الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معه وكاتبا الفرنج واعتضدا بهم. قال ابن الأثير: وكان طغتكين قد استوحش من السلطان لأنه نسب إليه قتل مودود، فاتفقا على الامتناع والالتجاء إلى الفرنج والاحتماء بهم فراسلا صاحب إنطاكية وحالفاه، فحضر عندهما على بحيرة قدس في حمص وجددوا العهود، وعاد إلى إنطاكية وعاد طغتكين إلى دمشق.
وأرسل السلطان محمد ملكشاه 509 عسكراً ضخماً لقتال صاحب دمشق وصاحب ماردين فعبروا الفرات من الرقة وقصدوا حلب، فعصت عليهم، ثم فتحوا حماة عنوة ونهبوها ثلاثة أيام ثم سلموها إلى قيرخان ابن قراجة صاحب حمص، واجتمع بأفامية طغتكين وإيلغازي وملوك الفرنج صاحب إنطاكية وصاحب
طرابلس وغيرهم، وأقاموا بأفامية ينتظرون تفرق المسلمين، ثم تفرق وسار طغتكين إلى دمشق وإيلغازي إلى ماردين.
وفتح المسلمون كفرطاب وقتلوا من بها من الفرنج وساروا إلى المعرة ثم إلى حلب فكبسهم صاحب إنطاكية في الطريق فانهزموا، ووضع الفرنج السيف في المسلمين فهرب من سلم منهم. واستولى الفرنج على رفنية فاسترجعها منهم صاحب دمشق وقتل من بها منهم، وهادن الأفضل مدبر مملكة الآمر الفاطمي بغدوين صاحب القدس، وكان قد أخذ قافلة عظيمة من المسلمين بالسبخة فرأى الأفضل مهادنته لعجزه عنه. وجمع صاحب طرابلس 510 جموعه ونهض إلى البقاع لإخرابه، فخف إليه صاحب الموصل وصاحب دمشق في بعض عسكرهما، وسارا إلى البقاع، والفرنج غارّون في مخيمهم، فأطلق السيف فيهم قتلاً وأسراً ففقد منهم ما يزيد على ثلاثة آلاف وعاد صاحب الموصل إلى بلده بعد استحكام المودة بينه وبين صاحب دمشق، والموافقة على الاعتضاد في الجهاد، متى حدث أمر أو حزب خطب.
بقية الغارات:
وفي العقد الثاني من القرن السادس هادن 511 المتولي أعمال حلب
الفرنج ووادعهم وسلم إليهم حصن القبة، وهجم الفرنج على ربض حماة وقتلوا من أهلها، وخاف أهل حلب من الفرنج فسلموا البلد إلى نجم الدين إيلغازي، فلما تسلمه لم يجد فيه مالاً ولا ذخيرة لأن الخادم لؤلؤاً الذي كان مستولياً على صاحبها سلطانشاه بن رضوان كان فرق كل ما فيها. وسار طغتكين 512 عن دمشق لقتال الفرنج، فنزل بين دير أيوب وكفر بصل فخفيت عنه وفاة بغدوين ملك القدس، حتى سمع الخبر بعد ثمانية عشر يوماً وبينهم نحو يومين، فأتته رسل ملك الفرنج بطلب المهادنة فاقترح عليه طغتكين ترك المناصفة التي بينهم من جبل
عوف والحيانية والصلت والغور فلم يجب إلى ذلك وأظهر القوة، فسار طغتكين إلى طبرية فنهبها وما حولها، وسار منها نحو عسقلان وسلم بنو أخي القاضي شرف الملك بن الصليعة حصن بلاطنس لروجار صاحب إنطاكية فأقطعهم في أعمال اللاذقية عوضاً منه وسكنوا تحت يده.
وبرز 513 صاحب إنطاكية فيمن حشده من طوائف الفرنج ورجالة الأرمن في ثلاثة آلاف فارس وتسعة آلاف راجل سوى الأتباع إلى سرمد وقيل دانيث البقل بين إنطاكية وحلب وقيل تل عفرين، فطار إليهم المسلمون بقيادة صاحبي حلب والموصل في عساكر التركمان والأكراد والعرب في عشرين ألفاً، فقتلوا الفرنج بحيث لم يفلت منهم غير من يخبر خبرهم، وقتل ملوكهم روجر وبقيت إنطاكية شاغرة من حماتها، ثم فتح المسلمون الأثارب وزودنا.
