الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة الأموية
من سنة 18 إلى 177
إمارة معاوية بن أبي سفيان:
لما هلك يزيد بن أبي سفيان والي دمشق سنة 18 ولى عمر بن الخطاب أخاه معاوية بن أبي سفيان فلم يزل واليا لعمر حتى قُتل عمر، ثم ولاه عثمان بن عفان وأقرّ عمال عمر على الشام، فلما مات عبد الرحمن بن علقمة الكناني وكان على فلسطين ضم عمله إلى معاوية. وكان عمير بن سعيد الأنصاري في سنة 21 على دمشق والبثينة وحوران وحمص وقنسرين والجزيرة، ومعاوية على البلقاء والأردن وفلسطين والسواحل وإنطاكية ومعرة مصرين وقليقية، ثم جعل عمير في سنة 23 على حمص ومعاوية على دمشق، ثم تولى عمير بن سعيد حمص وقنسرين، وعلقمة بن مجزّز فلسطين، وعمير بن سعيد هو الذي قال على منبر حمص: ألا إن الإسلام حائط منيع وباب وثيق، فحائط الإسلام العدل وبابه الحق، فإذا نقض الحائط وحطم الباب استفتح الإسلام، فلا يزال الإسلام منيعا ما اشتد السلطان وليس شدة السلطان قتلا بالسيف ولا ضربا بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذا بالعدل.
اجتمع الشام على معاوية لسنتين من إمارة عثمان، أي في السنة الخامسة والعشرين للهجرة أضاف عثمان إلى معاوية حمص وحماة وقنسرين والعواصم وفلسطين مع دمشق ورزقه ألف دينار كل شهر.
وبعث معاوية عمرو بن العاص إلى مصر ومعه أهل دمشق عليهم يزيد
ابن أسد البجلي، وعلى أهل فلسطين رجل من خثعم، ومعاوية بن حديج على الخارجة، وأبو الأعور السُّلمى على أهل الأردن، فساروا حتى قدموا مصر فاقتتلوا بالمسناة وعلى أهل مصر محمد بن أبي بكر فهزم أهل مصر بعد قتل في الفريقين جميعا،
قال عمرو: شهدت أربعة وعشرين زحفا فلم أر كيوم المسناة ولم أر الأبطال إلا يومئذ. فلما هزم أهل مصر تغيب محمد بن أبي بكر فأخبر معاوية بن حديج بمكانه فمشى إليه فقتله.
ومن الأحداث مع الروم غزوة معاوية بن أبي سفيان سنة 21 وصلح أبي هاشم ابن عتبة على قليقية وإنطاكية ومعرة مصرين. وجاشت الروم 24 حتى استمد من بالشام من جيوش المسلمين من عثمان مددا فأمدهم بثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فدخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم وشنوا الغارات فأصاب الناس ما شاءوا من سبي وملئوا أيديهم من المغنم وافتتحوا بها حصونا كثيرة، وغزا قبرس 28 فصالحه أهلها على جزية سبعة آلاف دينار كل سنة. وخرج أهل الشام 31 وعليهم معاوية وعلى البحر عبد الله بن سعيد، وخرج عامئذ قسطنطين بن هرقل لما أصاب المسلمون منهم بإفريقية في جمع لم يجتمع للروم مثله قط مذ كان الإسلام فخرجوا في خمس مائة مركب، فربط المسلمون سفنهم بعضها إلى بعض حتى كان يضرب بعضهم بعضا على سفن المسلمين وسفن الروم وقاتلوهم أشد قتال، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن ويتواجأون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما. ثم انتصر المسلمون وانهزم قسطنطين مدبرا فما انكشف إلا لما أصابه من القتل والجرح.
وافتتح معاوية جزيرة أرواد في السنة الثالثة لعثمان وهدم سورها وأحرقها وجلا أهلها إلى الشام. ووجه ملك الروم إلى معاوية يسأله الصلح، فأجاب إليه على أن يكون عنده من أهل بيته رهائن. وفي السنة الثامنة لعثمان وجه معاوية بجيوش إلى جزيرة رودس فأخذوها ورتبوا بها المسالح وجعلوها منظرة للعرب. وفي السنة الثالثة لمعاوية كانت غزوة بسر بن أرطاة الروم دفعة ثانية وسبى بها
وهزمت الروم حتى بلغت القسطنطينية، وفي سنة 48
سير معاوية جيشا كثيفا إلى القسطنطينية مع سفيان بن عوف، وتوفي في مدة الحصار أبو أيوب الأنصاري ودفن بالقرب من سورها. وفي سنة ثلاث عشرة لمعاوية غزا بسر بن أرطاة الروم فقتل وأخرج معه سبيا كثيرا. وفي السنة الرابعة عشرة لمعاوية غزت العرب الروم في البحر وصاروا إلى لوقية فخرج إليهم ثلاثة بطارقة فقتل الروم من العرب ثلاثين ألفا ومن بقي منهم ركب البحر، فلما توسطوه لحقهم بعض الروم في سفينة فألقى النار في سفن فاحترقت كلها وفازت الروم وهم أول من أخرج النار وصارت لهم عادة. وفي السنة السابعة عشرة ركب الروم السفن وأقبلوا فيها في البحر حتى أتوا ساحل صور وصيدا ثم خرجوا من السفن واستولوا على جبل لبنان، وكان الناس يسمونهم الجراجمة وانتشروا من جبل الجليل إلى الجبل الأسود، وذلك أن قسطنطين دسهم ليشغلوا العرب عن الغزو.
ولم يكد معاوية يتولى الأمر بالشام حتى أخذ بما أوتيه من عقل وحلم يضع أساس الملك ويسير في رعيته سيرة حسنة حببته إليهم، وكان يتأنى الأمور ويداري الناس على منازلهم، ويرفق بهم على طبقاتهم، فأوسع الناس من أخلاقه، وأفاض عليهم من بره وعطائه، وشملهم من إحسانه، فاجتذب القلوب واستدعى النفوس، حتى آثروه على الأهل والقرابات وعدّ مربي دول وسائس أمم وداعي ممالك.
إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس ولطالما أفضل على أشراف قريش مثل عبد الله بن العباس وعبد الله ابن الزبير وعبد الله بن جعفر الطيار وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وأبان بن عثمان وناس من آل أبي طالب يفدون عليه بدمشق فيكرم مثواهم، ومنهم عقيل بن أبي طالب شقيق علي بن أبي طالب قدم على معاوية بالشام فأمر له معاوية بثلاثمائة ألف دينار وقال له: هذه مائة ألف تقضي بها ديونك ومائة ألف تصل بها رحمك ومائة ألف
توسع بها على نفسك. وكان عقيل قدم من قبل على أخيه في الكوفة فشكا له الضائقة فوعده بأن يعطيه عطاءه إذا خرج فقال عقيل: وإنما شخوصي من الحجاز إليك من أجل عطائك وماذا يبلغ مني عطاؤك وما يدفع من