الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العهد وأطلق يده في مصادرة جماعة من الدمشقيين والمتهمين بقيام الفتنة فتنكروا عليه وأبغضوه واجتمع أهل البلد والجند على كراهيته.
تقسيم الأقاليم بين القبائل ودولة بني مرداس:
كان لؤلؤ غلام ابن حمدان وولده منصور بن لؤلؤ قد استوليا على حلب بعد موت أبي الفضائل بن سعد الدولة، وضيق منصور بن لؤلؤ على ابني أبي الفضائل
فقصدا الحاكم في مصر، وهرب أبو الهيجاء بن سعد الدولة من حلب أيضاً في زي النساء والتجأ إلى بسيل ملك الروم ومات لؤلؤ في المحرم سنة 399 وآلت الإمارة لولده الصغير منصور بن لؤلؤ، وكرهه كثير من الحلبيين ورغبوا في أبي الهيجاء، وكذلك أمراء بني كلاب المدبرون بلد حلب، وسار أبو الهيجاء إلى ميافارقين فأنفذ معه حموه ابن مروان صاحباً له في دون المائتي فارس وسار إلى الجزيرة، ولقيه جماعة أمراء بني كلاب وضمنوا له أن يعاضدوه، وخافه منصور بن لؤلؤ فاستصلح بني كلاب وشرط لهم أن يعطيهم الإقطاعات الكثيرة ويجعلهم مساهمين له في الضياع والأعمال ظاهر حلب، واستنجد بالمغاربة جيش الفاطميين، فأسرع إليه علي بن عبد الواحد بن حيدرة قاضي طرابلس في عسكر منيع، فاتفقت موافاته حلب مع نزول أبي الهيجاء، فانهزم هذا وذهب إلى القسطنطينية، ومات فيها عند صاحب الروم، وعاد ابن حيدرة إلى طرابلس، وأقام منصور بن لؤلؤ يخطب لصاحب مصر ولقبه الحاكم مرتضى الدولة، ثم فسد ما بينه وبين الحاكم وعاد الكلابيون يلتمسون من منصور بن لؤلؤ ما شرط لهم، فحضر منهم زهاء سبعمائة رجل فيهم جميع أمراء بني كلاب وذوي الرئاسة والشجاعة جميعاً وأمر ببذل السيف فيهم، وحبس منهم جماعة، وكان في جملة المحبوسين صالح بن مرداس فتوصل في الحبس إلى أن صعد من السور وألقى نفسه من أعلى القلعة إلى تلها، فسار إلى أهله وجمع ألفي فارس وأسر ابن لؤلؤ وقيده بقيده الذي كان في رجله ولبته الحديد.
وكان لابن لؤلؤ أخ فنجا وحفظ المدينة، وبذل ابن لؤلؤ لصالح
ابن مرداس مائتي ألف دينار فأطلقه على شرط أن يطلق كل أسير عند ابن لؤلؤ من بني كلاب. وبنو كلاب بطن من عامر بن صعصعة ملكوا حلب ونواحيها، وأول من ملك منهم صالح بن مرداس هذا، وكان لهم في أيام سيف الدولة بن حمدان شأن،
وغزاهم غير مرة بعد أن اصطنعهم واصطفاهم من بين قبائل العرب.
انقرضت دولة بني حمدان سنة 406 وآخرهم في حلب المنصور، وقد دامت حكومتهم في حلب وحماة وحمص والمعرة وإنطاكية زهاء سبعين سنة عزيزة مستقلة في أولها، ذليلة خاضعة لسلطان غيرها في آخرها. وفي شوال 411 سلم محمد بن خليد النهراني إلى الروم حصن الخوابي في جبل نهران ومدينة مرقبة على ساحل البحر وكانت خراباً فأحسن إليه بسيل الملك. وتسلم نواب الفاطميين الشام حتى موت الحاكم بأمر الله 411هـ - 1021م وعندها اجتمع حسان أمير بني طيىء، وصالح بن مرداس أمير بني كلاب، وسنان بن عليان أمير بني كلب، فتحالفوا واتفقوا على أن يكون من حلب إلى عانة لصالح بن مرداس، ومن الرملة إلى مصر لحسان، ودمشق لسنان، فقصد صالح حلب وبها رجل يقال له ابن ثعبان يتولى أمرها للمصريين، فسلم أهل البلد لصالح لإحسانه إليهم ولسوء سيرة المصريين معهم، وسلمت القلعة إليه سنة 414 وملك من بعلبك إلى عانة وأقام بحلب ست سنين.
