الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك إلى أهل بعلبك يعلمهم بمصيرهم ويأمرهم بقتالهم، فتأهبوا وقاتلوهم في أسفل جبل لبنان، ثم أظهروا الهزيمة فأمعنوا في الطلب، فلما بعدوا عن الجبل كرت عليهم خيل بعلبك، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وانهزم بقيتهم، ثم هاجموهم في قلعتهم فظهروا عليهم وامتلكوها منهم، وهرب بندار إلى ملك الروم، فكتب حينئذ صالح بن علي يأمر بإخراج من بقي في الجبل، وتفريقهم في كور الشام. وصالح بن علي من أعظم رجال العباسيين هو الذي كسر الروم في نوبة مرج دابق وكانوا في مائة ألف أو يزيدون. وبعد صالح بن علي وجه أبو جعفر المنصور محمد بن الأشعث إلى الشام، وكتب إليه أن يخرج عمال صالح بن علي، فجهزه وعقد له وضم إليه من
قواده جماعة، وكتب أمير المؤمنين إلى صالح بن علي أن يسلم دمشق إلى محمد بن الأشعث، فأتاها فأقام بها مدة، ثم أتاه كتاب أمير المؤمنين يأمره أن يسير إلى الأردن ويخرج عمال صالح بن علي من الأردن والبلقاء وفلسطين فأخرجهم.
قيس ويمن والفتن الداخلية والخارجية:
وفي سنة 168 نقض الروم الصلح، فوجه علي بن سليمان وهو يومئذ على الجزيرة وقنسرين يزيد بن بدر في سرية إلى الروم، فغنموا وظفروا. ولم يغفل العباسيون عن غزو الروم الصوائف وغيرها على مثال بني أمية. وفي هذه السنة رد المهدي ديوان أهل بيته من دمشق إلى المدينة. ومن الفتن فتنة سنة 176 هاجت بدمشق بين المضريين واليمانيين، وكان على دمشق عبد الصمد، فسعى الرؤساء في الصلح فأجاب بنو القين، واستمهلت اليمانية ثم ساروا إلى بني القين وقتلوا نحو ستمائة، فاستنجدت بنو القين قضاعة وسليحا فأبوا، فاستنجدوا قيسا فساروا معهم إلى الصواليك، من أرض البلقاء، فقتلوا من اليمانية ثمانمائة، وكثر القتل منهم، ثم عزل الرشيد عبد الصمد عن دمشق، وولاها إبراهيم بن صالح، وكان هواه مع اليمانيين، واستخلف إبراهيم على دمشق ابنه إسحاق فحبس جماعة من قيس وضربهم، ثم وثبت غسان برجل من ولد قيس العبسي فقتلوه، واستنجد
أخوه بالزواقيل اللصوص من حوران فأنجدوه، وقتلوا من اليمانية نفرا. قال ابن كثير في حوادث سنة 176 إنه وقعت فتنة بين النزارية واليمانية، وهذا كان بدء العشران بحوران وهم قيس ويمن، أعادوا ما كانوا عليه في الجاهلية في هذا الأوان، فقتل منهم بشر كثير، فلما تفاقم الأمر بعث الرشيد من جهته موسى بن يحيى ومعه جماعة من القواد ورؤوس الكتاب، فأصلحوا بين الناس وهدأت الفتنة، واستقام أمر الشام، وحملوا جماعات من رؤساء الفتنة إلى مدينة السلام، فرد أمرهم الرشيد إلى عامله خالد فعفا عنهم وأطلقهم ففي ذلك يقول بعض الشعراء:
قد هاجت الشام هيجاً
…
يشيب رأس وليده
وصبّ موسى عليها
…
بخيله وجنوده
فدانت الشام لما
…
أتى نسيج وحيده
دامت هذه الفتنة نحو سنتين، وسببها فيما قيل أن رجلا من بني القين قطع بطيخة من حائط بالبلقاء لرجل من لخم أو جذام. وفي رواية أن الفتنة لما هاجت بالشام بين النزارية واليمانية، وولى الرشيد سنة 176 موسى بن يحيى الشام جميعه، أقام به سنتين حتى أصلح بينهم. قال ابن الأثير: إن سبب هذه الفتنة بين المضرية واليمانية، ورأس المضرية أبو الهيذام عامر بن عمارة أحد فرسان العرب المشورين، أن عاملا للرشيد بسجستان قتل أخاً لأبي الهيذام فخرج أبو الهيذام بالشام وجمع جمعا عظيما. وهذا السبب أرجح إذ لا يعقل أن تنشب الفتنة بين قبيلين من أجل بطيخة قطعت من بستان. أما أبو الهيذام فاستولى على دمشق، وقاتل في قومه فهزم أكثر الجيوش التي قابلته، وكان معه فريق كبير من أعراب الشام.
وفي سنة 180 تفاقم أمر هذه الفتن، فعقد الرشيد، أيام عصيبة أبي الهيذام، لجعفر بن يحيى البرمكي على الشام، فأتاهم وأصلح بينهم وقتل المتلصصة منهم، ولم يدع بها محاربا ولا فارسا، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة وقال بعض الشعراء في ذلك: