الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البكتمري البيعة له بدمشق فامتنع عليهم، فركبوا إلى داره بالسلاح والنفاطات. وكانت دار الإمارة في تلك الأيام خارج لؤلؤة الصغيرة على نهر بانياس فأحرقوها وبقيت عرصته. وفي هذا الدور سار 319 طريف بن عبد الله السبكري الخادم والي حلب إلى بني القصيص التنوخيين وحاصرهم في حصونهم باللاذقية وغيرها فحاربوه حربا شديدة ثم نزلوا
على الأمان.
ومن أهم الكوائن في خاتمة القرن الثالث ظهور ابن الرضا وهو محسن ابن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد في أعمال دمشق، وكانت له مع أبي العباس أحمد بن كيغلغ وقعة فقتل صبرا، وقيل قتل في المعركة وحمل رأسه إلى مدينة السلام فنصب على الجسر الجديد بالجانب الغربي ذكر ذلك المسعودي. ولو تم الأمر لابن الرضا لقامت دولته قبل دولة الفاطميين.
الدولة الإخشيدية:
ظن بنو العباس أنهم نجوا من ثائر يناصب دولتهم العداء في الشام ومصر يوم قضوا على أبناء طولون وقوادهم وقرضوا الدولة الطولونية آخر الدهر، وقتلوا ابن الرضا القائم بتأسيس دولة علوية جديدة، كما قتلوا القرمطي القائم بدعوة متدرعة بالعلوية، وقضوا على صاحب الزنج في البصرة، وما كانوا يظنون أن تظهر لهم في الحال دولة أخرى قامت على أنقاض الطولونية وإن لم تكن مثلها استعدادا وعدلا فليست دونها من أكثر الوجوه والاعتبارات. ظهرت لهم الدولة الإخشيدية أو دولة بني طغج. والإخشيد كلمة فارسية معناها ملك الملوك ومعنى طغج عبد الرحمن، ورأس هذه الدولة أبو بكر محمد بن طغج بن جف بن بلتكين بن فوري ابن خاقان. وكان جف جد الإخشيد قد سار من فرغانة إلى المعتصم العباسي، فأكرمه وأقام معه إلى أن توفي المعتصم، فصحب ابنه الواثق إلى أن توفي، ثم صحب أخاه المتوكل إلى أن توفي جف. ولما توفي ابن طولون صار طغج مع ابنه أبي الجيش فولاه دمشق وطبرية إلى أن
قتل أبو الجيش. ولما بويع هارون بن أبي الجيش، ولى طغج دمشق وطبرية، وتولى طغج قتال صاحب الخال القرمطي سنة تسعين ومائتين إلى أن ظفر به. وكان لطغج من الولد سبعة ذكور الإخشيد أحدهم.
ولم يزل طغج على دمشق وطبرية وابنه محمد المعروف بالإخشيد يخلفه على طبرية. وكان بطبرية أبو الطيب محمد بن أبي حمزة العلوي، وكان وجه طبرية شرفا وملكا وقوة وعفافا. فكتب الإخشيد إلى أبيه طغج يذكر له أنه ليس له أمر ولا نهي مع أبي الطيب العلوي، فكتب إليه أبوه: أعز نفسك. فأسرى محمد بن طغج على أبي الطيب في بستان له فقتله. ولم يزل طغج أيام أبي الجيش على دمشق وطبرية وأيام جيش وأيام هارون ابن أبي الجيش إلى أن قتل هارون وانقرضت الدولة الطولونية. فمات طغج في حبس العباس بن المحسن وزير العباسيين، ونجا من محبسه بعد مدة ابنه الإخشيد، وهرب إلى الشام قاصدا أحمد بن بسطام عاملها، وبقي معه يخدمه ثم تقلد ابن بسطام مصر فسار معه الإخشيد، وكان معه إلى أن توفي سنة سبع وتسعين ومائتين، فصار مع ابنه أبي القاسم علي وحضر الإخشيد مع تكين الخاص وقعة حسن فيها أثره، فولاه تكين عمَّان وجبل الشراة. واتفق له وهو على عمان والشراة في سنة 306 أن حاج الشام، وفيهم جماعة من أهل العراق قعد له جمع من لخم وجذام فجمع عسكره ولقيهم ومعه أخوه علي بن طغج فهزمهم فصار له شأن في العراق وذاعت كفايته وأمانته.
وتقلد محمد بن طغج الملقب بالإخشيد مصر من جهة الراضي، وكان قبل ذلك تولى مدينة الرملة سنة 316 من جهة المقتدر وأقام بها إلى سنة 318 فوردت إليه كتب المقتدر بولايته دمشق فسار إليها وتولاها، وكان حينئذ المتولي على مصر أحمد بن كيغلغ، فلما تولى الراضي عزل أحمد بن كيغلغ وولى ابن طغج مصر وضم إليها البلاد الشامية، فاستقر ابن طغج بها سنة 323 وما نشب - وهو يتولى أعمال المعاون في الشام علاوة على أعمال المعاون في مصر، وقلد بدراً الخرشني دمشق، وأحمد بن سعيد الكلابي شيخ قبيلة بني كلاب حلب، حتى كثر بذلك الكلابيون
وزاد نفوذهم - أن خلع طاعة الخليفة العباسي، فندب الخليفة محمد
بن رائق إلى الشام وأقطعه إياها على أن يستخلصها من الإخشيدية، فاستولى ابن رائق سنة 328 عليها وطرد بدراً نائب الإخشيد وولي إمرة دمشق محمد بن يزداد الشهرزوري، فلم يزل عليها إلى أن قتل محمد بن رائق بالموصل 330 فقدم الإخشيد محمد بن طغج فاستأمن إليه محمد بن يزداد فأقره على إمرة دمشق خلافة له. وبلغ ابن رائق العريش يريد مصر، فخرج إليه الإخشيد واقتتلا فانهزم ابن رائق إلى دمشق.
