الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد أوقدت بالشام نيرانُ فتنةٍ
…
فهذا أوان الشام تخمد نارها
إذا جاش موج البحر من آل جعفرٍ
…
عليها جنت شهبانها وشرارها
رماها أمير المؤمنين بجعفرٍ
…
وفيه تلاقي صدعها وانجبارها
رماها بميمون النقيبة ماجدٍ
…
تراضى به قحطانها ونزارها
وفي سنة 187 ثارت العصبية أيضاً بالشام بين المضرية والنزارية وجمعوا جموعاً كثيرة، وكانت بينهم في ذلك فتن قتل فيها من المضرية نحو من
خمسمائة، والوالي على دمشق شعيب بن حازم، قال ابن عساكر: وذكروا منه تعصباً فوجه أمير المؤمنين الرشيد محمد بن منصور بن زياد إلى أهل دمشق، وأمره بدعاء الفريقين جميعاً إلى الرجوع عما هم عليه، على أن يحمل من بيت ماله ما كان بينهم من الدماء ويعفو عنهم ويولي من أحب الفريقان، فاطفئت الفتنة. وفي سنة 881 كان غزو إبراهيم بن جبريل الصائفة، أدرب من درب الصفصاف فيما ذكر أربعون ألفاً وسبعمائة.
الحمصيون وفتنة السفياني:
وفي سنة 190 وثب أهل حمص بواليهم فخرج الرشيد نحوهم، فلما صار بمنبج لقيه وفدهم يعطون بأيديهم فعفا عنهم. وفي سنة 191 خرج أبو النداء بالشام، فوجه الرشيد في طلبه يحيى بن معاذ، وعقد له على الشام. وفيها نقض أهل قبرس العهد فغزاهم معيوف بن يحيى فسبى أهلها. وفي سنة 194 اختلف أهل حمص مع عاملهم إسحاق بن سليمان، فانتقل عنهم إلى سلمية فعزله الأمين، واستعمل مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي، فقاتل أهل حمص حتى سألوا الأمان فأمنهم، ثم هاجوا فضرب أعناق عدة منهم. وفي سنة 195 أي في أيام الخليفة الأمين، ظهر بالشام السفياني علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية الملقب بأبي العَمَيْطر كسفرجل لأنه زعم أنها كنية الحرذون فلقبوه به. وكان من بقايا بني أمية بالشام، ومن أهل العلم والرواية، فدعا إلى نفسه وسمي خليفة، وكان أصحابه يوم ادعى الخلافة يدورون في أسواق دمشق ويقولون للناس:
قوموا بايعوا مهدي الله. وكان يفتخر بقوله: أنا ابن شيخي صفين يعني عليّاً ومعاوية، لأنه كان ينتسب لبني أمية من جهة أبيه ولآل أبي طالب من جهة أمه، وكان أكثر أصحابه من كلب، وتعصب له اليمانية، وقاومه القيسية فنهب دورهم وأحرقها وقتلهم وفتك بأهل دمشق، وطرد منها سليمان بن أبي جعفر المنصور عاملها بعد حصره إياه،
وكان عامل الأمين عليها، فلم يفلت منها إلا بعد اليأس، وأعانه الخطاب بن وجه الفُلس مولى بني أمية، وكان قد تغلب على صيدا، وقاومه محمد بن صالح بن بيهس الكلابي فخرج إلى قرية الحرجلة، فقتل من ظفر به من بني سليم ونهبها وأحرقها، وجعل يطلب من بدمشق من القيسية. وكان القرشيون وأصحابه من اليمن يمرون بالدار من دور دمشق فيقولون: ريح قيسي نشم من هذه الدار، فيضربونها بالنار، فهرب القيسية من دمشق، وكان من لم يبايعه سمَّر عليه بابه، وكان إذا خرج من الخضراء وهو راكب يمشي بين يديه خمسمائة رجل على رؤوسهم القلانس الشاميات وفي أيديهم المقارع.
