الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقتل المسلمون منهم مقتلة عظيمة. وقالوا: إن خالد بن الوليد لما جاء بصرى والمسلمون نزول عليها ضايق أهلها حتى صالحهم على أن يؤدوا عن كل حالم ديناراً وجريب حنطة. وافتتح المسلمون جميع أرض حوران وغلبوا عليها وقتئذ وذلك في سنة 13.
وقعة اليرموك:
أهم وقائع العرب في الشام التي انهزم فيها الروم شر هزيمة ولحق فَلُّهم بالشمال وقعة اليرموك - واليرموك نهر - فهي الوقعة الفاصلة التي هان بها الاستيلاء بعد ذلك على القدس ودمشق وما إليها، ثم على حمص وحماة وحلب وما إليها من البلدان، وظهر فيها النبوغ العربي في الحرب بأجلى مظاهره. وتبين أن تلك الأمة الفقيرة بمالها، ليست فقيرة بعقل رجالها. وقرأ العرب على الروم يومئذ درساً من مضائهم وحسن بلائهم، وأروهم راموزاً من تضامنهم واستماتتهم، وأتوهم بمثال من طيب أخلاقهم وجودة فطرهم، خلافاً لما كان عليه أعداؤهم من الانقسام وتشتت الأهواء والخصام.
لما قدم خالد بن الوليد مدداً للمسلمين في اليرموك وجد العرب يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش: أبو عبيدة على جيش: ويزيد بن أبي سفيان على جيش، وشرحبيل بن حسنة على جيش، وعمرو بن العاص على جيش. فقال خالد: إن هذا اليوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، فأخلصوا لله جهادكم، وتوجهوا إلى الله بعملكم. فإن هذا يوم له ما بعده، فلا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبئة وأنتم على تساند وانتشار، فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن مَن وراءكم لو يعلم علْمَكُم حال بينكم وبين هذا. فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من واليكم. قالوا: فما الرأي؟ قال: إن الذي أنتم عليه أشد على المسلمين مما غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم. ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم والله، فهلموا فلنتعاور الإمارة، فليكن علينا بعضنا اليوم، وبعضنا غداً، والآخر بعد غد حتى يتأمر كلكم، ودعوني اليوم عليكم. قالوا: نعم. فأمروه وهم يرون أنها كخرجاتهم، فكان الفتح على يد خالد. وجاءه البريد يومئذ بموت
أبي بكر وخلافة عمر وتأمير أبي عبيدة على الشام كله وعزل خالد، فأخذ الكتاب منه وتركه في
كنانته ووكل به من يمنعه أن يخبر الناس من الأمر لئلا يضعفوا. وهزم الروم وقتل منهم على الواقوصة ما يزيد على مائة ألف ثم دخل على أبي عبيدة وسلم عليه بالإمارة، وكانت من أعظم فتوح المسلمين وباب ما جاء بعدها من الفتوح، لأن الروم كانوا قد بلغوا في الاحتشاد فلما كُسروا ضعفوا ودخلتهم هيبة.
وفي كتاب أبي حذيفة أن المسلمين أوقعوا بالروم يوماً باليرموك فشد خالد في سرعان الناس وشدّ المسلمون معه يقتلون كل قتلة، فركب بعضهم بعضاً حتى انتهى إلى أعلى مكان مشرف على أهوية فأخذوا يتساقطون فيها وهم لا يبصرون. وهو يوم ذو ضباب - وفي رواية ثارت فيه الرياح الهوج - وقيل: كان ذلك بالليل وكان آخرهم لا يعلم بما صار إليه الذي قبله حتى سقط فيها ثمانون ألفاً فما أحصوا إلا بالقضيب، وسميت هذه الأهوية بالواقوصة من يومئذ لأنهم واقصوا فيها أي اقتربوا، فلما أصبح المسلمون ولم يروا أعداءهم ظنوا أنهم قد كمنوا لهم حتى أخبروا بأمرهم.
وقال سعيد بن بطريق: بلغ ماهان قائد الروم أن العرب قد خرجوا من طبرية يريدون دمشق، فجمع عسكره وخرج منها وسار يومين حتى نزل على وادٍ كبير يقال له وادي الرماد، ويقال للموضع الجولان ويعرف بالياقوصة، وصير الوادي بينه وبين العرب شبيه الخندق وأقاموا أياماً والعرب بحذائهم. وبعد أيام خرج منصور العامل من دمشق يريد عسكر ماهان ومعه مال قد جباه من دمشق بالمشاعل، فلما قربوا من العسكر ضربوا وبوّقوا وصاحوا، وكان ذلك من منصور مكيدة، فلما نظر الروم إلى المشاعل