ثم جهز الإخشيد إلى ابن رائق جيشا مع أخيه واقتتلوا، فانهزم عسكر الإخشيد وقتل أخوه، فأرسل ابن رائق يعزي الإخشيد في أخيه ويقول له: إنه لم يقتل بأمري، وأرسل ولده مزاحم وقال له: إن أحببت فاقتل ولدي به. فخلع الإخشيد على مزاحم وأعاده إلى أبيه. فاستقرت مصر للإخشيد إلى حد رملة فلسطين، والشام لابن رائق من طبرية. وفي السنة التالية بعث الإخشيد من مصر قائده كافورا إلى الشام في جيش عظيم، فهزم عامل ابن رائق واستولى على حلب، وأفسد أصحابه في جميع النواحي وقطعت الأشجار التي كانت بظاهر حلب وكانت عظيمة جداً، ونزل عسكر الإخشيد على الناس بحلب وبالغوا في أذاهم.
وبعد سنة عقد الصلح بين الإخشيد وابن رائق، فاستأثر هذا بولاية حلب، وانفرد الإخشيد بدمشق يصادر أغنياءها ويستصفي أموالها، وكان ظالما مستبدا. وقد وجد بداره قبل مسيره عن مصر إلى الشام رقعة مكتوب عليها: قدرتم فأسأتم، وملكتم فبخلتم، ووسع عليكم فضيقتم، وأدرت عليكم الأرزاق، فقطعتم أرزاق العباد، واغتررتم بصفوا أيامكم، ولم تتفكروا في عواقبكم، واشتغلتم بالشهوات واغتنام اللذات، وتهاونتم بسهام الأسحار وهن صائبات، ولا سيما إن خرجت من قلوب قرحتموها، وأكباد أجعتموها، وأجساد أعريتموها، ولو تأملتم في هذا حق التأمل لانتبهتم، أو ما علمتم أن الدنيا لو بقيت للعاقل ما وصل إليها الجاهل، ولو دامت
لمن مضى ما نالها من بقي، فكفى بصحبة ملك يكون في زوال ملكه فرح للعالم، ومن المحال أن يموت المنتظرون كلهم حتى لا يبقى
منهم أحد، ويبقى المنتظر به، افعلوا ما شئتم فإنا صابرون، وجوروا فإنا بالله مستجيرون، وثقوا بقدرتكم وسلطانكم فإنا بالله واثقون، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قالوا: وقد بقي الإخشيد بعد سماع هذه الرقعة في فكر، وسافر إلى دمشق فمات فيها سنة 334 ولم تطل دولته غير سنتين، فهو في الحقيقة مؤسسها سنة 323 وأيام حكمه من حيث المجموع كانت إحدى عشرة سنة سافر فيها خمس مرات من مصر إلى أعداء يقاتلهم. لما زحف عليه سيف الدولة بن حمدان فخف إليه واقتتلا بقنسرين ثم اصطلحا وتصاهرا وتقاربا.
وفي أواخر أيام الإخشيديين 352 خرج في برية الشراة خارجي من بني سليم يسمى محمد بن أحمد السلمي، واجتمع إليه خلق كثير من العرب ومن غيرهم ومن أهل الطمع، وقوي أمره وكثر جمعه، فبلّغ كافور الإخشيد خبره وكان الشام يومئذ بيده، فأنفذ عسكراً خوفاً من حادث يحدث، وتقدم إلى أصحابه أن لا يبتدئوه بحرب ولا قتال، وطال مقامه وإياهم على تلك الحال، فأسرى إليه في بعض الليالي رجل من العرب يعرف بثمال الخفاجي من بني عقيل وأخذه أسيراً وحمله إلى مصر فشهر بها راكباً فيلاً، واعتقل مدة ثم عفي عنه وخلي سبيله.
ولما تفرد كافور بالأمر 355 جعل الحسن بن عبيد الله بن طغج على الشام مستخلفاً من قبله، وكان في بيت المقدس وال يعرف بمحمد ابن إسماعيل الصنهاجي اضطهد بطريق القدس، وكان أبي مقابلته فهجم عليه الوالي في أشياعه وأحرق أبواب كنيسة القيامة، وسقطت قبتها، ونهبوا كنيسة صهيون وأحرقوها. قال ابن بطريق: وهدم اليهود وخربوا أكثر من المسلمين، ثم قتل البطريق ولما مات كافور 356 ونصب مكانه أحمد بن علي الإخشيد، وكان عمره إحدى عشرة
سنة، على أن يخلفه ابن عم أبيه الحسن بن عبيد الله بن طغج وكان بالشام، فوقع الخلاف بين الإخشيدية، وصار كل واحد يتسمى بالأمير وكثر التحاسد، فكتب جماعة منهم إلى المعز الفاطمي صاحب المغرب يستدعون منه إنفاذ