الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دنا عبد الله من دمشق هربوا ثم أمَّنهم، قال المؤرخون: إن العباسيين قتلوا من الشاميين ما لا يحصى، ثم أذكوا العيون على الأمويين يقتلون رجالهم ونساءهم، وينبشون عن قبورهم فيحرقونهم، فمن ثَم سمي عبد الله ابن محمد بن علي السفاح وفيه يقول الشاعر:
وكانت أُمية في ملكها
…
تجول وتظهر طغيانها
فلما رأى الله أن قد طغت
…
ولم تطق الأرض عدوانها
رماها بسفاح آل الرسول
…
فجزَّ بكفيه أذقانها
انتقاض العباسيين على أنفسهم:
هذا ما كان من أمر من خلعوا طاعة بني العباس من عصبية بني أمية في الجنوب والشمال، ولم يكن أثر تلك العصبية قد زال على شدة العباسيين في قطع شأفة الأمويين. ولما هلك أبو العباس السفاح، قام عمه عبد الله ابن علي عامل الشام،
يدعو إلى نفسه بالخلافة، وقد استمال من معه من جنود خراسان فمالوا معه، وكان صالح بن علي بمصر على طاعة أبي جعفر، فلما بلغه أن عبد الله بن علي، قد خلع أبا جعفر وأنه قد عزم على حربه أقبل بمن معه من أهل خراسان، منكراً لفعل عبد الله بن علي، حتى لقي الحكم بن ضبعان الجذامي، ومع الحكم خلق كثير من أهل الشام في طاعة عبد الله بن علي، فهزمهم صالح باللجون وقتل منهم ناساً كثيراً وأفلت الحكم حتى أخذه بعدُ يزيد بن روح اللخمي بأرض بعلبك، وكان يزيد عاملاً لصالح بن علي ببعلبك، فضرب عنق الحكم وبعث برأسه إلى صالح بن علي، ونقل يزيد بن روح عند قتله الحكم بن ضبعان إلى ولاية دمشق. هذه رواية ابن عساكر، وقال غيره: إن صالح بن علي لما جاء فلسطين من مصر طلب أحياء العرب، وجعل يذبحهم حتى أتى على آخرهم وانتهب أموالهم ومواشيهم.
وعلل صاحب البدء والتاريخ خروج عبد الله بن علي، على أبي جعفر بقوله: إنه لما مات أبو العباس، ادعى الخلافة عبد الله بن علي وبايعه أهل الشام والجزيرة، وذلك أن أبا العباس لما ظهر أمره، وضع سيفاً
وقال: من تقلد هذا السيف وسار إلى مروان فقاتله فله الخلافة بعدي، فتحاماه الناس وقام عبد الله بن علي فتقلده، وسار فقاتل مروان فقتله، فلما مات أبو العباس قام بالخلافة وبايعه الناس على ذلك، وكان أجلدهم وأشجعهم، فهال ذلك أبا جعفر واستشار أبا مسلم فقال: الرأي أن تعاجله ولا تتأنى به، وكان عبد الله بن علي في مائة ألف مقاتل ومائة ألف من الفعلة، وحفر الخندق من جبل نصيبين إلى نهرها، وجعل فيه ما يحتاج إليه من العدة والآلة، ونصب المجانيق والعرّادات وبث الحسك، وسد الطريق على من يقصده من العراق، وجعل الخصب والقرى وراءه.
ولما وجه أبو جعفر المنصور أبا مسلم الخراساني قال له: أيها الرجل إنما هو أنا
أو أنت. فإما أن تسير إلى الشام، فتصلح أمرها أو أسير أنا. قال أبو مسلم: بل أسير أنا. فاستعد في اثني عشر ألفا من أبطال جنود خراسان، حتى إذا وافى الشام انحاز إليه من كان بها من الجنود جميعهم، وبقي عبد الله بن علي وحده، فعفا أبو مسلم عنه، ولم يؤاخذه بما كان منه وقيل: بل أسيره وحمله إلى أبي جعفر، فخلده الحبس إلى أن مات، وهذا هو الأصح، وأبو مسلم من أقرب الناس إلى سفك الدماء، وقد قتل في دولته ستمائة ألف إنسان، ولكنه تحامى أن يقتل عم الخليفة، واكتفى من عقوبة الثائر بالاستيلاء على خزائنه، وكانت عظيمة، لأنه استولى كما تقدم على ذخائر خلفاء بني أمية ونعمتهم، وذلك بعد حروب كثيرة في أرجاء نصيبين في الموضع المعروف بدير الأعور، وصبر الفريقان شهورا على حروبها. ومع هذا تعاقب على حلب كثير من ولد عبد الله بن علي بن العباس نحو مائة سنة. وكان هوى أهل الشام مع عبد الله بن علي يوم قام على المنصور، فلما هزم عبد الله عفا المنصور عن الشاميين، وكان العباسيون كالأمويين يولون في مبدإ أمرهم الولايات لآل بيتهم وأولياء عهد الخلافة.