الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ببيت المقدس بعد قتل عثمان وحمل كل واحد منهما صاحبه الأمانة أن بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله والإسلام، ولا يخذل أحدنا صاحبه بشيء ولا يتخذ من دونه وليجة ولا يحول بيننا ولد ولا والد أبداً ما حيينا فيما استطعنا.
وهكذا أخذ معاوية يحرك النفوس ويطالب بثأر عثمان ومما كتب به إلى علي: ولكنك أغريت بعثمان المهاجرين وخذلت عنه الأنصار فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف وقد أبى أهل الشام إلا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان. فأجابه عليّ: زعمت أنه إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان، ولعمري ما كنت إلا رجلاً من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا، وما كان الله ليجمعهم على ضلال ولا ليضربهم بالعمى، وما أمرت فيلزمني خطيئته عثمان، ولا قتلت فيلزمني قصاص القاتل. . . وأما قولك تدفع إليك قتلة عثمان، فما أنت وعثمان؟ إنما أنت رجل من بني أُمية وبنو عثمان أولى بعثمان منك.
حرب صِفّين:
وما برحت الحزازات تشتد بين عليّ ومعاوية يريد الأول أن يبايع له الثاني، ويطالب الثاني بدم عثمان وهو مستقل بالشام، حتى التقيا سنة 37 في صِفِيّن من أرض الشام بجيشيهما وكانت بينهما وقائع سالت فيها الدماء كالأنهار، فقتل من أهل الشام جيش معاوية خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق والحجاز جيش عليّ خمسة وعشرون ألفاً، وكان معاوية في مائة وعشرين ألفاً، وعلي في تسعين ألفاً، وجسّر عليٌّ الجنود حتى قُتل من أبطال الإسلام في تلك المعارك ألوف ولم يكترث بقتلهم وإن علياً لينغمس في القوم فيضرب بسيفه حتى ينثني ثم يخرج متخضباً بالدم حتى يسوى له سيفه ثم يرجع فينغمس فيهم. ويقول الدينوري: كان أهل الشام أيام صفين إذا انصرفوا من الحرب يدخل كل فريق منهم في الفريق الآخر فلا يعرض أحد لصاحبه، وكانوا يطلبون قتلاهم فيخرجونهم من المعركة ويدفنونهم. وروى ابن سعد قال: اقتتل الناس بصفين قتالاً
شديداً لم يكن في هذه الأمة مثله قط حتى كره أهل الشام وأهل العراق القتال وملوه من طول تبادلهم السيف. فقال عمرو بن العاص وهو يومئذ على القتال لمعاوية: أنت مطيعي فتأمر رجلاً بنشر المصاحف، ثم يقولون: يا أهل العراق ندعوكم إلى القرآن والى ما في فاتحته إلى خاتمته، فإنك إن تفعل ذلك يختلف أهل العراق ولا يزيد ذلك أمر أهل الشام إلا استجماعاً، فأطاعه معاوية ففعل، وأمر عمرو رجالاً من أهل الشام فقرىء المصحف ثم نادى يا أهل العراق ندعوكم إلى القرآن، فاختلف أهل العراق فقالت طائفة: أولسنا على كتاب الله وبيعتنا؟ وقال آخرون كرهوا القتال: أجبنا إلى كتاب الله، فلما رأى علي عليه السلام وهنهم وكراهتهم للقتال قارب معاوية فيما يدعوه إليه واختلف بينهم الرسل فقال علي عليه السلام: قد قبلنا كتاب الله فمن يحكم بكتاب الله بيننا وبينك، قال: تأخذ رجلاً منا نختاره ونأخذ منكم رجلاً
تختاره، فاختار معاوية عمرو بن العاص، واختار علي أبا موسى الأشعري. وجرت المهادنة بين علي ومعاوية على وضع الحرب بينهما ويكون لعلي العراق، ولمعاوية الشام، فلا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو، فأقام معاوية بالشام يجبيها وكان ذلك سنة 40.
كانت حرب صفّين من أشأم الحروب على الأمة، وهي في أول شبابها، التقى فيها المسلم بالمسلم بالسلاح، واقتتلا قتالاً شديداً، وهلكت من الفريقين نفوس زكية، فيهم الصحابة والقراء والعلماء، ولو لم يشغل بال معاوية بمقتل عثمان ثم بمدافعة عليّ لكان تفرغ للقضاء على الدولة البيزنطية آخر الدهر. خصوصاً وقد كان من أكبر همه أن يغادي الروم القتال ويراوحهم منذ استقل بإمارة الشام. يغزوهم براً وبحراً ويصيب منهم وقلما يصيبون منه، وربما توفق معاوية وآله لولا هذه الغائلة الأهلية إلى استصفاء معظم أقطار الأرض ونشر الدين واللغة فيها، واضطرت حوادث عليّ معاوية أن يهادن صاحب الروم ويرضيه بمال عظيم ريثما يتفرغ له. وقال عمرو بن العاص لمعاوية: كما بدأت الفتنة اكتب إلى قيصر الروم تعلمه أنك ترد عليه جميع من في يديك من أسارى الروم وتسأله المواءمة والمصالحة تجده سريعاً إلى ذلك راضياً بالعفو منك.