الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتمة دور الفاطميين من سنة 394 - 463
خوارج ومذاهب جديدة وفتن:
ظهر في أعمال حلب سنة 395 رجل اسمه احمد بن الحسين ويعرف بالأصفر تزيّا بزي الفقراء وتبعه خلق من العرب وسكان القرى، وصحبه رجل من وجوه العرب يعرف بالجملي، ونازل شيزر وأسرى في جماعة من العرب وغيرهم ممن اجتمع إليه ولقي عسكر الروم وكبس والي أرتاح وسار نحو جسر الحديد يريد
إنطاكية، في مهروية على فرسخين من إنطاكية بطريق يقال له بيغاس في عسكر كان معه، فقتل الجملي وانهزم الأصفر إلى سروج، ونزل قرية كفر عزون وكانت حصينة، ففتحها العامل الرومي وأسر منها اثني عشر ألف أسير وأخذ غنائم كثيرة، وكان قد اجتمع عرب بني نمير وبني كلاب مع وثاب بن جعفر صاحب سروج في زهاء ستة آلاف فارس على الرومي فلقيهم وهزمهم، وتوسط لؤلؤ صاحب حلب أن يعتقل الأصفر بقلعة حلب فأخذ واعتقل، وبقي فيها معتقلاً إلى أن دخلت حلب في حكم الفاطميين 406.
وأمر الحاكم 404 باروح التركي الملقب علم الدولة على جيوشه ولقبه أمير الأمراء وولاه الشام وسيره إليها وحمل باروح معه زوجته وهي ابنة الوزير يعقوب بن يوسف بن كلس وحملا معهما أموالهما في قافلة مع التجار، فاعترضهم ظاهر غزة المفرج بن دغفل بن الجراح وأولاده فأوقع بهم وحاز جميع ما كان معهم وأخذ باروح أسيراً وقتله. وسار ابن الجراح
إلى الرملة ودخلها، وأباح للعرب نهبها وصادر الأموال وأقام الدعوة لأبي الفتوح الحسن بن جعفر الحسني أمير مكة يومئذ وأسماه أمير المؤمنين ولقبه الراشد لدين الله، وضرب له السكة واستحوذت العرب على جنوب الشام وملكوه من الفرما إلى طبرية وحاصروا حصون السواحل مدة طويلة ولم يمكنهم أخذ شيء منها.
واستدعى ابن الجراح أبا الفتوح الحسني من مكة فسار إلى الشام ووصل إلى الرملة ودخلها راكباً فرساً ونزل في دار الإمارة بها، وأنشأ كتاباً قرىء على الناس بأن لا يقبل له أحد الأرض، وأن هذا شيء ينفرد به الله عز وجل، وجلب معه أموالاً كثيرة من الحجاز فأكلها العرب وحجزوا عليه وأشرف على ضعف أمره. وقد كان الحاكم بذل فيه أموالاً جسيمة لحسان بن المفرج فأشار على أبي الفتوح بالرجوع إلى طاعة الخليفة العلوي وأوصلوه إلى مأمنه، فلما عاد إلى مكة
أقام الدعوة للحاكم على الرسم السالف بعد أن كان أقامها لنفسه، وكتب إلى الحاكم يعتذر فقبل عذره ووصله وأحسن إليه.
وحصل الشام في أيدي بني الجراح وأقاموا متغلبين عليه إلى المحرم سنة أربع وأربعمائة وعظمت مصادرتهم للناس مرة بعد أخرى وعسفهم إياهم، فهرب من النصارى خلق كثير توجهوا إلى الروم وقصد أكثرهم اللاذقية وإنطاكية وقطنوهما. استقل ابن الجراح سنتين وخمسة أشهر في الشام ولم يرسل الحاكم عليه عسكراً، ثم سير القائد علي بن فلاح في جيش كبير جمع فيه معظم رجال مملكته، وكوتبت الجيوش في دمشق والسواحل بلقائه، وسارت العساكر من الجهتين نحوه فاتفق في الحال أن مات المفرج بن دغفل بن الجراح واتصل بأولاده، قصد العساكر إليهم فذهبوا مع العرب إلى البرية وتخلوا عن الرملة وغيرها من الأقاليم التي غلبوا عليها.
ولى الحاكم عهده لأبي القاسم عبد الرحمن بن الياس وجعله الخليفة بعده 404 ودعي له على المنابر ونقش اسمه على السكة، وحصل بدمشق وفسح لأهلها في شرب القهوة وسماع الأغاني فأحبوه ومقته الجند
لشحه، وأذاع بعض الدرزية دعوته في قوم من المسلمين في وادي التيم، فتجاهر الذين استجابوا لدعوته بمذهبهم، فغزاهم أمير الأكراد ابن الشليل فقتل منهم وسبى وأحرق وأهلك خلقاً. واستشعر ولي العهد بعد ما جرى في أمرهم إنكار الحاكم ما فعل بهم، وحذر أن يحنق عليه بسببهم، فأنفذ صاحباً له يعرف بابن الخرقاني إلى حسان بن المفرج بن الجراح ليقرر له معه أن يكون من جهته، فشغب عليه الجند وقتلوا الخرقاني بدمشق ونهبوا دار ولي العهد، فاستغاث بالدمشقيين والغوطيين، فأحاطوا بالقصر الذي ينزله بظاهر دمشق فانتشبت الحرب بينهم وبين الجند واندفع الدمشقيون عنه ونهب الجند القصر، وكان عند تواصل الأخبار إلى الحاكم بعصيان ولي العهد
ندب صاعد بن عيسى بن نسطورس للخروج إلى الشام، وأعطاه من العدد السلطانية والآلات الجليلة ما لم يعط لغيره، وتقدمت مكاتبة الحاكم إلى ولي العهد يأمره بالحضور إلى مصر فبادر بالرحيل وسار العسكر معه إلى الرملة ولما أيقن الحاكم امتثاله أمره زالت الشبهة عنه من نفسه، وكتب يرسم له بالرجوع إلى دمشق وقلد تقليداً ثانياً.
وثار بدمشق بعد مسير ولي العهد عنها رجل من أهلها يعرف بمحمد بن أبي طالب الجزار، واجتمع إليه جمع كثير من أحداثها ومن رعاع أهل حوران امتعاضاً لولي العهد، وحاربوا الجند، وطرح العسكر النار في المدينة فأحرقت منها قطعة كبيرة، ولما عرف محمد بن أبي طالب الجزار عودة ولي العهد سار للقائه واجتمعوا في لدّ وسار محمد بن أبي طالب إلى دمشق، وقد اجتمع إليه خلق كثير ودخل دمشق بغتة، وراجع الحرب واستظهر على الجند وأخرجهم من المدينة، وأرسل إليه ولي العهد في تسكين الفتنة فلم يطعه وقتل قاضي دمشق وتسلط هو والأحداث عليها، وقتل أيضاً جماعة من الناس ونهبهم، وتوقاه أهل السلامة وخافوا منه، وغلت الأسعار بقيام الفتنة فاجتمع على الناس الجوع والحريق والنهب والقتل. وكان محمد بن أبي طالب قد سدّ الباب الشرقي، فوجد الدمشقيون فرصة وفتحوه، وقبضوا عليه وقتلوه وصلبوه على باب الجابية، وقتلوا جمعاً ممن كان على رأيه، واستقام أمر دمشق وصلح حال ولي