الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جيشه إلى مصر ليتسلمها، وضمنوا له المعونة، وعلى هذا انتهت أيام الإخشيديين.
الدولة الحمدانية:
بعث الخليفة العباسي محمد بن رائق لينقذ الشام ومصر من الإخشيد محمد بن طغج، فلم يضرب ابن رائق ابن طغج ضربة قاسية، واكتفى بأن ترك له مصر إلى الرملة، رملة فلسطين 329 وقعد في القسم الأكبر من الشام - مقابل جزية سنوية قدرها مائة وأربعون ألف دينار - أميراً يحاول أن يقيم له فيه دولة، عصى بالشام فقام يناجزه ناصر الدولة ابن حمدان القتال، وكان هذا استأثر بالموصل والجزيرة، فقتل ابن رائق 330 وكتب بالأمر إلى الخليفة المتقي بالله، فحل ذلك من نفسه محلاً عظيماً، ولقبه ناصر الدولة ولقب شقيقه علياً سيف الدولة وهذا هو صاحب الدولة التي اشتهر أمرها في حلب وما إليها. وبنو حمدان بطن من بني تغلب بن وائل من العدنانية.
سار سيف الدولة 333 إلى حلب فلقي فيها يأنس المؤنسي، ففارقها يأنس، واستأمن إليه في قطعة من الجيش، فاستولى عليها سيف الدولة، وسار إلى دمشق وأقام الدعوة للمستكفي ولأخيه ولنفسه، فخلع المستكفي على سيف الدولة وعلى الإخشيد لأن هذا أقام الخطبة له بمصر وما تحت حكمه من الأصقاع. ولما بويع للمطيع بالخلافة سار مع الإخشيد وابن حمدان بسيرة المستكفي على قدم التوازن السياسي، فكتب إلى الإخشيد بالتقليد، فتكافأ الإخشيد وسيف الدولة، وهدأت الفتن واستقامت الطرق.
ولما بلغ الإخشيد أن سيف الدولة سار إلى حمص جرد عسكراً كبيراً وجعل عليه
أربعة قواد، فساروا إلى دمشق وعبوا عساكرهم، ثم ساروا إلى حمص، فالتقوا مع سيف الدولة بالرّستن من أرض حمص فهزمهم سيف الدولة، فعادوا إلى دمشق ثم خرجوا عنها يريدون الرملة، ثم قصدوا إلى مصر وسار سيف الدولة في إثرهم يريد دمشق، وكتب إلى
جماعة الأشراف والعلماء والأعيان والمستورين كتاباً قرىء على منبر جامعها وفيه:
وقد علمتم أسعدكم الله، تشاغلي بجهاد أعدائي وأعداء الله الكفرة، وسبيهم وقتلي فيهم، وأخذي أموالهم، وتخريبي ديارهم، وقد بلغكم خبر القوانين؟ في هذه السنة، وما أولانا الله وخولناه، وأظفرنا به، واستعملت فيهم السّنّة في قتال أهل الله فما أتبعت مدبراً، ولا ذففت على جريح، حتى سلم من قد رأيتم، وقد تقدمنا إلى وشاح بن تمام بصيانتكم وحفظكم، وحوط أموالكم، وفتح الدكاكين، وإقامة الأسواق، والتصرف في المعاش، إلى حين موافاتنا إن شاء الله.
كتب الرجحان لجيش سيف الدولة على جيش الإخشيدية، وسار كافور بعساكر مولاه إلى مصر، فأقام سيف الدولة بدمشق وجبى خراجها، وجعل يطالب أهلها بودائع الإخشيد وأسبابه، وكان أحداث دمشق قد نهبوها في يوم موت الإخشيد، وظن ابن حمدان أن الأمر تم له فجمع إلى ملكه في الجزيرة ملك الشام، وربما تطالّ بعد ذلك إلى مصر ولم يعرف ما خبأته له الأقدار حتى زحزحته عن ملك دمشق، واقتصرت دولته على حلب وما إليها. وذلك أنه اتفق أن كان يسير هو والشريف العقيقي بضواحي دمشق، فقال سيف الدولة: ما تصلح هذه الغوطة إلا لرجل واحد. فقال له العقيقي: هي لأقوام كثيرة فقال سيف الدولة: لئن أخذتها القوانين السلطانية ليتبرءوا منها.
فأعلم العقيقي أهل دمشق بذلك، فكاتبوا كافوراً يستدعونه من مصر، فجاءهم ومعه أنوجور بن الإخشيد فخرج سيف الدولة إلى اللّجون، وأقام أياماً قريباً من عسكر
الإخشيدية بقرية أكسال وكان في خمسين ألفاً، وتفرق عسكر سيف الدولة في الضياع لطلب العلوفة، فعلم به الإخشيدية فرجعوا، وركب سيف الدولة فرآهم زاحفين في تعبية، فعاد إلى عسكره فأخرجهم فنشبت الحرب فقتل من أصحابه خلق وأسر كذلك، وانهزم سيف الدولة إلى دمشق وسار من حيث لم يعلم أهل دمشق بالوقعة 335 وجاء إلى حمص وجمع جمعاً لم يجتمع له قط مثله من بني عقيل وبني نمير وبني
كلب وبني كلاب، وخرج من حمص، وشخص عساكر الإخشيدية من دمشق، فالتقوا بمرج عذراء على ساعتين من دمشق، وكانت الوقعة أولاً لسيف الدولة ثم آخرها عليه، فانهزم وملكوا سواده، وتقطع أصحابه فهلكوا وتبعوه إلى حلب فعبر الرقة.
لم يستطع سيف الدولة بعد وقعة أكسال ومرج عذراء أن ينال من الإخشيدية، وبقيت لهم دمشق وما وراءها حتى مصر لأن أهل دمشق خافوا من مصادرات سيف الدولة، يوم طالبهم بودائع الإخشيد وأحب أن يملك غوطتهم، فقلبوا له ظهر المجن، ولم يغنه جيشه العظيم لانصراف القلوب عنه، فاقتضى له أن يقاتل جيشين: جيش الطامعين في تلك الديار وجيش البلاد نفسها، وظلت حلب لسيف الدولة لأنه لم يأت فيها باديء بدء ما أتاه من أفعال الظلم. وحلب أقرب إلى مهد عصبيته وهي الثغور الشامية والجزرية وديار مضر وديار بكر. واصطلح سيف الدولة والإخشيد وصاهره وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وإنطاكية، ومن الأحداث في هذه الحقبة أن شبيب بن جرير العقيلي تقلد عمان والبلقاء وما بينهما من البر والجبال - على عهد كافور فعلت منزلته واجتمعت إليه العرب وكثرت حوله وسولت له نفسه أخذ دمشق والعصيان بها، فسار إليها في نحو عشرة آلاف وقاتله أهلها وسلطانها واستأمن إليه جمهور الجند الذين كانوا بها وغلقت أبوابها، فنزل بعض أصحابه على الثلاثة الأبواب التي تلي المصلى يشغلهم بهم، ودار هو
حتى من الحميريين على القنوات حتى انتهى إلى باب الجابية وحال بين الوالي وبين المدينة ليأخذها فهلك وانهزم أصحابه لما رأوا مصرعه فخالفوا إلى الموضع الذي دخلوا منه فأرادوا الخروج منه فقتل أربعمائة فارس وبضعة عشر. وكانت علائق الإخشيديين كصلات الحمدانيين اسمية مع خلفاء بغداد، واشتهر الإخشيديون وهم عجم بشحهم، والحمدانيون العرب بكرمهم، وكان الإخشيديون من أهل السنة، والحمدانيون يرون رأي الشيعة.