الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور الفاطميين
من سنة 364 - 394
الدول الثلاث وغزوات الروم:
تقلبت على الشام ثلاث دول في مُدَد متقاربة، وهي الإخشيدية والحمدانية والعبيدية. انبثقت الدولتان الأوليان من أصل الدولة العباسية، بمعنى أن الإخشيديين والحمدانيين كانوا كالطولونيين من عمال العباسيين، قوي أمرهم فاستبدوا بالشام. وأنشئوا لهم ملكاً لم يتعاقب فيهم عدة بطون وأجيال. أما دولة العبيديين فعلى خلاف هذا، كانت دولة شيعية قامت سنة 296 بالمغرب، وأول من ولي منهم أبو محمد عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، دعا الدعاة أولاً بالمغرب إلى محمد والد المهدي عبيد الله وكان أولاً بسَلَمْيَة من الشام، ولما توفي أوصى إلى ابنه عبيد الله المهدي وأطلعه على حال الدعاة. وشاع ذلك في أيام المكتفي فطُلب فهرب عبيد الله وابنه أبو القاسم محمد الذي ولي بعد المهدي وتلقب بالقائم، وتوجها نحو المغرب ونزل تاهرت، وعظم شأنه في القبائل واستجابت لدعوته، وملك ومن بعده معظم شمالي إفريقية وجزائر البحر المتوسط مثل صقلّية وساردنية ومالطة وغيرها. والخليفة المعز الذي فتح مصر والشام هو رابع خلفائهم.
نشأت الدولة العبيدية أو الفاطمية أو العلوية كالدولتين الأموية والعباسية
بالشام، وقامت بالمغرب، ونمت في مصر، وماتت فيها. ولم تكن على نسبة تينك الدولتين بقوة سلطانها وتأثيراتها، ولذا ظلت دولة أخرى في أقصى الشام تقاسمها السلطة، وهي الدولة الحمدانية، اتفقت معها سياسةً اتفاقها معها مذهباً.
وفي سنة وفاة كافور 357 جرت بين فنك بن عبد الله مولى كافور الإخشيدي،
وكان جهزه مولاه لأخذ دمشق ثانية، وبين أهل هذه المدينة مناوشة وقتال وإحراق ونهب، وبلغه خبر الروم وأخذهم حمص فنادى في دمشق بالنفير إلى ثنية العقاب بسبب الروم فخرج الناس إلى دومة وحرستا وانتهز الفرصة في خلو دمشق ورحل عنها وتوجه بأثقاله نحو عقبة دمر متوجهاَ إلى الساحل، فنهب أهل دمشق بعض أثقاله وقتلوا من بقي من رجاله.
لما هلك كافور وهلك سيف الدولة وتولى الفاطميون أمر مصر وفتحوا الشام بقي سعد الدولة 356 ابن سيف الدولة في مملكة حلب، ولم يكن كأبيه عقلاً وتدبيراً فعصى عليه جند حلب سنة 357، فنازلها وبقي القتال عليها مدة واستولى الرعيلي على إنطاكية، وجاءت الروم فنزلوا عليها وأخذوها وهرب الرعيلي من باب البحر هو وخمسة آلاف إنسان ناجين بأنفسهم من الروم، فأسر هؤلاء أهل إنطاكية وقتلوا أُناساً من أكابرها. وقال عظيم الروم لما ضيقوا عليه: أرحل وأخرب الشام كله وأعود إليكم من الساحل، ورحل في اليوم الثالث ونازل معرة مصرين، فأخذها وغدر بهم وأسر منهم أربعة آلاف ومائتي نسمة، ثم سار إلى عرقة فافتتحها، ثم سار إلى طرابلس فأخذ ربضها، وأقام في الشام أكثر من شهر ورجع فأرضاه أهل إنطاكية بمال عظيم. وأحرق حمص وقد أخلاها أهلها وملك ثمانية عشر منبراً، وعاد إلى بلاده بالأسرى والأموال.