افتتح حسان بن المفرج بن الجراح أمير الطائيين مدينة الرملة 415 وأتى عليها حريقاً ونهباً وأسراً. وحاصر سنان بن عليان مدينة دمشق 416 وجرت بينه وبين أهلها حرب شديدة وخرب داريا وأعمالها. وبقيت حال الشام على هذا إلى سنة 419 وقد مات سنان بن عليان أمير الكلبيين، ودخل ابن أخيه رافع بن أبي الليل بن عليان إلى الظاهر الفاطمي فاصطنعه وعقد له الإمارة على الكلبيين وسير معه عسكراً، وانضافت إليه العساكر المقيمة في الشام، واجتذب إليه جماعة من العرب، وقصدوا بأجمعهم حرب حسان بن المفرج بن الجراح وورد إليه صالح بن مرداس وبنو كلاب لمعاونته، واتفقا على لقائهم وتصافوا للحرب في طبرية في
موضع يعرف بالأقحوانة 420 وقتل صالح ومع علم حسان والعرب بقتله
انهزموا بأسرهم إلى الجبال وقتل منهم جماعة، ولما عرف أصحاب صالح المقيمون في بعلبك وحمص وصيدا ورفنية وحصن ابن عكار قتله تخلوا عن جميعها واستعادها أصحاب السلطان. واستولى نصر وثمال ابنا صالح على حلب وأعمالها وعلى الرحبة وبالس ومنبج.
وكان بإنطاكية عامل للروم فجمع جيشاً وسار قاصداً حلب بغير أمر ملكه، فتلطف معه ابنا صالح بعد أن كبست العرب معسكره وقتلت منه جماعة، ثم سار ملك الروم بنفسه 421 إلى غزو حلب واتصل بحسان ابن الجراح ما عزم عليه ملك الروم من غزو الشام، فأنفذ إليه جماعة من أهله برسالة يقوي بها عزمه على ما همّ به ويبذل له الخدمة في غزاته والمسير بين يدي جيوشه بعشيرته وأصحابه، وأنفذ أيضاً نصر وثمال ابنا صالح بن مرداس مع آل جراح ابن عمهما مقلد بن كامل بن مرداس يبذلان مثل ذلك عن نفوسهما وعشيرتهما وأصحابهما، وأن يعطي جميعهم رهائنهم على مناصحتهم إياه، وصحة وفائهم بما بذلوه، ووفد جميعهم إلى الملك فنزل هذا بجيشه على تبّل من بلد أعزاز فطاردهم العرب وانهزم أكثر المقاتلة وثبت بعضهم وقتل من الفريقين جماعة، وأسرت العرب من الروم المنهزمين عدداً كبيراً وعاد الباقون إلى معسكرهم، ثم اضطر الملك إلى العودة إلى دياره، وكان معه جماعة كثيرة من الأرمن فوضعوا أيديهم في النهب وزادت الفتنة، ثم كتب نصر بن صالح إلى ملك الروم يستعطفه ويعتذر إليه ويلتمس منه أن يجريه على ما كان أبوه عليه وغيره، ممن ملك حلب مع من تقدمه من أسلافه الملكين الماضيين بسيل وقسطنطين.
قال ابن الأثير: لما خرج ملك الروم بنفسه من القسطنطينية إلى الشام هذه المرة كان في ثلاثمائة ألف مقاتل، فلما بلغ قريب حلب نزل على يوم منها، ولحقه عطش شديد فهلك كثير من جيشه عطشاً، فعاد وجماعته أدراجهم. وقيل في
عوده: إن جمعاُ من العرب ليس بالكثير عبر على عسكره وظن الروم أنها كبسة فانهزموا لا يلوون على شيء. وذكر ابن
المهذب المعري أن خروج أرمانوس ملك الروم إلى حلب في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وكانوا ستمائة ألف، ومعه ملك البلغار وملك الروس والألمان والخزر والأرمن والبلجيك والفرنج وغنم المسلمون منهم ما لا يحصى وأسرت جماعة من أولاد ملوكهم. وفي قول ابن المهذب نظر. لأن هذا الجيش العظيم وهذه الأمم التي عدها يستحيل أن تسير مع ملك الروم إلا إذا كان دعاهم باسم حماية النصرانية في الأرض المقدسة، ويستحيل أن تقترب منها أو أن تفتحها وفي الشام أمامها دول وإمارات.
