الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من هناك إلى قنسرين والعواصم فقتلا الأهلين ونهبا وخربا المساكن ولم يعفيا أحداً من أتباع بطريرك الموارنة، ثم انتهى جيشهما إلى طرابلس فخضع لهم أهل الكورة، ثم قوي الجبليون على عسكر الروم ثم قتلوا أكثرهم وانهزم الباقون. دعا الروم إلى قتال الموارنة لقولهم بالطبيعتين والمشيئتين ثم وفد وفد منهم مع لاون القائد يبيح أن يحارب الجيش الموجه عليهم، فلما عرف الجبليون وأهل العواصم بهذا انهالوا على الأروام من أعالي الجبل فقاتلوهم حتى قتلوا أكثرهم وانهزم الباقون. قال الدويهي: وبسبب هذه
الحملة على يوحنا مارون ولا سيما بسبب الوقعة التي جرت بين أهل الكورة وجبة بشري كان بدء التفرقة بين الموارنة والملكية. لأن الذين اتبعوا جيش الروم وانقادوا لرأيهم سموا ملكية تبعاً للملك، والذين ثبتوا في الأمانة تحت طاعة البطريرك يوحنا مارون سموا موارنة.
وقال ابن القلاعي: إن الموارنة في دخول المسلمين إلى الشام كانوا يسكنون جبل لبنان، ويتولون الجبال والسواحل التي تجاورهم، وبلادهم من حدود الشوف إلى بلاد الدريب، وأميرهم يسكن قرية بسكنتا نزل إلى البقاع في رجاله ونهبها وقتل كثيرين ولبث أياماً في قب الياس، فلما انتهى خبره إلى عبد الملك بن مروان أرسل اليه هدية ولم يزل يمكر به حتى قتله وقتل كثيرين من عسكره، وأحرق القرى وأبعد الموارنة من البقاع، ولم تزل الحروب منذ ذلك الحين ثائرة بين المسلمين والموارنة إلى نحو ثلاثين سنة ثم ابتنى الموارنة حصناً فوق نهر الكلب جرت عنده موقعة هائلة.
عهد الوليد:
توفي عبد الملك في سنة 86 بعد أن ولي الخلافة منذ قتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر، وكان من الحزم وسعة الصدر وجمال العلم والأدب على جانب عظيم، ويعد من فقهاء المدينة وهو أول من حولت الدواوين في أيامه إلى العربية، وفي عهده نقشت الدنانير والدراهم بالعربية 76 وكان قبل ذلك نقش الدنانير بالرومية ونقش الدراهم
بالفارسية، وهو أول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء، وكان الناس قبل ذلك يراجعون ويعترضون عليهم.
وبويع للوليد بن عبد الملك. وكانت أيامه من أبرك أيام بني أمية عمّر الجوامع العظام، وكتب إلى الأمصار بهدم المساجد والزيادة فيها، وبث في الأمة روح العمران، فكان الناس إذا التقوا في زمانه، يسأل بعضهم بعضاً عن الأبنية
والعمارات في كل مكان، وكان أول من عمل أعمالاً جسيمة ابتدعها في الصدقات والقربات، هذا مع أن الخراج انكسر في أيامه فلم يحمل كثير شيء من العراق وغيره، فاضطر إلى إحصاء أهل الديوان، وألقى منهم بشراً كثيراً بلغت عدتهم عشرين ألفاً، وأجرى الوليد على زمني أهل الشام كالمجذّمين والعميان وكساهم وأمر لكل منهم بخادم، وأخرج لعيالات الناس الطيب والكسوة، وزاد الناس جميعاً في العطاء عشرة عشرة، ثم زاد أهل الشام بعد زيادة العشرات عشرة عشرة لأهل الشام خاصة، وزاد من وفد إليه من أهل بيته في جوائزهم الضعف، وكان وهو ولسّ عهد، يطعم من وفد إليه من أهل الصائفة قافلاً، ويطعم من صدر عن الحج بمنزل زيزاء في البلقاء ثلاثة أيام، ويعلف دوابهم، ولم يقل في شيء يسأله: لا. فقيل له: إن في قولك أنظر عدة ما، يقيم عليها الطالب فقال: لا أعوّد لساني شيئاً لم أعتده وقال:
ضمنت لكم إن لم تعقني عوائق
…
بأن سماء الضر عنكم ستقلع
سيوشك إلحاق معاً وزيادة
…
وأعطية مني عليكم تَبرّع
محرّمكم ديوانكم وعطاؤكم
…
به يكتب الكتاب شهراً وتطبع
وقد بلغ بنو أمية في عهد الوليد أقصى درجات عزهم، واعتز بحكمه الإسلام والمسلمون، وفتحت الفتوح العظام وتغلغلت جيوشه في أرض الترك والروم والهند، وفتحت الأندلس وجاء فاتحها موسى بن نصير إلى دمشق يضع بين يدي الخليفة الأموال والجواهر، ويعرض أبناء ملوك البربر والجزائر والروم والأسبان والإفرنج يلبسون تيجانهم، ويقف أبناء ملوك أوروبا في باب الخليفة الأموي بحالة الأسر. وبعث الوليد أخاه مسلمة