وعاد إيلغازي إلى حلب وقرر أمرها وأصلح حالها بعد أن أخربها الفرنج ونازلوها، وكان في جملة الأسرى نيف وسبعون فارساً من مقدميهم حملوا إلى حلب فبذلوا في نفوسهم ثلاثمائة ألف دينار فلم يقبل منهم. قال ابن الأثير في وقعة الفرنج في تل عفرين وكانوا يظنون أن أحداً لا يسلك إليهم لضيق الطريق فأخلدوا إلى المطاولة، وكانت عادة لهم إذا رأوا قوة من المسلمين.
وسار جوسلين صاحب تل باشر ليكبس بني ربيعة، فوقع بينهم قتال انتصر فيه أمير بني ربيعة، وأسر من الفرنج عدة كثيرة. وجمع صاحب
ماردين التركمان وغيرهم والتقى مع الفرنج عند دانيث البقل وجرى بينهم قتال شديد انتصر فيه صاحب ماردين وانهزم الفرنج. ووصل كندهري ملك الفرنج في المراكب، وملك أكثر المعاقل، ووقعت الهدنة بين صاحب حلب وبين الفرنج وتقررت المسالمة، وقيل: إن جوسلين أغار على العرب والتركمان النازلين بصفين قرب قرية جعبر على الفرات وغنم منهم وفي عوده خرب حصن بزاعة.
وأغار كندهري على أذرعات وأطراف دمشق وكان صاحبها بالبثنية فبعث بولده بوري مع الجيش وأقام هو موضعه ردءً له فالتقوا فظهر الفرنج على بوري، فعاد إلى أبيه ودخلا دمشق، ومضى طغتكين إلى حلب مستصرخاً بنجم الدين إيلغازي وكان أول ما ملكها فأقام عنده وشرع بجمع العساكر، واغتنمت الفرنج غيبته فقصدوا دمشق، ووصلوا إلى حوران فالتجأ أهله إلى اللجاة، فتأثرهم الفرنج إلى وعرة اللجاة فقتلوا وأسروا، ولما بلغ أهل إنطاكية هذا جمعوا وحشدوا وقصدوا حلب في خمسة آلاف فارس وثمانية آلاف راجل فخرج إيلغازي وعمل كميناً، فلما التقى الفريقان ظهر الكمين وضربوا البوقات والطبول فظنوه صاحب دمشق قادماً من ورائهم، وكان نجم الدين إيلغازي أشاع أن طغتكين واصل من دمشق وما كان إلا جريدة عنده فانهزم الفرنج وعمل فيهم السيف قتلاً وأسراً.
وفي سنة 514 نهض الأمير معن من البقاع بعشيرته ورهطه ونزل في جبل الشوف، وكان قفراً خالياً من السكان، وجعل له مودة مع آل تنوخ أمراء عرب جبل لبنان، وكان أميرهم إذ ذاك الأمير بحتر التنوخي فبنى له ولخاصته دوراً ليستعيض بها الأمير معن عن المضارب، وأخذ يقصد دياره أهل كل ديار استولت عليها الفرنج وبقي أميراً فيه نحو ثلاثين سنة وهو أصل الأمراء آل معن وإليه ينتسبون. وصار الجبل ينسب إليهم فيقال جبل بيت معن كما يقال جبل بني عوف وجبل بني هلال.
وكان بين نور الدين بلك بن أرتق 515 وبين جوسلين على
الرها حرب انتصر فيها بلك وقتل من الفرنج، وأسر جوسلين وأسر معه ابن خالته وأسر جماعة من فرسانه المشهورين عند سروج وبذل جوسلين في نفسه أموالاً كثيرة فلم يقبلها بلك وسجنه وأصحابه في قلعة خرتبرت، وفي سنة 515 عصى سليمان بن إيلغازي بن أرتق على أبيه بحلب، حسن له ذلك إنسان من حماة من بني قرناص، وكان
قدمه إيلغازي على أهل حلب، وبلغ إيلغازي ذلك فسار مجداً من ماردين وهجم حلب وقطع يدي ابن قرناص ورجليه وسمل عينيه، وهرب ابنه إلى طغتكين بدمشق واستناب ابن أخيه عبد الجبار، وخرج صاحب حلب 516 في عسكره وقطع الفرات وصادف الفرنج فأتلف ما ظفر به في أعمالهم. وتوفي إيلغازي بن أرتق وكان بحلب ابن أخيه سليمان بن عبد الجبار فبقي فيها إلى أن أخذها ابن عمه، فسلم سليمان قلعة الأثارب إلى الفرنج، فعظم ذلك على بلك بن بهرام وعلم عجزه عن حفظ بلاده فقوي طمعه في ملكها، فسار إليها ونازلها وضايقها ومنع الميرة عنها وأحرق زروعها، فسلم إليه ابن عمه البلد والقلعة بالأمان سنة 517.