وملك الروم 422 قلعة أفامية، وسبب ملكها أن الظاهر الفاطمي سير إلى الشام الدزبري وزيره فملكه، وقصد حسان بن المفرج الطائي، فألح في طلبه فهرب منه ودخل بلد الروم، ولبس خلعة ملكهم وخرج من عنده وعلى رأسه علم فيه صليب، ومعه عسكر كثير، فسار إلى أفامية فكبسها وغنم ما فيها وسبى أهلها وأسرهم.
وفي سنة 423 اجتمع في جبل السماق جماعة من الدرزية وجاهروا بمذهبهم وأخربوا المساجد، وتحصن دعاتهم وكثير من عوامهم في مغاور شاهقة منيعة، وقصدهم وانضوى إليهم خلق كثير من أهل نحلتهم، وتوفر عددهم واستضاموا المسلمين المجاورين لهم من أهل بلدان حلب، ووعدوا أنفسهم وأطمعوا عوامهم بقوة أيديهم وكثرة استيلائهم على الأعمال القريبة والبعيدة. فرأى قطبان إنطاكية مبادرتهم قبل تفاقم أمرهم وتخطيهم إلى الفساد والعيث، ورسم لمن يجاورهم من طراخنته قصدهم برجاله وأصحابهم، فتلطفوا في أن قبضوا على دعائهم وأماثلهم وقتلوهم، وحاصروا باقيهم في تلك المغاور، فنصبوا عليها القتال اثنين وعشرين يوماً إلى أن التمسوا الأمان وخرجوا منها هاربين، وتتبع الروم المسلمين في أعمالهم وأخذوهم واضمحلوا ودثروا. وهذه ثاني وقعة للدروز في الشام والوقعة
الأولى في وادي التيم بعد قيام دعوتهم على عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي.
وكان الحاكم هذا في جملة تحكماته الباردة على سكان مملكته أن أمر بهدم الكنائس، فهدم كنيسة في دمشق وكنيسة القيامة بالقدس وغيرها من الكنائس العظمى، ونقض بعض الكنائس بيده، وأمر بأن تعمر مساجد للمسلمين، وأمر بالنداء: من أراد الإسلام فلسلم. ومن أراد الانتقال إلى الروم كان آمناً إلى أن يخرج، ومن أراد المقام على أن يلتزم ما شرط عليه فليقم. وبعد أن مضى الحاكم لسبيله اشترط ملك الروم على الظاهر 424 في الهدنة التي عقدها معه أن يعمر الملك كنيسة القيامة ببيت المقدس ويجددها من ماله ويصير بطريركاً على بيت المقدس، وأن تعمر النصارى جميع الكنائس الخراب التي في مملكة الظاهر.
