنْهُ.
وَذَلِكَ أَن من تكسب مَا يتَّصل بِهِ من أفعل هَذَا تَخْصِيصًا مَا.
أَلا تراك لَو قلت دخلت الْبَصْرَة فَرَأَيْت أفضل من ابْن سِيرِين لم يسْبق الْوَهم إِلَّا إِلَى الْحسن. وَإِذا قلت الْأَحْسَن أَو الْأَفْضَل أَو نَحْو ذَلِك فقد استوعبت اللَّام من التَّعْرِيف أَكثر مِمَّا تفيده من حصَّتهَا من التَّخْصِيص.
وكرهوا أَن يتراجعوا بَعْدَمَا حكمُوا بِهِ من قُوَّة التَّعْرِيف إِلَى الِاعْتِرَاف بضعفه إِذا هم أتبعوه من الدَّالَّة على حَاجته إِلَيْهَا وَإِلَى قدر مَا تفيده من التَّخْصِيص المفاد مِنْهُ.
فَأَما مَا ظن أَبُو عُثْمَان الجاحظ من أَنه يدْخل على أَصْحَابنَا فِي هَذَا من قَول الشَّاعِر: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً
…
...
…
الْبَيْت فساقط. وَذَلِكَ أَن من هَذِه لَيست هِيَ الَّتِي تصْحَب أفعل هَذَا لتخصيصه. انْتهى.
وَوجه الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لغيره مَا فِي هَذَا الْبَيْت من ظَاهر الْإِشْكَال بِثَلَاثَة أجوبة: أَحدهَا: أَن من فِيهِ لَيست تفضيلية بل للتَّبْعِيض أَي: لست من بَينهم بِالْأَكْثَرِ حصاً.
يحْتَمل من هَذَا التَّقْدِير أَن يكون مُرَاده أَن الظّرْف حالٌ من التَّاء فِي لست كَمَا قَالَ ابْن جني فِي الْموضع الثَّانِي من الخصائص وَعبارَته: وَمن إِنَّمَا هِيَ حالٌ من تَاء لست كَقَوْلِك: لست فيهم بالكثير مَالا أَي: لست من بَينهم وَفِي جُمْلَتهمْ بِهَذِهِ الصّفة كَقَوْلِك: أَنْت وَالله من بَين النَّاس حرٌّ وَزيد من جملَة رهطه كريم. هَذَا كَلَامه.
أَحدهمَا: أَن لَيْسَ لَا تدل على الْحَدث فَلَا تعْمل فِي الظّرْف.)
وَثَانِيهمَا: لُزُوم الْفَصْل بَين أفعل وتمييزه بالأجنبي.
وَأجَاب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي عَن الأول بِأَن الظّرْف يجوز تعلقه بِمَا فِيهِ رَائِحَة الْفِعْل وَفِي لَيْسَ رَائِحَة النَّفْي. وَعَن الثَّانِي بِأَن الْفَصْل قد جَاءَ للضَّرُورَة فِي قَوْله: المتقارب ثَلَاثُونَ للهجر حولا كميلاً
وأفعل أقوى فِي الْعَمَل من ثَلَاثُونَ. انْتهى.
وَزَاد ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل قَالَ: وَيجوز أَن يكون مُتَعَلقا بِالْأَكْثَرِ على حد مَا يتَعَلَّق بِهِ الظّرْف لَا على حد: هُوَ أفضل من زيد كَأَنَّهُ قَالَ: وَلست بِالْأَكْثَرِ فيهم لِأَن أفعل بِمَعْنى الْفِعْل أظهر مِنْهُ فِي لَيْسَ يدل على ذَلِك نصب الظّرْف فِي قَوْله:
الطَّوِيل
(فَإنَّا رَأينَا الْعرض أحْوج سَاعَة
…
إِلَى الصون من ريطٍ يمانٍ مسهم)
أَلا ترى أَن الظّرْف هُنَا لَا يتَعَلَّق إِلَّا بأحوج وَتَعْلِيق الظّرْف بليس لَيْسَ بالسهل لجريه مجْرى الْحُرُوف. انْتهى.
وَلَو جعل الظّرْف حَالا من الضَّمِير فِي أَكثر لاستغنى عَن هَذَا.
