الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأفضل فقال له: أنا رسول قسام إليك لتحلف له وتعوضه عن دمشق بلداً يعيش به وقد بعثني اليك سراً، فحلف الأفضل، فلما توثق منه قام وقبل يديه وقال: أنا قسام. فأعجب الأفضل ما فعله وزاد في إكرامه ورده إلى البلد وسلمه إليه، وقام الأفضل بكل ما ضمنه وعوضه موضعاً عاش به، فلما بلغ ذلك العزيز أحسن صلته. ذكر هذا القفطي وأورد الذهبي رواية أخرى في أمر قسام قال: إنه تقدم لقتاله سليمان بن جعفر بن فلاح إلى دمشق فنزل في ظاهرها ولم يمكنه دخولها فبعث إليه قسام بخطه أنا مقيم على الطاعة، وبلغ العزيز ذلك فبعث البريد إلى سليمان يرده فترحل سليمان من دمشق وولى العزيز عليها أبا محمود المغربي ولم يكن له أيضاً مع قسام أمر ولا حل ولا عقد. قال ابن تغري بردي: ولعل الذي ذكره الذهبي كان قبل توجه عسكر أفتكين والأفضل، فإن الأفضل لما سار بالجيوش أخذ دمشق من قسام وعوضه بلداً آخر وهو المتواتر.
وكان من سياسة قسام الحارثي أن كان يدعو للعزيز بالله العلوي على المنابر. وقبل أن يحاربه المصريون وصل إليه أبو تغلب بن حمدان صاحب الموصل
وحط رحاله في حوران، فمنعه قسام من دخول دمشق، فاستوحش أبو تغلب وجرى بين أصحابه وأصحاب أبي تغلب شيء من قتال، فرحل أبو تغلب إلى طبرية، وورد من عند العزيز القائد الأفضل في جيش فقاتله وجماعته حتى قتل في الرملة 369 وخلت الديار، وأتت بنو طيىء على الناس وشملهم البلاء منهم.
خوارج على دولة الجنوب ودولة الشمال:
كان مفرج بن الجراح أمير بني طيىء وسائر العرب في فلسطين قد كثرت جموعه وقويت شوكته، وعاث في فلسطين وخربها، وهلك من فيها فكان الرجل يدخل إلى الرملة يطلب فيها شيئاً يأكله فلا يجده، ومات الخلق بالجوع وخربت الأعمال، فخاف العزيز عاقبة أمره بعد أن رأى ما أتعب دولته من أمر الخوارج أفتكين والأعصم وقسام وابن حمدان، فجهز العساكر لحربه مع قائده بلتكين التركي فسار إلى الرملة، واجتمع
إليه العرب من قيس وغيرهم، ولقي ابن الجراح وقد كمن لهم بلتكين من ورائهم، فانهزم ومضى إلى إنطاكية فأجاره صاحبها. وصادف خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى الشام فخاف ابن الجراح وكاتب بكجور عامل حمص لأبي المعالي بن سيف الدولة ولجأ إليه فأجاره. وكان بكجور والي حمص يمد دمشق أيام هذه الفتن والغلاء ويحمل الأقوات من حمص إليها. وكانت دمشق في هذا العهد قد خربها العرب وأهل العيث والفساد، وانتقل أهلها إلى حمص فعمرت. وربما كان هذا القرن أشأم القرون السالفة في الشام ودمشق خاصة، وكان كل أذى ينزل بها وبأهلها. قال ابن بطريق: سار بكجور إلى أبي المعالي بن سيف الدولة من حلب وهو يومئذ بحمص فخلع عليه أبو المعالي وولاه حلب، وعاد بكجور إلى حلب وأقيمت له الدعوة فيها وفي سائر أعمالها، ووافق بكجور سائر غلمان الدولة على القبض على قرعويه، وسار أبو المعالي إلى حلب وأخرجه من حمص وقبض على قرعويه، وسار أبو المعالي من حلب وفتح
المعرة وما يليها في شوال سنة 366، ونزل إلى حلب ومعه بنو كلاب، ووقع القتال بينه وبين بكجور، واستظهر أبو المعالي عليه واستقر الأمر بينه وبين بكجور على ولاية حمص. ثم عصى بكجور على سعد الدولة واستدعى جيوش العزيز فسارت معه ونزل على حلب وتحاربوا يومين، سار الدمستق إلى حلب، وورد خبره على بكجور فرحل إليه، فوقع القتال وجرى بينه وبين سعد الدولة مراسلة واستقر الحال بينهم على أن يحمل إليه سعد الدولة مال سنتين أربعين ألف دينار، وسار الدمستق وقصد حمص وسبى أهلها، وأحرق بها جماعة اعتصموا في المغاور وسار بكجور إلى دمشق وتقلدها.