بقي شبل الدولة مالكاً لحلب إلى سنة 429، فأرسل إليه أنوشتكين الدزبري العساكر المصرية، فلقيهم عند حماة فقتل في المعركة، وملك الدزبري حلب، وصفت له الشام بأجمعها، وأباد المفسدين ومهد الأمور، حتى أمنت السبل، وعظم أمره وكثر ماله، وأرسل يستدعي الجند الأتراك، فبلغ المصريين أنه عازم على العصيان فتقدموا إلى أهل الشام بالخروج عن طاعته ففعلوا، فقصد حماة فعصى عليه أهلها، فكاتب محمد ابن منقذ الكفرطابي فحضر إليه في نحو ألفي رجل فاحتمى به وسار إلى حلب 433 وتوفي بعد شهر واحد. وكان أنوشتكين نائب الشام للمستنصر، شجاعاً مقداماً، عظيم الهيبة، حسن السياسة، طرد الأعراب من الشام، وأباد المفسدين ومهد أحوال القطر وفسد بموته الشام وزال النظام، وخرجت العرب في الأقاليم، فخرج أبو علوان ثمال بن صالح بن مرداس الملقب بمعز الدولة بالرحبة وجاء حلب فملكهاً تسليماً من أهلها، وسار 440 ناصر الدولة بن حمدان أمير دمشق وشجاع الدولة جعفر بن كلشيد والي حمص بجماعة من الجند وقبائل العربان من الكلابيين وغيرهم إلى حلب، لقتال متوليها ثمال بن
صالح بن مرداس، فخرج أهل حلب فهزمهم واختنق بالنهر منهم جماعة فرجع بغير طائل، ثم قلد قطز الصقلبي دمشق وقبض على ابن حمدان وصادره واعتقله بصور ثم بالرملة، وقبض على
راشد بن سنان أمير بني كلاب وحمله إلى صور فاعتقله بها، وخرج أمير الأمراء رفق الخادم على عسكر تبلغ عدته نحو ثلاثين ألفاً بلغت النفقة عليه أربعمائة ألف دينار يريد الشام ومحاربة بني مرداس، فحاربه الحلبيون فانهزم المصريون وأُسر رفق ومات في حلب. قال ابن ميسر: وتقدم المستنصر إلى جميع ولاة الشام بالانقياد لرفق، فوافى بالرملة رسول ملك القسطنطينية واصلاً بالصلح بين المستنصر وبني مرداس فقتل رفق، وجرت بالرملة ودمشق أمور آلت إلى حرب بين العسكر مدة أيام بباب توماء من دمشق.
وجهز ثمال إلى معرة النعمان والياً أساء التدبير فانحرف عنه القوم وآل أمره إلى الهرب، فبادر جعفر أمير حمص وتجهز إلى المعرة بنفسه ولقيه مقلد بن كامل بن مرداس فأوقع به وقتله وشهر رأسه بحلب. وحصر ثمال امرأة الدزبري وأصحابه بالقلعة أحد عشر شهراً وملكها سنة 434. وكان ثمال جمع للمصريين خمسة آلاف فارس وراجل فقاتلهم ثلاثة أيام، فلما رأى المصريون صبر ثمال وكانوا ظنوا أن أحداً لا يقوم بين أيديهم، رحلوا عن المدينة. والسبب في قتال ثمال أنه كان قرر على نفسه أن يحمل كل سنة عشرين ألف دينار عما في يده ويد عشيرته إلى صاحب مصر، فتأخر الحمل سنتين. ثم أرسل الهدايا إلى المصريين وأصلح أمره معهم، ونزل لهم عن حلب فانفذوا إليها الحسن بن علي ابن ملهم فتسلمها من ثمال سنة 449 بعد حروب طويلة.
وفي سنة 446 نقض الروم الهدنة مع الخليفة الفاطمي وكانوا تعهدوا بأن يطلقوا له أربعمائة ألف أردب من الغلال بسبب الغلاء في مصر، ولم يوفوا بالعهد، فجهز المستنصر عسكراً قدّم عليه ابن ملهم لقصد اللاذقية، فخرج في عساكر
جمة وحاصرها وأتبعهم بعسكر ثان وعسكر ثالث، ونودي في الشام بالغزو إلى الروم، وحاصر ابن ملهم قسطون بالقرب من أفامية، وضيق على أهله، وجال في أعمال إنطاكية ونهبها وسبى منها.
وفي سنة 447 سير المستنصر فقبض على جميع ما في كنيسة القيامة بالقدس، لأن صاحب الروم أذن لرسول طغرلبك السلجوقي أن يصلي في
جامع القسطنطينية، فخطب للقائم العباسي، فغضب الخليفة الفاطمي. قال ابن ميسر: وكان هذا من الأسباب الموجبة لفساد ما بين المصريين والروم. وفي هذه السنة تجمع كثير من التركمان بحلب وغيرها، فأفسدوا في أعمال الشام.
