الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقطع الدرب وينزل بعض حصون الروم ويكاتب ملكها ويجمع عليه رجاله وشيعته إلى أن يرتئي في أمره، ولكن حُمَّ القضاء ولا رادَّ لحكمه.
دولة بني مروان وحسناتها:
انقضت دولة بني مروان، وكانت دولة عربية صرفة سارت مع المدنية أشواطاً مع انشغالها بالفتح وقيام الخارجين عليها، ولم يبطلوا في كل دور غزو الروم، وكانوا على الأكثر يَسْبُون ويقتلون ويغنمون ويخربون حصونهم، والروم يغزون الشام وآسيا الصغرى وقد يصلون إلى إنطاكية ودُلوك مرعش. وكان أكثر ملوك الأمويين من الحزم والعلم وحسن السياسة والإدارة على جانب عظيم، والسواس منهم معاوية وعبد الملك وهشام، وليس كالوليد في باب الاضطلاع بإقامة المصانع، ولا مثل عمر ابن عبد العزيز في تطهير المملكة من المظالم وإحياء سنن العدل والمراحم ولا كسليمان ببعد النظر، وما منهم إلا العالم والشاعر والخطيب والسياسي، وقد فتحت عليهم الأقطار فنشروا فيها اللغة والدين على أيسر سبيل، وهذا مما لم يوفق إلى مثله غيرهم، ووضعوا أسس النظام في الممالك التي دوخوها وعرفوا ما يصلحها، وكانت إرادتهم أشبه باللامركزية في عهدنا، يبعثون بالعامل فيحل المسائل باجتهاده على رأي أهل الشرف والمكانة في القطر
الذي يتولاه، ولا يفاوض مقر الخلافة إلا في عويص الأمور، وقد نصب علم الأمويين الأبيض في المشارق والمغارب، نصب في الصين كما نصب في بواتيه في فرنسا، هذا وقد كثر المخلصون لدولتهم إلى أواخر أيامهم وقل المنتقضون عليهم المتوثبون على خلافتهم.
للدول كما للأفراد أعمار طبيعية. وملك بني أمية لم يطل أكثر من ألف شهر كاملة لأنهم ملكوا تسعين سنة وأحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً، يوضع من ذلك أيام الحسن بن علي وهي خمسة أشهر وعشرة أيام، وأيام عبد الله بن الزبير إلى الوقت الذي قتل فيه وهي سبع سنين وعشرة أشهر وثلاثة أيام. فيصير الباقي بعد ذلك ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر.
ذهب بنو أمية بالفضل في جمع الشمل، ولولا قيامهم هذا القيام
المحمود يحدوه الانتباه لكل ما يعلي شأن دولتهم. لما ثبتت الدولة الإسلامية هذا الثبات الذي استغرب منه الخُبر والخبر. قال المقريزي: أظهر الرسول بني أمية لجميع الناس بتوليتهم أعماله مما فتح الله عليه من البلاد، فقوي ظنهم وانبسط رجاؤهم وامتد في الولاية أملهم، وضعف أمل بني هاشم وانقبض رجاؤهم وقصر أملهم. قال: وقد ظهر لي أن ولاية رسول الله بني أمية الأعمال كانت إشارة منه إلى أن الأمر سيصير إليهم. قال: إنه عليه السلام توفي وثلاثة أرباع عماله منهم.
وطد مؤسس ملك الأمويين السلطان بالشام وبجند من أهله قاتل هو وأخلافه، واشتهر جند الشام بالطاعة حتى تمنى علي بن أبي طالب لو يقايض على عشرة من جنده بواحد من جند معاوية، فقال في إحدى خطبه: لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم. فتحت هذه الفتوح بنفس قوية وعقول راجحة وسياسة حازمة، وقاتل زعماؤهم وأبناؤهم بل بناتهم ونساؤهم حتى فتحوا الشام. وكان من جملة توفيق معاوية أنه
عرف طبائع هذا القطر وخصائصه من أبيه وآله وكانت لهم به علائق كثيرة في الجاهلية، ثم درس أحواله بنفسه فكان يعرف قوته معرفة حقيقية، ولذلك لم ينل منه علي بن أبي طالب منالاً لأنه كان أخذ لهذا الأمر عدته وتدبره ودبّره كان يأخذ بآراء أشراف القوم والنزول على حكم وفود الأرجاء، وكانت وفودهم تشبه ما يسميه الإفرنج بمجالس الولايات. وكان لمعاوية وآل بيته مجالس يعقدونها في المسجد الجامع تدور حول سياسة الأمة في الأكثر، وخطاب الخليفة يوم الجمعة بمثابة ما نسميه في عرف سياسة اليوم خطاب العرش، ومجالسهم أشبه بمجالس النواب والشيوخ والولايات، فلم يكونوا إلى الاستبداد بالرأي في معظم حالاتهم.
وفي الحق أن معاوية بن أبي سفيان أورث الإسلام مجداً، وأولى العرب عزَّة ومنعة، وكان العربي حيث نزل من الأرض محترماً، مرعي الجانب آمناً على نفسه وحقه، ولم يوفق إلى ذلك إلا بحسن السياسة وصائب التدبير. ذكر المسعودي، وهو من المنحرفين عن بني أُمية، أن