وكان بكجور يكاتب العزيز الفاطمي بما يقوم به من الخدم فاستنجز وعد العزيز إياه بولاية دمشق فولاه إياها سنة 73 إلا أنه أساء السيرة في أهلها وقتل أناساً وصادر آخرين وجمع الأموال لنفسه، فجهزت العساكر عليه من مصر مع منير الخادم وكتب إلى نَزّال عامل طرابلس بمظاهرته. وجمع بكجور العرب وخرج للقائه فانهزم، ثم خاف من وصول نزال
فاستأمن إليه، وتوجه إلى الرقة فاستولى عليها، ودخل منير دمشق واستقر في ولايتها وأحسن السيرة في أهلها، وارتفعت منزلته عند العزيز وجهزه لحصار سعد الدولة بحلب.
وكان بكجور بعد انصرافه من دمشق سأل سعد الدولة العودة إلى ولايته حمص فمنعه لأنه كان نزع يده من الدولة الحمدانية ووضعها في يد الدولة الفاطمية، فلما أخفق عاد إلى دولته الأولى فرفضته وأجلبت عليه، فاستنجد بكجور الملك العزيز لحرب سعد الدولة فبعث إلى نزّال بمظاهرته، فسار إليه بالعساكر، وخرج سعد الدولة من حلب للقائه وقد أضمر نزال الغدر ببكجور، واستعد سعد الدولة للقائهم، وقد استمد عامل إنطاكية للروم فأمده بجيش كبير، وداخل العرب الذين مع بكجور في الانهزام عنه وكانوا وعدوه ذلك من أنفسهم، فلما تراءى الجمعان وشعر
بكجور بخديعة العرب استمات وحمل على الصف بقصد سعد الدولة فقتل لؤلؤاً الكبير مولاه، ثم حمل عليه سعد الدولة فهزمه، فسار إلى بعض العرب ثم حمل إلى سعد الدولة فقتله، وسار إلى الرقة فملكها وقبض جميع أمواله وكان شيئا كثيرا.
وزاد مسكويه في تفاصيل هذه الحادثة ما يلي: كان لبكجور رفقاء بحلب يوادونه فكاتبوه وأطعموه في الأمر، وأعلموه تشاغل سعد الدولة باللذات، فاغتر بأقوالهم وكتب إلى صاحب مصر يبذل له فتح حلب، ويطلب منه الإنجاد والمعونة، فأجابه إلى كل ملتمس، وكتب إلى نزّال الغوري والي طرابلس بالمسير إليه متى استدعاه من غير معاودة. وكان نزّال هذا من قواد المغاربة وصناديدهم، فتلكأ نزّال، وكاتب سعد الدولة بسيل ملك الروم يعلمه عصيان بكجور عليه، وسأله إنجاده بالبرجي صاحبه بإنطاكية فسار إليه، وبرز سعد الدولة في غلمانه وطوائف عسكره، ولم يكن معه من العرب إلا خمسمائة فارس إلا أنهم أولو بأس. وتقارب العسكران ووقع الطراد، وكان الفارس من أصحاب سعد الدولة إذا عاد