وقال الإنطاكي: إن نقفور لما توجه إلى الشام، خافه سعد الدولة، فخرج عن حلب إلى بالس، واستخلف فيها قرعويه الحاجب، ونزل الملك على إنطاكية وأقام يومين ورحل في اليوم الثالث، ونزل على معرة مصرين وأمن أهلها من القتل، وكانت عدتهم ألفاً ومائتي نفس وسيرهم
إلى بلد الروم، وفتح معرة النعمان وحماة وحمص، وأخذ منها رأس القديس يوحنا المعمداني، ونزل على طرابلس، وأحرق ربضها وحاصر مدينة عرقة تسعة أيام، وكان لها حصن منيع ففتحه بالسيف
وأخذ منها خلقاً كانوا التجئوا إليه من الأقاليم المجاورة وأخذ منه مالاً كثيراً، وكان في الحصن أمير طرابلس أحمد بن تحرير الأرغلي، وكان أهل طرابلس قد طردوه لجوره، وكان مأسوراً ومعه مال جزيل، فأسره وأخذ جميع ماله، ورجع إلى بلدان الساحل فأتى عليها، وحصل في يده من السبي ما لا يحصى عدده، وفتح حصن انطرطوس ومرقبة وحصن جبلة، وصالح أصحاب اللاذقية عليها، وخرب كثيراً من القرى، وعبر بإنطاكية وميز السبي الذي معه وأعتق عليها من الشيوخ والعجائز زهاء ألف نفس، وبنى حصن بغراس مقابل إنطاكية في فم الدرب ورتب فيه رئيساً يقال له ميخائيل البرجي، ورسم لسائر أصحاب الأطراف طاعته ورتب معه ألف رجل ورجع إلى القسطنطينية.
وفي تاريخ العلويين أن اليهود كانوا يقطنون في القرن الرابع في أرجاء صهيون، وينزل النصارى في اللاذقية، والنصيريّة في الجبل، ولما استولت الروم على أرجاء اللاذقية في سنة 357 شعر العلويون - أي النصيرية - بالتنظيمات الإدارية والعسكرية وأعلنوا الثورة على الروم وكان يرأسهم حسين ابن إسحاق الضلعيني العلوي ففاز واستقل باللاذقية سنة 368، ثم حكم محمد بن إسحاق التنوخي ثم أخوه إبراهيم.
وفي سنة 359 ملك الروم إنطاكية بالسيف، وقتلوا أهلها وسبوا وقصدوا حلب فتحصن قرعويه بالقلعة، وملكوا المدينة بعد حصارها 27لا يوماً، ثم اصطلحوا على مال يحمله قرعويه كل سنة وقدره ثلاثة قناطير ذهب عن حق الأرض، وسبعة قناطير ذهب عن خراج حلب وقنسرين وحمص وحماة وجوسية وسلمية والمعرة وكَفْرطاب وأفامية وشيزر وجبل السماق ومعرة مصرين والأثارب وغيرها، وعن كل حالم دينار في السنة سوى ذوي العاهات، وأن يكون لملك الروم صاحب يقوم بحلب يستخرج أعشار الأمتعة الواردة إليها، فرحلت الروم
ومعهم الرهائن على ذلك،
وقد عقدوا هدنة مؤبدة وصارت الكور سائبة لا مانع للروم عنها، فطمع نقفور ملك الروم في ملك الشام جميعه، ولم يعترف سعد الدولة بالمعاهدة التي جرت بين قرعوية وبين الروم، وظل في معرة النعمان، فأخرب الروم حمص حتى يضطروه إلى الإذعان، ولكن جاءته نجدات فعمرها، وفي سنة 363 سار أبو محمود بن جعفر بن فلاح إلى الشام، في عسكر يقال إنه عشرون ألفاً ودخل دمشق وتمكن بها، وغادر الروم أرض الشام سنة 364 بعد أن فتحوا بعلبك وأخربوها وأخذوا جماعة من أهلها وصالحتهم صيدا وافتتحوا بيروت عنوة وسبوها ونهبوها، وجرى مثل ذلك على جبيل. وقاطعوا أهل دمشق على ستين ألف دينار يحملونها إليهم في كل عام، وكتبوا عليهم بذلك كتاباً وأخذوا فيه خطوط أشرافهم وأخذوا جماعة منهم رهينة وأنفذوا إليهم صليباً بالأمان فتلقوه بالإكرام. ثم انقطع حمل المال المفروض على الشام للروم، فأغضوا عن ذلك لاشتغالهم بالحرب في آسيا الصغرى.