ووصل الأسطول المصري إلى صور، وحمل والي صور سيف الدين مسعود إلى مصر، وكانت عاقبة خروجه منها خروجها بالأمان من أيدي المسلمين إلى الفرنج بعد سنتين. ونهض بغدوين 517 في عسكره إلى ناحية حلب، وصاحبها منازل حصن كركر، فالتقيا بالقرب من منظرة فكسره وأسره مع جماعة من وجوه عسكره، واعتقله في جب قلعة خرتبرت مع جوسلين ومقدمي الفرنج الذين كان أسرهم قبل عامين، واستنجد صاحبا دمشق وحلب بالخليفة الآمر في مصر فجهز أسطولا مؤلفاً من أربعين شينياً فيها عشرون أميراً وهدايا فسار العسكر إلى يافا وأقام عليها ستة أيام ورحل عنها، وقد تخاذل عنه ملوك الشرق ورجع إلى مصر، فوافاه الفرنج على يبنى، فانكسر العسكر المصري من غير مصاف. وملك الأمير بلك حصن البارة وأسر أسقفها. وهرب بغدوين وجوسلين وغيرهما من مقدمي الفرنج من أسر الأمير بلك في خرتبرت وملكوا القلعة فاستعادها الأمير من الفرنج الواثبين عليها. وهزم جيش الفرنج جيش
المسلمين، وفيهم جيش دمشق على قلعة عزاز، وتفرق المسلمون بعد قتل من قتل وأسر من أسر.
قلنا: إن الفرنج ملكوا مدينة صور 518 بالأمان بعد حصار طويل، وكانت للخلفاء
العلويين أصحاب مصر، وقد ثبت أهل صور نحو خمس وعشرين سنة على قتال الفرنج مع قلة المنجد لهم من مصر، يقول ابن تغري بردي: إن سبب سقوط صور خروج سيف الدين مسعود منها، وكان قد حمل إلى مصر وأقام الوالي الذي بها في البلد، وهذه زيادة في النكاية للمسلمين من صاحب مصر فإن سيف الدين المذكور كان قائماً بمصالح المسلمين، وفعل ما فعل مع الفرنج من قتالهم وحفظ سور المدينة هذه المدة الطويلة، فأخذوه منها غصباً ودخلوا البلد مع من لا قبل له بمحاربة الفرنج، فكان حال المصريين في أول الأمر أنهم تقاعدوا عن نصرة المسلمين والآن بأخذهم سيف الدين من صور صاروا نجدة للفرنج. وكانت صور آخر ما ملكه الفرنج من الساحل.
وفي سنة 518 ملك آق سنقر البرسقي حلب وقلعتها وسبب ذلك أن الفرنج لما ملكوا مدينة صور، طمعوا وقويت نفوسهم، وتيقنوا الاستيلاء على الشام كله، ثم وصل إليهم دبيس بن صدفة صاحب الحلة فأطمعهم طمعاً ثانياً لا سيما في حلب وقال لهم: إن أهلها شيعة وهم يميلون إلي لأجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إلي، وبذل لهم على مساعدته بذولاً كثيرة، وقال: إنني أكون ههنا نائباً عنكم ومطيعاً لكم، فساروا معه إليها وحصروها وقاتلوا قتالاً شديداً، ووطنوا نفوسهم على المقام الطويل.
وأخذ الفرنج في بناء بيوت لهم ظاهر حلب فعظم الأمر على أهلها، ولم ينجدهم صاحبها تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق لإيثاره الدعة والرفاهة، فكاتب أهل حلب آق سنقر البرسقي صاحب الموصل فسار إليها، فأجفل الفرنج منهزمين، ثم صلحت أحوال حلب وعمرت أعمالها بعد أن حاصرت مدة ولقي أهلها شدة حتى أكلوا الميتة، ولم يكن عندهم أمير، وإنما تولوا حفظ الأمن بأنفسهم وأبلوا بلاءً حسناً حسنت به العاقبة. وأخذ البرسقي