الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحابه فناهضه فأسره. وروى الطبري: أن سبب خروج المبرقع على السلطان أن بعض الجند أراد النزول في داره وهو غائب عنها وفيها إما زوجته وإما أخته، فمانعته ذلك فضربها بسوط أصاب ذراعها فأثر فيها، فلما رجع أبو حرب إلى منزله بكت وشكت إليه ما فعل بها وأرته الأثر الذي بذراعها من ضربه، فأخذ أبو حرب سيفه ومشى إلى الجندي وهو غارٌّ فضربه حتى قتله، ثم هرب وألبس وجهه برقعاً كي لا يعرف، فصار إلى جبل من جبال الأردن، ولما كثرت غاشيته من الحراثين استجاب له جماعة من رؤساء اليمانية وأرباب البيوت منهم. وروى أيضا أن خروجه كان في سنة 226 بالرملة وصار في خمسين ألفا من أهل اليمن وغيرهم، وأن القائد العباسي قاتله بالرملة فقتل من أصحابه في وقعتين خمسة وعشرون ألفاً حتى أسر.
فتن أهلية وعصبيات حمصية ولبنانية ودمشقية
وفلسطينية ومعرية:
في سنة 231 جرى بين الأمير هانيء والمردة حروب في جبل لبنان، انتصر عليهم ولقب بالغضنفر أبي الأهوال، وبلغ خبره خاقان التركي خادم الرشيد، فكتب كتابا يشكره على ما فعل ويحثه على الحرب، ويخبره أنه بلغ حسن سلوكه إلى مسامع الخليفة. ومن أهم الأحداث في سنة 240 وثوب أهل حمص بعاملهم، فوجه المتوكل محمد بن عبدويه عاملا عليهم، فسكنهم وأقام بديارهم عدة شهور، ثم وثبوا فشغبوا عليه، فسكنهم ومكر بهم وأخذ جماعة منهم، فحملوا إلى باب المتوكل ثم ردوا إليه فضربهم بالسياط حتى ماتوا، وصلبهم على أبواب منازلهم، وتتبع رجال الفتنة فأفناهم.
ووثب أهل دمشق بعامل المتوكل سالم بن حامد لظلمه وعسفه فيهم وقتله جماعة من أشرافهم ورؤسائهم، فقتلوه على باب الخضراء. قال ابن عساكر: إن سالما كان سيئ السيرة أذل قوما من أهل دمشق، كان بينه وبينهم طائلة ودماء في أول دولة بني العباس وآخر دولة بني أمية. وكان لبني بيهس ولجماعة من قريش دمشق وسائر العرب من
السكون والسكاسك وغيرهم قوة ونجدة، فقتلوه على باب الخضراء وقتلوا من قدروا عليه من رجاله، وسلطوا الموالي على رجالهم وأموالهم فسلبوها.
وغضب المتوكل لمقتل عامله وقال: من لدمشق وليكن في صولة الحجاج؟ فقيل له: أفريدون التركي. فأمره وجهزه إليها في سبعة آلاف، وأحلَّ له القتل والنهب ثلاثة أيام، فنزل بيت لهيا فبات بها، فلما أصبح قال: يا دمشق إيش يحل بك اليوم مني. فقدمت له بغلة وهمَّ ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب ضربته بالزوج في صدره، فسقط ميتاً. وبعد ثلاث سنين جاء المتوكل ليسكن دمشق هرباً مما كان يحاذره من شدته على العراقيين فنقل دواوين الملك إليها ثم رجع بعد أشهر وهناك قتل.
