الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحر إلى طرابلس ومنها على الظهور إلى أفامية. فكان يوقع للغلمان بجراياتهم وقضيم دوابهم إلى أفامية على خمسة وعشرين فرسخا فيمضون ويقبضونها ويعودون بها. وبنى وأصحابه الحمامات والخانات والأسواق.
وعاد منجوتكين إلى منازلة حلب ومحاصرتها وفتح حصن إعزاز وملك سائر أعمال حلب وولى عليها وبنى حصنا مقابل حلب، وأنجد ملك الروم صاحب حلب
وكان قد استنجده وأرسل إليه ملكوثا السرياني، فقطع المسافة من بلاد البلغار إلى حلب وهي ثلاثمائة فرسخ في بضعة أيام. ولما أقبل الروم أحرق منجوتكين الخزائن والأسواق والأبنية التي كان استحدثها ورحل في الحال منهزما ووافى بسيل فنزل على باب حلب، وخرج إليه أبو الفضائل ولؤلؤ ولقياه، ثم عاد ورحل في اليوم الثالث إلى دمشق وفتح حمص ونهب، ونزل على طرابلس فمنعت جانبها منه، فأقام نيفا وأربعين يوما فلما أيس منها عاد إلى الروم، وعاد منجوتكين غازيا إلى إنطاكية، ثم سار إلى حلب ورحل عنها إلى أنطرطوس، وقاتل الحصن أياما وسار عامل الروم إلى أنطرطوس ليدفع عنها، وأرسلت مصر أسطولا مؤلفا من أربعة وعشرين مركبا مشحونا بالرجال فكسر الأسطول بريح عاتية، وخرج رجال المراكب إلى البر، فانهزم منجوتكين وجميع عسكره وخرج المقيمون في أنطرطوس وأخذوا ما سلم من المراكب وأسروا من رجالهم خلقا.
الخوارج على الفاطميين واستنجاد أمراء المسلمين
بالروم:
ظن بعد انصراف ملك الروم عن الشام ورجوع الحمدانيين إلى حلب أن الدولة الفاطمية يطمئن بالها، وما كان يجول في الفكر أن ينقلب عليها أحد قوادها الذي كانت اصطفته ليدفع عن القطر ما يتهدده من الشر وأعني به منجوتكين. فقد عصى على خليفته وأراد أن يستنجد الروم فلم يلتفتوا إليه، فندب الخليفة العساكر من مصر لقتاله وقدموا أبا تميم بن جعفر عليها، وأمدوه من الأموال ما أسرفوا فيه، وسار أبو تميم من مصر، ورحل منجوتكين من الرملة بعد أن ملكها. والتقى الجيشان بعسقلان وتواقعا فأجلت الوقعة عن هزيمة منجوتكين وأصحابه، فأسر وحمل إلى
مصر، وسار أبو تميم فنزل طبرية وأنفذ أخاه عليا إلى دمشق، فامتنع
أهلها عليه ومنعوه الدخول، وكاتب أخاه بعصيانهم، واستأذنه في قتالهم، فكتب أبو تميم إلى متقدميهم من الأشراف والشيوخ، وحذرهم عواقب فعل سفهائهم، فخافوا وخرجوا إلى علي مذعنين بالطاعة ومنكرين لما فعله أهل الجهالة، فلم يعبأ بقولهم وزحف إلى البلد فملكه، وأحرق وقتل وعاد إلى معسكره.
ووافى أبو تميم في غد فأنكر على أخيه ما فعله، وتلقاه وجوه الناس فشكوا إليه ما أظلهم، فأحسن لقاءهم وأمنهم، فسكنوا وعادوا إلى معايشهم. وركب أبو تميم إلى المسجد الجامع في يوم الجمعة بزي أهل الوقار، واجتاز في البلد بسكينة، وبين يديه القراء وقوم يفرقون الدراهم على أهل المسكنة، وصلى الجمعة وعاد إلى القصر الذي نزله بظاهر دمشق، وقد استمال قلوب العامة بما فعله، ثم نظر في الظلامات وأطلق من الحبوس جماعة من أهل الجنايات فازدادوا له حبا، واستقرت قدمه واستقام أمره، وعدل من بعد إلى النظر في أحوال الساحل فهذبها، وولى أخاه طرابلس وصرف عنها جيش بن الصمصامة.
ذكر كل هذا مسكويه، وزاد أن أبا تميم كان مع سياسته مستهترا باللذات، فلم يشعر إلا بهجوم المشارقة والعامة على قصره فخرج من دمشق هاربا، ونهبوا خزائنه وأوقعوا بمن كان معه من كتامة، وعادت الفتنة واستولى الأحداث على دمشق، وثار أهلها مع ما كان فيها من الأولياء المشارقة على ابن فلاح فخرج عن البلد هاربا إلى مصر، وتغلب الأحداث ورأسهم رجل منهم يعرف بالدهيقين، فسارت جيوش الحاكم إلى دمشق مع محمد بن الصمصامة للقاء الدمشقيين والدهيقين، فسار الدهيقين إلى مصر وطلب الأمان. وقال ابن ميسر في حوادث سنة 387: إنه كانت وقعة بين منجوتكين وبين ابن فلاح في الرملة قتل فيها نحو مئة ألف كذا من أصحاب منجوتكين وانهزم ابن الجراح.
