الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تل باشر إلى حلب وعاثوا في أعمالها وفعلوا أقبح من فعل الفرنج، ووصل إليهم في حلب صاحب دمشق ومعه رجال حمص وحماة ورفنية وسائر المعاقل الشامية، فلم ير منهم عزيمة صادقة في جهاد ولا حماية بلاد، واستجرهم إلى المعرة فظهر له من سوء نية المتقدمين فيه ما أوحشه منهم، وجعل يحرضهم على قصد طرابلس فلم يفعلوا وتفرقوا أيدي سبا، فلما علم الفرنج برحيل العساكر نزلوا أفامية وفي رأسهم أصحاب القدس وطرابلس وإنطاكية، وقد صاروا بعد التباين والمنافرة والخلف يداً واحدة على المسلمين، وكانت خيل هؤلاء مثل الفرنج إلا أن راجلهم أكثر، وناوشوا الفرنج على غير طائل.
غارات المسلمين وغارات الصليبيين:
وملك فرنج إنطاكية حصن الأثارب وقتلوا منه ألفي رجل وأسروا الباقين، ثم ملكوا زردنا ففعلوا كذلك وقصدوا منبج وبالس فوجدوهما خاليتين فعادوا أدراجهم. ووقع الخوف في قلوب أهل الشام من الفرنج، فبذل لهم المسلمون أموالاً وصالحوهم، صالحهم صاحب حلب على اثنين وثلاثين ألف دينار، وأهل صور على سبعة آلاف دينار، وصاحب شيزر على أربعة آلاف دينار، وصاحب حماة على ألفي دينار. وذلك لأن الفرنج امتنعوا من مهادنة ملوك الشام إلا على قطيعة
يأخذونها إلى مدة يسيرة. ولو كان ملوك الشام إذ ذاك على شيء من الوحدة في الرأي، لما أقطعوا الفرنج القطائع، ولما هادنوهم، خصوصاً وقد خرق الفرنج مرات قانون المهادنات والموادعات، وبعض المنكرين يعذرونهم على عملهم الفظيع في تلك العصور لأنهم كانوا دون المسلمين في كل أمر من أمورهم العلمية والحربية والاجتماعية.
وفي هذا العقد 505 جهز السلطان محمد عسكراً، فيه صاحب الموصل وغيره من أصحاب الأطراف إلى قتال الفرنج بالشام، فساروا ونزلوا على الرها فلم يملكوها، ووصلوا إلى حلب فخافهم صاحبها ولم يفتح لهم أبوابها، ثم ساروا إلى المعرة وتفرقوا. وفيها أنجد صاحب
دمشق أهل صور، وكان أغار عليهم بغدوين، وسار وخيم ببانياس وبث سراياه ورجاله في أعمال الفرنج، ونهض إلى حصن الحبيس في السواد، فملكه بالسيف وأغار على صيدا وأحرق عشرين مركباً من مراكب الفرنج، وبعد أن عمل الفرنج كباشاً كبيرة لتعلق على السور رماها أهل صور بالنفط والزيت مرات، وأقاموا على محاصرة صور أربعة أشهر ونصف، ثم قصدوا عكا وتفرقوا في أعمالهم.
نزل أهل صور 506 عن بلدهم لصاحب دمشق لما أعيتهم الحيل في الدفاع فتسلمها، وأقام الدعوة والسكة على ما كانت عليه لصاحب مصر ولم يغير لهم رسماً، مع أن سائر الشام كانت طاعتها للعباسيين ودعوتها لهم، وذلك حباً بدوام الصلات مع صاحب مصر حتى لا ينقطع مدده عن الساحل. وضبط صاحب القدس القافلة الدمشقية بينا كانت سائرة إلى مصر، بدلالة أناس من العرب البدو، واشتمل الفرنج على ما فيها من الأمتعة والبضائع، وحصل لبغدوين منها خمسون ألف دينار وثلاثمائة أسير، ولم يبق بلد في الشام إلا أصيب بعض تجاره وأهله بأموالهم.