كتب أبو العَمَيْطر إلى ابن بَيهس الكلابي: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فالعجب كل العجب لتخلفك عن بيعة أمير المؤمنين، يعني نفسه وجحدانك نعم آبائه عليك، ولست ولا أحدٌ من سلفك إلا في نعمته، وأنت تعلم مكان حرمتك بقرية تلفياثا، وأن عشيرتك بالغوطة كرش منثورة، وأمير المؤمنين يحلف لك بالله لئن سمعت وأطعت، ليبلغن بك أقصى غاية الشرف، وليولينك ما خلف بابه، ولئن تخلفت وتأخرت ليبعثن إليك ما لا قبل لك به من الزحوف، التي تتلوها الحتوف، بشاهد السلاح المعدّ لأهل الخلاف والمعصية. وقد بعث إليك أمير المؤمنين شعراً فتدبره وكتب في أسفل كتابه:
لئن كان هذا الجد منك لقد هوى
…
بك الحَيْن في أهويّة غيرَ طائل
أبعد اجتماع الشام سمعاً وطاعة
…
إليَّ وإذلالي جميع القبائل
وتوجيهيَ العمال في كل بلدةٍ
…
وزحفي إليها بالقنا والقنابل
رجوت خلافي أو تمنيت جاهلاً
…
إزالة ملك ثابت غير زائل
فإن تعط سمعاً أو تعلقْ بطاعة
…
تُقَلْ من ملمات شداد الزلزل
وإن تعصِ لا تسلم وفي السيف واعظ
…
لذي الجهل ما لم يتعظ بالرسائل
فلم يجبه ابن بيهس على كتابه، وأقبل أبو العَمًيْطر على طلب القيسية فكتبوا إلى ابن بيهس، فاقبل إليهم في ثلاثمائة فارس من الضباب ومواليه، واتصل الخبر بأبي العميطر فوجه إليه يزيد بن هشام في اثني عشر ألفاً فاقتتلوا، فلم يزل القتل في أصحاب يزيد بن هشام حتى دخلوا أبواب دمشق، فبلغ القتلى ألفي رجل وأسر ثلاثة آلاف، فدعا بهم ابن بيهس فحلق رؤوسهم ولحاهم، وأحلفهم بأنهم يصيرون إلى باب أبي العَمَيْطَر فيصيحون نحن عتقاء ابن بيهس، فاشتدت شوكته وتوهن أمر أبي العميطر السفياني، فجعل ابن بيهس يغير كل يوم على ناحية فيقتل ويأسر. ولما فرغ ابن بيهس من حرب يزيد بن هشام، نزل قرية سكا، واجتمع إلى أبي العميطر وزراؤه فقالوا له: لا يهولنك محاصرة ابن بيهس إياك فإن الحرب سجال، فكتب أبو العميطر إلى السواحل والبقاع وبعلبك وحمص فأتاه خلق عظيم، واشتبكت الحرب بين شبعا وقرحتا وتقاتلوا قتالاً طويلاً. واجتمعت نمير على مسلمة بن يعقوب، وبذلوا له البيعة بالخلافة، فقبل منهم وجمع مواليه ودخل على السفياني أبي العميطر في الخضراء فقبض عليه وقيده، وقبض على رؤساء بني أمية فبايعوه وأدنى قيساً وجعلهم خاصته.
وجمع ابن بيهس رؤساء بني نمير فقال لهم: قد كان من علتي ما ترون فارفقوا ببني مروان بن الحكم وألطفوا بهم، وعليكم بمسلمة بن يعقوب فبذل له بنو نمير البيعة. وبعث مسلمة إلى رؤساء بني أمية عن لسان أبي العَمَيْطر يأمرهم بالحضور فجعل كل من دخل يقال له: بايع، والسيف على رأسه فيبايع. وأدنى مسلمة القيسية، ولبس الثياب الحمر، وجعل أعلامه حمراء، وأقطع بني نمير ضياع المرج، وجعل لكل رجل من وجوه قيس بمدينة دمشق منزلاً وولاهم، ثم أقبل ابن بيهس حتى نزل قرية شبعا وأصبح منها غادياً إلى دمشق، وصاح الديدبان بالسلاح، وخرج مسلمة وخرجت معه القيسية، فتقاتلوا ذلك اليوم مع
مسلمة قتالاً شديداً وكثرت الجراحات في الفريقين، وانصرف ابن بيهس وخاف القيسية على أنفسهم، وذهبوا إلى ابن بيهس وأحكموا الأمر معه، وصبح دمشق بالخيل والرجالة والسلالم، ونشب القتال وصعد أصحاب ابن بيهس السور بناحية باب كيسان فلم يشعر بهم أصحاب مسلمة، واستولى ابن بيهس على دمشق لعشر خلون من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، ولم يزل يحارب أهل المزة وداريا وبيت لهيا إلى أن صالحه أهل بيت لهيا، وأقام على حرب أهل المزة وداريا وهو مقيم بدمشق أميراً متغلباً عليها، إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق سنة ثمان ومائتين وخرج إلى مصر ورجع إلى دمشق سنة ست عشرة ومائتين، وحمل ابن بيهس معه إلى العراق. وولى الأمين 196 عبد الملك بن صالح بن علي على الشام، وأمره بالخروج إليها. وفرض له من رجالها جنوداً يقاتل بها طاهراً وهرثمة. وعبد الملك هذا هو الذي كان يقول في أهل الشام: قوم قد ضرستهم الحروب وأدبتهم الشدائد، وإن أهل الشام أجرأ من أهل العراق، وأعظم نكاية في العدو. ووقعت فتنة في عسكره بين الخراسانيين وأهل الشام وكثر القتل، وأظهر عبد الملك النصرة للشاميين، وانتصر الحسين بن علي للخراسانيين وتنادى الناس بالرجوع، فمضى أهل حمص وقبائل كلب فانهزم أهل الشام واتصلت الحروب 198 بين سكان الشام وجماعة العباسيين، وكان يعقوب بن صالح الهاشمي يحارب الحاضر حاضر حلب، فلم يبق منهم وافترقوا أيدي سبا، فصار أكثرهم إلى مدينة قِنَّسْرين، وضرب يعقوب الحاضر وكان فيه عشرون ألف مقاتل.
وذكر المسعودي أن عبد الملك بن صالح توفي بالرقة سنة 197، وكان العامل على الجزيرة وجند قنسرين والعواصم والثغور، واضطربت البلدان بعد وفاته، وتغلب كل رئيس قوم عليهم، وصار الناس حزبين، حزب يظاهر بمحمد، وحزب يظاهر بالمأمون، فلم يبق بلد إلا وفيه قوم يتحاربون، لا سلطان يمنعهم ولا شيء
يدفعهم. ولما أفضت الخلافة إلى المأمون كان بقورس وما والاها من كور العواصم العباس بن زفر الهلالي، وبالحيار وما والاها من كور قِنسرين عثمان بن عثامة العبسي،