وَالْأَكْثَرُونَ على أَن من هُنَا للْبَيَان. قَالَ أَبُو حَيَّان: من فِي الْبَيْت للْبَيَان. لَا للتفضيل والمفضل عَلَيْهِ معلومٌ من الْعَهْد. وَبَيَان ذَلِك: أَنَّك تَقول لمخاطبك: زيد أفضل من عَمْرو ثمَّ تَقول لَهُ بعد ذَلِك: زيد الْأَفْضَل من تَمِيم فَمن هُنَا للْبَيَان أَي: إِن زيدا الَّذِي هُوَ أفضل من عَمْرو هُوَ من تَمِيم. وَلَك أَن تجمع بَينهمَا فَتَقول: زيد أفضل من عَمْرو من تَمِيم. انْتهى.
وعَلى هَذَا فالظرف حالٌ لَا غير.
وَقَالَ بَعضهم: من هُنَا بِمَعْنى فِي. وَيتَعَلَّق بِالْأَكْثَرِ. نَقله شَارِح أَبْيَات الموشح.
وَهَذَا كُله جوابٌ وَاحِد لإِخْرَاج من من التَّفْضِيل لَا أجوبةٌ مُتعَدِّدَة كَمَا زعم الْعَيْنِيّ. غَايَة مَا فِي الْبَاب الذاهبون إِلَى إخْرَاجهَا من التَّفْضِيل اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهَا.
الْجَواب الثَّانِي: أَن اللَّام زَائِدَة وَمن تفضيلية. وَهَذَا الْجَواب لأبي زيد فِي نوادره.
الثَّالِث: أَن من تفضيلية لَكِنَّهَا مُتَعَلقَة بأفعل آخر عَارِيا من اللَّام أَي: بِالْأَكْثَرِ أَكثر مِنْهُم. فَأكْثر الْمُنكر الْمَحْذُوف بدلٌ من الْأَكْثَر الْمُعَرّف الْمَذْكُور.
وَإِنَّمَا ضعفه بقوله: على مَا قيل لما ذكره فِي بَاب الْبَدَل من أَن النكرَة إِذا كَانَت بدل كل من معرفَة يجب وصفهَا وَلَيْسَ هُنَا وصف.)
هَذَا وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِي هَذَا الْبَيْت كَمَا رَوَاهُ أَبُو زيد فِي نوادره وَهِي ثَابِتَة فِي ديوانه وَيدل عَلَيْهَا سِيَاق الأبيات إِنَّمَا هِيَ: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ أَي: من عَامر.
وَلما وصلت إِلَى هُنَا رَأَيْت شرح المنافرة الَّتِي بَين عَلْقَمَة وَبَين عَامر بأبسط مِمَّا مر فِي أول شرح المقامات الحريرية للشريشي فَلَا بَأْس بإيراد قَالَ: نافر: حَاكم فِي النّسَب. وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا تنَازع الرّجلَانِ فِي الشّرف تنافرا إِلَى حكمائهم فيفضلون الْأَشْرَف. وَسميت منافرة لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ عِنْد الْمُفَاخَرَة: أَنا أعز نَفرا.
وَأشهر منافرة فِي الْجَاهِلِيَّة منافرة عَامر بن الطُّفَيْل بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب مَعَ عَلْقَمَة بن علاثة بن عَوْف بن الْأَحْوَص
بن جَعْفَر حِين قَالَ لَهُ عَلْقَمَة: الرياسة لجدي الْأَحْوَص وَإِنَّمَا صَارَت إِلَى عمك أبي برَاء من أَجله وَقد استسن عمك وَقعد عَنْهَا فَأَنا أولى بهَا مِنْك وَإِن شِئْت نافرتك.
فَقَالَ لَهُ عَامر: قد شِئْت وَالله لأَنا أشرف مِنْك حسباً وَأثبت نسبا وأطول قصباً.
فَقَالَ عَلْقَمَة: أنافرك وَإِنِّي لبرٌّ وَإنَّك لِفَاجِر وَإِنِّي لولود وَإنَّك لعاقر وَإِنِّي لوافٍ وَإنَّك لغادر.
فَقَالَ عَامر: أنافرك إِنِّي أسمى مِنْك سمة وأطول قمة وَأحسن لمة وأجعد جمة وَأبْعد همة.
فَقَالَ عَلْقَمَة: أَنا جميل وَأَنت قَبِيح وَلَكِن أنافرك إِنِّي أولى بالخيرات مِنْك.
فَخرجت أم عَامر فَقَالَت: نافره أيكما أولى بالخيرات. فَفَعَلُوا على أَن جعلُوا مائَة من الْإِبِل يُعْطِيهَا الحكم الَّذِي ينفر عَلَيْهِ صَاحبه. فَخرج عَلْقَمَة ببني خَالِد بن جَعْفَر وَبني الْأَحْوَص وَخرج عامرٌ ببني مَالك وَقَالَ: إِنَّهَا المقارعة عَن أحسابكم: فاشخصوا بِمثل مَا شخصوا
بِهِ.