وفي سنة 388 وقعت النار في أفامية واحترق ما كان فيها من القوت فسار أبو
الفضائل بن سعد الدولة صاحب حلب في عسكر الحلبيين،
وقاتلها مدة ثم رجع عنها لما سار إليها دوفس إنطاكية، وحاصرها هذا أشد حصار، فاستنجد الملايطي المقيم بها بجيش بن الصمصامة بدمشق، فسار إليه في عساكر ضخمة، وانتشبت الحرب بينهم، واستظهر عليه الدوقس، وقتل منهم مقتلة عظيمة وأخذت البادية سواد عسكر المغاربة، وبلغت الهزيمة إلى بعلبك، وقتل الدوقس فعادت الهزيمة على الروم فقتل منهم زهاء ستة آلاف وأسر أبناء الدوقس وجماعة من رؤساء عسكره، وحملوا إلى مصر وأقاموا بها عشر سنين ثم فودي بهم.
وسار جيش بن الصمصامة إلى شيزر فخف ملك الروم بنفسه ففتحها وشحنها بالأرمن، وسار عنها إلى حصن أبي قبيس فأخذه بالأمان وسار إلى حصن مصيات. فملكه أيضاً وأخربه وسار إلى رفنية فأحرقها وسبى أهلها وتوجه يحرق ويسبي إلى أن بلغ حمص فنزلها وتحصن منها نفر في كنيسة مار قسطنطين تحرماً بهاً. فلما علم الرؤوس من أهل عسكره أحرقوها، وكانت كنيسة معجزة وحمل نحاسها ورصاصها، وسار الملك إلى قرب بعلبك واستصرخ جيش من دمشق إلى مصر بكتبه ووصف كثرة الجموع التي للروم فجردت إليه العساكر وكوتب كل والٍ بالشام بالمسير معه، فساروا حتى اجتمع بدمشق من العساكر كما قال الأنطاكي ما لم يجتمع فيها للإسلام مثله، ورجع ملك الروم عن طريق الساحل وأحرق عرقة وهدم حصنها ثم نزل على طرابلس 389 وحاربها براً وبحراً، ثم رحل إلى إنطاكية، وافتتح حصن أبي قبيس بالأمان.
وامتدت ولاية منجوتكين في إمرة الجيوش الشامية إلى ما بعد سنة 386 وكان ظالماً جباراً ساءت سيرته في ولايته دمشق وحمص وكثر ظلمه. وولي إمرة دمشق بشارة الإخشيدي من قبل برجوان الخادم الحاكمي 388 وكان ولي طبرية قبل أن يلي دمشق مدة سنين. وكان أهل صور قد عصوا 387 وأمَّروا عليهم
رجلاً ملاحاً يعرف بعلاقة. ضرب السكة باسمه وكتب عليها عز بعد فاقة الأمير علاقة فأرسل عليه الفاطميون أسطولاً فاستجار علاقة بملك الروم فأنفذ إليه عدة مراكب مشحونة بالرجال والمقاتلة، والتقت هذه المراكب بمراكب المسلمين فاقتتلوا فظفر المسلمون
وملكوا مركباً من مراكبهم، وقتلوا من فيه وانهزمت بقية المراكب. وهكذا استنجد بالروم في هذه الحقبة أميران على بني جنسهما ودينهما ليستمتعا بالملك وهما أبو الفضائل في حلب وعلاّقة بصور.
وكان المفرج بن دغفل قد نزل على الرملة وعاث فساداً في أرضها، وانضاف إلى حادثته وحادثة علاّقة نزول الدوقس صاحب الروم في عسكر كثيف على حصن أفامية، فاصطنع برجوان جيش بن الصمصامة وقدمه، وجهز معه عسكراً وسيره إلى دمشق، وبسط يده في الأموال ونفذ أمره في الأعمال، وسار جيش بن الصمصامة ونزل على الرملة وعليها وحيد الهلالي والياً فتلقاه طائعاً وصادف أبا تميم بها فقبض عليه قبضاً جميلاً، وندب الحسين بن ناصر الدولة بن حمدان في عسكر إلى صور بعد أن كان أنفذ إليها مراكب في البحر مشحونة بالرجال فأحاطت العساكر بها براً وبحراً وضعف أهل صور عن القتال وأخذ علاقة فحمل إلى مصر فسلخ وصلب بها وأقام ابن حمدان والياً عليها.