حدثت فتنة بين بعض السودان وأحداث حلب، فسمع ابن ملهم أن بعض الأحداث من سكانها قد كاتب محمود بن شبل الدولة ليسلموا إليه البلد، فقبض على جماعة منهم فاجتمع أهلها، وراسلوا محموداً وهو منهم على مسيرة يوم يستدعونه، وحصروا ابن ملهم، فسيرت مصر ناصر الدولة بن حمدان أمير دمشق لقتال من بها لأجل قطع خطبة المستنصر، فلما قارب البلدة خرج محمود عن حلب إلى البرية، واختفى الأحداث جميعهم، ولم يمكن ناصر الدولة أصحابه من دخول حلب ونهبها، وسار في طلب محمود فالتقيا بالفُنَيْدق، فانهزم أصحاب ابن حمدان وثبت هو فخرج وحمل إلى محمود أسيراً، فأخذه وسار إلى حلب فملكها وملك القلعة في سنة 452 فجهز المصريون ثمال بن صالح إلى ابن أخيه، فحصره في حلب، فاستنجد محمود خاله منيع بن شبيب النميري صاحب حران، فجاء إليه، فلما بلغ ثمالاً مجيؤه سار عن حلب إلى البرية 453 وعاد منيع إلى حران، فعاد ثمال إلى حلب وخرج إليه محمود ابن أخيه، فاقتتلوا وقاتل محمود قتالاً شديداً، ثم انهزم محمود، فمضى إلى أخواله بني نمير بحران. وتسلم ثمال حلب وخرج إلى الروم فغزاهم. وذكر ابن ميسر: أن البازوري وزير مصر سير أموال الدولة جميعها
لفتح بغداد، وكان ذلك سبباً لخروج الغز إلى الشام وملكهم إياه. وقال في حوادث سنة 451 إن حادثة قتل البساسيري وقطع خطبة المستنصر من بغداد وإعادتها للقائم، كانت آخر سعادة الدولة المصرية، فإن الشام خرجت من أيديهم بعدها بقليل ولم يبق لهم سوى ملك مصر.
ولما توفي ثمال 454 أوصى بحلب لابن أخيه عطية بن صالح فملكها، ونزل به قوم من التركمان فقوي بهم، فأشار أصحابه بقتلهم فأمر أهل البلد بذلك، فقتلوا منهم جماعة ونجا الباقون، فقصدوا محموداً بحَرّان،
واجتمعوا معه على حصار حلب فحصرها وملكها. وفي سنة 455 نُدب بدر الجمالي لولاية دمشق على حربها وندب معه على الخراج أبو الحسين الزيدي، ولم يلبث بدر أن انصرف عن ولاية دمشق هرباً من أهلها، فولى المستنصر عليها حصن الدولة حيدرة، ثم ولاه الشام بأسره 458.
وفي سنة 459 بعث المستنصر إلى محمود بن الروقلية المتغلب على حلب يطالبه بحمل المال وغزو الروم وصرف ابن خاقان ومن معه من الغز فلم يجبه وقال: إنه لا مال له وأنه هادن الروم وأعطى ولده رهينة على مال اقترضه منهم فندب المستنصر بدرا الجمالي إلى محاربته فدخل ابن عمار صاحب طرابلس بينهما وأصلح الحال. وفي سنة 460 كانت حرب دمشق بين أمير الجيوش وبين عسكريته.
وفي سنة 461 وقع الخلف بدمشق بين العسكرية وبين أهلها وطرحت النار في جانب منها فاحترقت، واتصل الحريق بالمسجد الجامع من غربيه ولم يبق منه إلا حيطانه الأربعة. واستولى في هذه السنة على دمشق معلى ابن حيدرة الكتامي من غير أن يؤمر له بذلك عند خلو دمشق من متول بعدما هرب أمير الجيوش بدر الأرمني، فأساء السيرة في أهلها وصادرهم وبسط العقوبة عليهم، إلى أن خربت
أعمال البلد وجلا كثير من أهلها، ووقعت بينه وبين حامية البلد وحشة خاف منهم على نفسه فهرب إلى بانياس فصور فطرابلس فأخذ واعتقل ومات من الضرب.
وفي سنة 463 استولى القفي على دمشق وطرد نواب أمير الجيوش واستولى على صور ابن أبي عقيل، وعلى طرابلس قاضيها ابن عمار، وعلى الرملة والساحل ابن حمدان، ولم يبق غير عكا وصور، ونزل هذه السنة أمير الجيوش في العسكر المصري على صور محاصراً لابن أبي عقيل القاضي الغالب عليه، فاستنجد هذا الأمير ترلو مقدم الأتراك بالشام، فأنجده بستة آلاف فارس، فرحل عنها أمير الجيوش ثم عاودها وحاصرها من البر والبحر سنة بدون طائل. وفتح الروم منبج وأحرقوها وبقيت معهم سبع سنين.