وتواترت غارات بغدوين على عمل البثنية، وجمع صاحب الموصل عسكره من الأتراك والأكراد وقطع الفرات إلى الشام، وكذلك صاحب سنجار وصاحب ديار بكر، وكان الصليبيون يكاتبون صاحب دمشق على أن يتركوا له حصن تبنين وجبل عامل ويعوضوا عن ذلك بحصن الحبيس حبيس جلدك الذي في السواد ونصف السواد من البلقاء ويتركوا التعرض لشيء من أعمال دمشق، ولا يعرض هو لشيء من أعمال الفرنج، فلم يجب إلى ذلك، ونهض في جيشه للقاء صاحب الموصل والاجتماع به على الجهاد، فاجتمعا بمرج سليمة واتفق رأيهما على قصد بغدوين، وسارا وقد استصحب صاحب دمشق جميع العسكر ومن كان بحمص وحماة ورفنية، ونزلا بقدس فعين الجر بالبقاع فوادي التيم ثم نزلا على بانياس، ونهضت فرقة من العسكر فقصدت ناحية تبنين، فلم يظفروا منها بمراد، ووصل إليها بغدوين، وقد كان لما يئس من إجابة صاحب دمشق إلى
الموادعة واصل الغارات والفساد، ثم نهض صاحب دمشق ونزل على الأقحوانة على بحيرة طبرية، فنشب الحرب بين المسلمين والفرنج غربي جسر الصنبرة مقابل عقبة أفيق، فانتصر المسلمون بعد ثلاث كرات وغرق من الفرنج خلق كثير في البحيرة، وقتل نحو ألفي رجل من أعيانهم وأبطالهم، وأقام المسلمون على الجبل وطلع الفرنج إليه وتحصنوا به وهو من غربي طبرية، واستنفر أمير دمشق العرب الطائيين والكلابيين والخفاجيين فوصلوا بخلق كثير بالمزادات والروايا والإبل لحمل الماء، وصعدت الطلائع إلى الجبل من شماله، وعلم المسلمون أن الظفر قد لاحت دلائله، والعدو قد ذل، وأغارت بعض سرايا المسلمين على أرجاء القدس ويافا ونهبت بيسان ولم يبق بين عكا والقدس ضيعة عامرة. ثم تفرق المسلمون وعادوا إلى كورهم.
وأرسل ملك القدس إلى والي صور 507 يريده على المهادنة والموادعة لتحسم
أسباب الأذية عن الجانبين فأجابه إلى ذلك، وأمنت السابلة والتجار والسفار، واستقرت الحال بينهما على المهادنة فأمنت المسالك وصلحت الأحوال، بعد أن ذاق الفرنج بأس ملوك الشام والجزيرة على الأقحوانة. وكان صاحب القدس من أعظم ملوك الفرنج بالشام جيشاً ومكانة. وكان من جملة من حضر في هذه الوقعة عند طبرية الأمير مودود بن التون تكش صاحب الموصل. وفي سنة 508 قُتل آلب أرسلان بن رضوان صاحب قلعة حلب، قتله غلمانه بقلعتها وأقاموا بعده أخاه سلطانشاه بن رضوان، وكان لما ملك حلب جرى على قاعدة أبيه في أمر الإسماعيلية، وكان بنى لهم بحلب دار دعوة، فطلبوا منه أن يعطيهم القلعة فأجابهم إلى ذلك، فقبح عليه القاضي ابن الخشاب فعله، فأخرجهم بعد أن قتل منهم ثلاثمائة نفس وأسر مائتين وطيف برؤوسهم في البلد.
وأمر السلطان محمد بن ملكشاه 508 الأمراء وأصحاب الأطراف بالمسير صحبة آق سنقر البرسقي لقتال الفرنج بالشام، وجرى بين البرسقي وإيلغازي بن أرتق صاحب ماردين قتال انتصر فيه إيلغازي وهرب البرسقي، ثم خاف إيلغازي من السلطان، فسار إلى صاحب دمشق فاتفق