وفي سنة 248 شغب أهل حمص على عاملهم أيضاً، فوجه الخليفة إليهم عاملاً آخر فأخذهم وقتل منهم خلقاً كثيراً، وحمل مائة رجل من عيونهم إلى سامرّا. وفي هذه السنة غزا الصائفة وصيف، وكان مقيماً بالثغر الشامي ثم دخل أرض الروم وفتح بعض الحصون. وفي السنة التالية كان غزو جعفر بن دينار الصائفة، فافتتح حصناً ومطامير، ثم غلب وقتل جماعة كثيرة من جيشه. وفي سنة 250 وثب أهل حمص بعاملهم فقتلوه، فوجه إليهم المستعين من حاربهم فهزمهم بين حمص والرّستن، وافتتح حمص وقتل من أهلها وفيهم خلق من نصارى المدينة ويهودها، فقتل مقتلة عظيمة وأحرقها. وكان المتوكل أمر بإخراج النصارى من حمص، لأنهم كانوا يعينون الثوار. ووثب أيضاً أهل حمص بعاملهم مرة أخرى فقتلوه. وخافوا عامل دمشق فزحفوا إليه فوجه إليهم بعسكر من البابكية وغيرهم فهزموهم وانصرفوا إلى حمص. وثاروا مرة فأرسل عليهم الخليفة عاملاً آخر فدخل بلدهم عنوةً وأباحها ثلاثة أيام وطرحت النار في منازلها. وكان الواثب بحمص العطيف بن نعمة الكلبي في خلق عظيم من عشيرته وغيرهم. وكثر وثوب أهل حمص، وبعبارة أعم، وثوب أهل جند حمص بعمالهم، لأنهم يمانية نزاع إلى الثورة، ونار الإحن بينهم وبين القيسية لا تزال موقدة، ثم إنه كان لهم من السكان
الأصليين من غير المسلمين من كانوا يحرضونهم على شق عصا الطاعة، فلذلك كثرت ثوراتهم وما برحوا يثورون حتى أيام المهدي. فقد ثاروا بمحمد بن إسرائيل، فخرج هارباً ولحقه ابن عكار، فكانت بينهما وقعة قتل فيها ابن عكار، ورجع ابن إسرائيل على البلد.
وفي أيام المستعين وثب بالأردن رجل من لخم، فطلبه صاحب الأردن فهرب، فقام مكانه رجل يعرف بالقطامي وكثف جمعه، فجبى الخراج وكسر جيشاً بعد جيش أنفذهم إليه عامل فلسطين. فلم تزل هذه الحالة حتى قدم مزاحم بن خاقان
التركي في جمع من الأتراك وغيرهم، ففرق جمعهم ونفاهم. ووثب بالمعرة المعروف بالقصيص وهو يوسف بن إبراهيم التنوخي فجمع جموعاً من تنوخ، وصار إلى مدينة قنسرين فتحصن بها، فلم يزل بها حتى قدم محمد المولد مولى أمير المؤمنين فاستماله، واستعمل عطيف بن نعمة وصار إليه، ثم وثب بعطيف بن نعمة فقتله، وهرب القصيص فصار إلى الجبل الأسود واجتمعت قبائل كلب بناحية حمص على الامتناع على المولد، فسار إليهم فواقعهم فكانت عليهم، ثم ثابوا عليه فهزموه وقتلوا خلقاً عظيماً من أصحابه، وانصرف إلى حلب في فلّه، ورجع القصيص إلى قنسرين والتحم مع كلب، وعزل المولد وولي أبو الساج الأشروسي وكتب إلى القصيص يؤمنه وصير إليه الطريق والبذرقة ثم ولاه اللاذقية ونحوها.
وفي سنة 252 عقد لعيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني على الرملة فأنفذ خليفته أبا الغراء إليها واستولى على فلسطين جميعها، وتغلب على دمشق وأعمالها وامتنع من حمل المال إلى العراق، فحمل ابن مدبّر، صاحب خراج مصر إلى العراق سبع مائة ألف وخمسين ألف دينار فنهبها عيسى بن الشيخ في الطريق. وفي سنة 256 عزل عيسى عن الشام، وولي أماجور الشام فسار واستولى عليه بعد قتال بينه وبين أصحاب عيسى على باب دمشق وانتصر أماجور واستقر، وكان عيسى يومئذ في زهاء عشرين ألفاً، وأماجور في مائتين إلى أربعمائة وقيل ألف، فتغلب قليله على كثير خصمه. وكان أماجور أميراً مهاباً، ضابطاً لعمله، حشماً شجاعاً،