وَقَالَ لِعَمِّهِ أبي برَاء: فَقَالَ: سبني. فَقَالَ: كَيفَ أسبك وَأَنت عمي فَقَالَ: وَأَنا لَا أسب الْأَحْوَص وَهُوَ عمي وَلم ينْهض مَعَه.
فَجعلَا منافرتهما إِلَى أبي سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة ثمَّ إِلَى أبي جهل بن هِشَام فَلم يَقُولَا بَينهمَا شَيْئا.
ثمَّ رجعا إِلَى هرم بن قُطْبَة بن سيار الْفَزارِيّ فَقَالَ: نعم لأحكمن بَيْنكُمَا فأعطياني موثقًا أطمئن بِهِ أَن ترضيا بحكمي وتسلما لما قضيت بَيْنكُمَا.
ففعلا فأقاما عِنْده أَيَّامًا. ثمَّ أرسل إِلَى عَامر فَأَتَاهُ سرا فَقَالَ: قد كنت أَحسب
أَن لَك رَأيا وَأَن فِيك خيرا وَمَا حبستك هَذِه الْمدَّة إِلَّا لتنصرف عَن صَاحبك. أتنافر رجلا لَا تَفْخَر أَنْت)
وَلَا قَوْمك إِلَّا بآبائه فَمَا الَّذِي أَنْت بِهِ خيرٌ مِنْهُ فَقَالَ عَامر: نشدتك الله وَالرحم أَن لَا تفضل عَليّ عَلْقَمَة فوَاللَّه لَئِن فعلت لَا أَفْلح بعْدهَا أبدا.
هَذِه ناصيتي فاجززها واحتكم فِي مَالِي فَإِن كنت لَا بُد فَاعِلا فسو بيني وَبَينه. فَقَالَ: انْصَرف فَسَوف أرى من آرائي.
فَانْصَرف عَامر وَهُوَ لَا يشك أَنه ينفره عَلَيْهِ. ثمَّ أرسل إِلَى عَلْقَمَة
سرا فَقَالَ لَهُ مَا قَالَ لعامر: وَقَالَ: أتفاخر رجلا هُوَ ابْن عمك فِي النّسَب وَأَبوهُ أَبوك وَهُوَ مَعَ ذَلِك أعظم مِنْك غناء وَأحمد لقاءٍ وأسمح سماحاً فَمَا الَّذِي أَنْت بِهِ خيرٌ مِنْهُ. فَرد عَلَيْهِ عَلْقَمَة مَا رد بِهِ عَامر وَانْصَرف وَهُوَ لَا يشك أَن ينف عَامِرًا عَلَيْهِ.
فَأرْسل هرمٌ إِلَى بنيه وَبني أَخِيه وَقَالَ لَهُم: إِنِّي قائلٌ فيهم غَدا مقَالَة فَإِذا فرغت فليطرد بَعْضكُم عشر جزائر فلينحرها عَن عَلْقَمَة وليطرد بَعْضكُم مثلهَا فلينحرها عَن عَامر وَفرقُوا بَين النَّاس لَا يَكُونُوا بَينهم جمَاعَة.
ثمَّ أصبح هرمٌ فَجَلَسَ مَجْلِسه وَأَقْبل عَامر وعلقمة حَتَّى جلسا فَقَالَ هرم: إنَّكُمَا يَا ابْني جَعْفَر قد تحاكمتما عِنْدِي وأنتما كركبتي الْبَعِير الآدم الْفَحْل تقعان الأَرْض وَلَيْسَ فيكما واحدٌ إِلَّا وَفِيه مَا لَيْسَ فِي صَاحبه وكلاكما سيد كريم. وَلم يفضل وَاحِدًا مِنْهُمَا على صَاحبه لكيلا يجلب بذلك شرا بَين الْحَيَّيْنِ. وَنحر الجزر وَفرق النَّاس.
وعاش هرمٌ حَتَّى أدْرك خلَافَة عمر فَقَالَ: يَا هرم أَي الرجلَيْن كنت مفضلاً لَو فعلت قَالَ: لَو قلت ذَلِك الْيَوْم عَادَتْ جَذَعَة ولبلغت شعفات هجر فَقَالَ
عمر: نعم مستودع السِّرّ أَنْت يَا هرم مثلك فليستودع الْعَشِيرَة أسرارهم