الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مغازي سيف الدولة:
كان سيف الدولة يحمل بين جنبيه نفساً عظيمة، ولطالما حارب الروم وغزاهم، ومن الأحداث في أيامه إحراق حصن فامية سنة 338 نازله الدوقس في ثلاثين ألفا وحاصره سبعة أشهر وأشرف على أخذه فدفعه عنه صمصامة والي دمشق فقتل الدوقس وقتل من عسكره أربعة عشر ألفا وأسر منهم خلق كثير وكسروا بعد أن ظهروا. ومنها أخذ سيف الدولة حصن برزويه من الأكراد بعد أن قاتلهم مدة. وفي السنة التالية خرج بسيل ملك الروم إلى الشام وفتح شيزر بالأمان لقلة رجالها. وفي سنة 345 سار سيف الدولة إلى الروم فغنم وسبى وفتح عدة حصون ورجع إلى أذنة فأقام بها ثم ارتحل إلى حلب. ومن غزواته غزوة سنة 349، أوغل في الروم وفتح حصوناً، فلما أراد الخروج من أرضهم أخذوا عليه الدرب الذي أراد الخروج منه، فقطعوا الأشجار وسدوا بها الطرق ودهدهوا الصخور في المضايق على جيشه، والروم وراء الناس مع الدمستق يقتلون ويأسرون. وكان مع سيف الدولة أربعمائة أسير من وجوه الروم فضرب أعناقهم، وعقر جماله وكثيراً من دوابه. وأحرق الثقل وقاتل قتال الموت ونجا في نفر يسير قيل في ثلاثمائة من غلمانه، واستباح الدمستق أكثر الجيش وأسر الأمراء والقضاة، ووصل سيف الدولة إلى حلب ولم يكد، وكان جيشه ثلاثين ألفا. وأرسل
الدمستق إلى سيف الدولة يطلب الهدنة فلم يجبه إليها مع ما حل به منه، ثم جهز سيف الدولة جيشاً فدخلوا بلد الروم من ناحية حران فغنموا وأسروا، وغزا أهل طرسوس أيضا في البر والبحر، ثم سار سيف الدولة من حلب إلى آمد ديار بكر فحارب الروم وخرب الضياع. قال مسكويه في وقعة 349: وخرج أهل طرسوس من طريق آخر فسلموا، والسبب في سلامتهم ومصاب سيف الدولة، أن هذا الرجل كان معجباً، يحب أن يستبد برأيه، وألا تتحدث نفسان أنه عمل برأي غيره، وكان أشار عليه أهل طرسوس بأن يخرج معهم، لأنهم علموا أن الروم قد ملكوا عليه الدرب الذي يريد الخروج منه
وشحنوه بالرجال، فلم يقبل منهم ولجّ فأصيب المسلمون بأرواحهم، وأصيب هو بماله وسواده وغلمانه.
وأغار الروم مرة على أطراف الشام فسبوا وأسروا، فساق وراءهم سيف الدولة ولحقهم فقتل منهم مقتلة واسترد ما أخذوه. واستولى الروم سنة 351 على حلب دون قلعتها وعلى الحواضر، وحصروا المدينة وثلموا السور، وقاتل أهلها الروم أشد قتال فتأخر الروم إلى جبل جوشن، ثم وقع بين الحلبيين نهب فلم يبق على السور أحد، فهجم الروم على البلد وفتحوا أبوابه وأطلقوا السيف وسبوا بضعة عشر ألف صبي وصبية وغنموا كثيراً وأحرقوا ما بقي. وكان سيف الدولة غائباً وقاتل الدمستق عند عودته فقتل غالب أصحابه، وظفر الدمستق بدار سيف الدولة في الدارين من أرض حلب فأخذ منها ثلاثمائة وخمسين بدرة من الدنانير ما عدا السلاح والدواب. وكانت عدة عسكر الروم مائتي ألف رجل منهم ثلاثون ألفاً بالجواشن، وثلاثون ألفاً للهدم وإصلاح الطرق من الثلج، وأربعة آلاف بغل يحمل الحسك الحديد. وفي رواية أن جيش الروم كان ثمانين ألف فارس ما عدا السواد وهو كثير جداً، وأن سيف الدولة نادى في حلب من لحق بالأمير فله دينار، وأنه انهزم إلى ناحية بالس بعد أن قتل من جيشه من أهل حلب مدة ستة أيام جملة
كثيرة من الناس. قال الذهبي: وقتلوا الأسرى ثم عادوا إلى القلعة فإذا طلائع قد أقبلت نحو قنسرين، وكانت نجدة للروم، فتوهم الدمستق أنها نجدة لسيف الدولة فترحل خائفاً.