وسار جيش بن الصمصامة لقصد مفرج بن دغفل فهرب من بين يديه وعاذ بالصفح فكف جيش عنه، وعاد سائراً إلى عساكر الروم النازل على حصن أفامية، فلما وصل إلى دمشق تلقاه أهلها في أشرافها ووجوه أحداثها مذعنين له بالانقياد، راغبين في استصحابهم للجهاد، فجزاهم خيراً فأقبل جيش على رؤساء الأحداث وبذل لهم الجميل، ونادى في البلد برفع المؤن، وإباحة دم كل مغربي يتعرض لفساد، فاجتمعت الرعية وشكروه، وسألوه دخول البلد والنزول بينهم فلم يفعل، ثم سار ونزل بحمص واجتمعت العساكر وتوجه إلى حصن أفامية، فوجد
أهلها وقد اشتد بهم الحصار، فنزل بإزاء عسكر الروم بينه وبينهم نهر العاصي. ثم التقى الفريقان من بعد، وكان المسلمون يومئذ في عشرة آلاف من الطوائف وألف فارس من بني كلاب، فحملت الروم على المسلمين فزحزحوهم عن مصافهم، وانهزمت الميمنة والميسرة، واستولى الروم على كراعهم وعطفت بنو كلاب على أكثر ذلك فنهبوه، وثبت بشارة الإخشيدي
في خمسمائة فارس، ورأى من في حصن أفامية من المسلمين ما أصاب إخوانهم فأيسوا من نفوسهم.
قالوا: وكان الدوقس عظيم الروم في هذه الوقعة بعد أن تراجع المسلمون على رأسه راية وبين يديه ولداه وعشرة خيالة، فقصده أحمد بن الضحاك الكردي على فرس جواد، فظنه عظيم الروم مستأمناً، فلما قاربه طعنه الكردي فقتله فانهزمت الروم وتراجع المسلمون فركبوا أقفيتهم قتلاً وأسراً وألجئوهم إلى مضيق في الجبل وأسروا ولد الدوقس، وحمل إلى مصر من رؤوسهم عشرون ألف رأس وألف أسير.
وعاد جيش إلى دمشق فاستقبله أهلها، فخلع على وجوه الأحداث وحملهم على الخيل والبغال، ووهب لهم الجواري والغلمان، وعسكر بظاهر البلد وأخلوا له قرية بيت لهيا ليكون مقامة بها، وتوفر على استعمال العدل وتخفيف الثقل، فاستخص رؤساء الأحداث واستحجب جماعة منهم، ثم أوقع بهم كلهم، ودخل البلد وثلم السور من كل جانب، واستغاث الناس به ولاذوا بعفوه، فكفّ عنهم واستدعى الأشراف استدعاء حسن ظنهم فيه، فلما حضروا أخرج رؤساء الأحداث وأمر بضرب رقابهم بين أيديهم، ثم صلب كل واحد في محلته. وجرد إلى المرج والغوطة قائداً وأمره بوضع السيف فيمن بها من الأحداث فقال: إنه قتل ألف رجل منهم، حتى إذا فرغ من ذلك كله قبض على الأشراف وحملهم إلى مصر واستأصل أموالهم ونعمهم، ووظف على البلد خمسمائة ألف دينار. وكان عدد من
قتلهم ثلاثة آلاف رجل، واحتال للقضاء على هؤلاء الأحداث بأن جعل يبسط الطعام كل يوم لهم ولمن يجيءُ معهم من أصحابهم، فكان يحضر كل إنسان منهم في جمع من أصحابه وأشياعه، وأمرهم إذا فرغوا من الطعام أن يحضروا إلى حجرة يغسلون أيديهم فيها، وأمر أصحابه إذا دخل رؤساء الأحداث الحجرة أن يغلقوا بابها عليهم ويضعوا السيف في أصحابهم، فلما كان الغد حضروا الطعام، وقام الرؤساء إلى الحجرة، فأغلقت الأبواب عليهم وقتل من أصحابهم نحو ثلاثة آلاف رجل.
تولى جيش نيابة دمشق غير مرة، وكان ظالماً سفاكاً للدماء ظلم الناس كثيراً. قالوا: وعم الناس في ولايته البلاء من القتل وأخذ المال حتى لم يبق بيت في دمشق ولا بظاهرها إلا امتلأ من جوره؛ خلا من كان ظالماً يعينه على ظلمه. وممن ولي دمشق للمصريين وساءت سيرته ختكين القائد ثم القائد طرملة بن بكار البربري، وكان عبداً أسود، فجار على أهلها كما جار ختكين وظلمهم وأخذ أموالهم، وفر إلى مصر وحمل بعض ما كان معه إلى الحاكم، فتمكنت حاله عنده وولاه دمشق فأقام والياً عليها إلى سنة 394، ثم صرف عنها بخادم من خدم الحضرة.