وفي سنة 365 وصل بارقطاش مولى سيف الدولة إلى شريف ابنه وهو بحماة من حصن برزويه وخدمه وعمر له حمص بعد خراب الروم، وتقوى بكجور مولى قرعويه ونائبه، وقبض على قرعويه بحلب وحبسه بالقلعة واستولى على حلب، فكاتب أهلها أبا المعالي شريفاً فجاءهم، وأنزل بكجور بالأمان وولاه حمص واستقر أبو المعالي بحلب. ومن الأحداث في هذا الزمن أن وشاح السلمي ولي إمارة دمشق من قبل الحسن بن أحمد القرمطي المعروف بالأعصم، وكان الوالي إذ ذاك بها صالح بن عمير العقيلي البدوي فخرج صالح عنها، فلما رجعت القرامطة إلى الأحساء رجع صالح بن عمير إلى دمشق وتعصب له أحداثها فأخرجوا وشاحاً عنها قهراً وسلموها إلى صالح 368. ومنها أن بسيل الملك ردّ ولاية اللاذقية إلى كرمروك لشنه الغارة على طرابلس وما يليها وقتله وأسره من
أهلها ومن المغاربة خلقاً كثيراً. وورد عسكر المغاربة إلى عمل إنطاكية مع أمير لهم يعرف بالصنهاجي، فاستظهر عليه كرمروك وقتل جماعة من أهله، فسار نزال وابن شاكر من طرابلس إلى اللاذقية 370 وحاصر حصنها
وسار الدمستق الدومستيقس إلى حلب 371 ووقع الحرب على باب اليهود في اليوم الثاني من نزوله. وطالب سعد الدولة بمال الهدنة على أن يحمل للروم في كل سنة أربعمائة ألف درهم فضة نقية صرف كل عشرين درهماً بدينار.
وخالف مفرج بن دغفل بن الجراح على العزيز بالله وجاهر بخلع الطاعة فسير إلى الشام رشيقاً العزيزي 371 فطرده عنها وهزمه. وسار ابن الجراح بعد هزيمته يريد الحجيج ليقطع عليهم الطريق عند رجوعهم، فأنفذ العزيز مفلح الوهباني في عسكر ليلقاهم ويدفع عنهم، فأوقع به ابن الجراح بأيلة وقتله وجميع من معه، وعاد الحجيج إلى مصر فعاود ابن الجراح الشام فلقيه رشيق الحمداني دفعة ثانية وهزمه ودخل إلى البرية والتجأ إلى بكجور في حمص فأجاره، وقصد إنطاكية ملتمساً من بسيل الملك النجدة فأطلق له صلة ودفعه إلى الشام والتمس من العزيز الأمان فأجابه إليه.
ولما تفرغ الروم من مشاكلهم قصدوا إلى الشام سنة 371 فاضطر سعد الدولة إلى تمديد الهدنة معهم معترفاً لهم بالسيادة، ومتعهداً بأداء الجزية ليتخلص من حكم الفاطميين 373. ثم عاد فأبى أداءها، فاستولوا على كليس وأوقعوا بجماعة من الحمدانية وحاصروا أفامية وقاتلوها أشد قتال، وجاءوا إلى حلب، وسار قرعويه إلى دير سمعان فحاصره ثلاثة أيام وفتحه بالسيف وقتل جماعة من رهبانه، وسبى خلقاً التجئوا إليه من إنطاكية ودخلوا بهم إلى حلب وأشهروا بها وأنفذ الدومستيقس سرية من عسكره إلى كفرطاب فأوقعت بجماعة العرب والحمدانية، واستولى المغاربة على حصن بانياس ولم يقبل الروم بالصلح مع صاحب حلب
سنة 376 إلا على شرط أن يدفع ما تأخر عليهم من الجزية لهم، ورحل بسيل ملك الروم إلى الشام فحاصر حلب وفتح حمص وشيزر وأقام على طرابلس، ودامت معاهدة صاحب حلب مع الروم إلى حين وفاته سنة 392. وهكذا أصبحت الدولة الحمدانية بعد عزها على عهد سيف الدولة، ذليلة خاضعة لسلطان غيرها في عهد خلفه.