وفي سنة 355 سار صاحب الروم إلى الشام فعاث وأفسد، وأقام به نحو خمسين يوماً فنزل على منبج وأحرق الرّبض وخرج إليه أهلها، فأقرهم ولم يؤذهم، ثم سار إلى وادي بطنان وسار سيف الدولة متأخراً إلى قنسرين، وقد ضيق رجاله والأعراب الخناق على الروم، وأخذت
الروم أربع ضياع بما حوت، فراسل سيف الدولة ملك الروم وبذل له مالاً يعطيه إياه في ثلاثة أقساط فقال: لا أجيبه إلا أن يعطيني نصف الشام، فإن طريقي إلى ناحية الموصل على الشام. فقال سيف الدولة: لا أعطيه حجراً واحداً. ثم جالت الروم بأعمال حلب، وتأخر سيف الدولة إلى ناحية شيزر، وأنكب العرب في الروم غير مرة وكسبوا كثيراً، ونزل عظيم الروم على إنطاكية يحاصرها ثمانية أيام ثم رحل عنها.
قل المنتقضون على سيف الدولة لبطشه، وممن خالفه بنو كلاب 343 فحاربهم وكان اصطنعهم حتى استطالوا على العرب، وأوقع ببني عقيل وقشير وبني العجلان وبني كلاب حين عاثوا في عمله وخالفوا عليه. وهذه الغزوات تعد في باب المناوشات لا الحروب مثل غزوة سيف الدولة للمبرقع الذي دعا الناس إلى نفسه، والتفت عليه القبائل، وافتتح مدائن من أطراف الشام وأسر أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان، وهو خليفة سيف الدولة على حمص، وألزمه شراء نفسه بعدد من الخيل وجملة من المال، فأسرى سيف الدولة من حلب حتى لحقه في اليوم الثالث بنواحي دمشق فأوقع به ووضع السيف في أصحابه فلم ينج إلا من سبق فرسه، وعاد سيف الدولة إلى حلب ومعه أبو وائل وبين يديه رأس الخارجي على رمح. وممن خالفه أهل إنطاكية سنة 354 وعليهم رشيق النسيمي فسار إلى جهة
حلب وحاصر قلعتها ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وقاتل قرعويه غلام سيف الدولة وعامله قتالاً شديداً، وكان هذا بميافارقين، فأرسل عسكراً مع خادمه بشارة فقتل رشيق وهرب أصحابه إلى إنطاكية، ولما عاد سيف الدولة اجتمع على حرب ابن الأهوازي والديلمي اللذين قاما مقام رشيق، فقتل هذا الثائران، وقتل من ولاتهما وقضاتهما وشيوخهما خلق.
وذهب قرعويه إلى إنطاكية فجرت بينه وبين الديلمي وقعة انهزم فيها قرعويه وعاد إلى حلب، وسار الديلمي في أثره إلى حلب، فلقيه أصحاب قرعويه ودفعوه إلى إنطاكية. قال ابن قاضي شهبة في حوادث سنة 355: إن أهل إنطاكية خرجوا عن طاعة سيف الدولة لاشتغاله بنفسه، فتفرغ لهم وقاتلهم قتالاً شديداً ثم انتصر وأسر خلائق من أهلها، فصادر أعيانهم