الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور الدولة العباسية
إلى ظهور الدولة الطولونية من سنة 132 - 254ه
ـ
مبدأ الدعوة العباسية:
كانت دولة الأمويين الشرقية، كدولة الخلفاء الراشدين، عربية إسلامية صرفة، لم تنتشر كلمتها، ولم تتوزع سلطتها، أما الدولة العباسية فكانت دولة عناصر، والحاكم فيها العنصر العربي أو من دخل في خدمته وطاعته من الفرس والترك والديلم والموالي، ولقد قال المؤرخون: في دولة بني العباس افترقت كلمة الإسلام، وسقط اسم العرب من الديوان، واستولت الديلم ثم الأتراك، وصارت لهم دولة عظيمة، وانقسمت ممالك الأرض عدة أقسام، وصار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالعسف، ويملكهم بالقهر.
كان أهل البيت بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام يعتقدون أنهم أحق بالأمر، وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش، فكانوا يرون في بني أُمية غاصبين حقهم في الخلافة، فبدأوا يدعون سراً لذلك منذ وقعت الحرب بين علي ومعاوية في صفين وتنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان على الخلافة. فكان معاوية على ما رزق من صدر رحب يَرُوض من شماس أهل البيت، ويسامحهم في دعوى تقدمهم واستحقاقهم، ولا يهيج أحداً منهم بالتثريب عليه في ذلك. وكان
خلفاؤه من صلبه أو من بني مروان يعمدون إلى القسوة على القائمين بالدعوة لآل البيت تارة وإلى الإغضاء زمن العجز طوراً، وكان شيعة عليّ مقهورين، وأقاموا على شأنهم وانتظار أمرهم والدعاء لهم في النواحي، يدعون للرضا من آل محمد ولا يصرحون بمن يدعون له حذراً عليه من أهل الدولة.
وكان شيعة محمد بن الحنفية أكثر شيعة أهل البيت يرون أن الأمر بعده لابنه أبي هشام عبد الله وكان كثيراً ما يغدو على سليمان بن عبد الملك في الشام. فمرَّ في
بعض أسفاره بمحمد بن علي بن عبد الله بن عباس بمنزلة بالحُمَيْمَة فنزل عليه وأدركه المرض عنده فمات وأوصى له بالأمر. وقد كان أعلَم شيعته بالعراق وخراسان أن الأمر صائر إلى ولد محمد ابن علي هذا، فلما مات قصدت الشيعة محمد بن علي وبايعوه سراً وبعث الدعاة منهم إلى الآفاق فأجابه عامة أهل خراسان، وبعث عليهم النقباء وتداول أمرهم هنالك، وتوفي محمد سنة أربع وعشر ومائة وعهد لابنه إبراهيم وأوصى الدعاة بذلك، وكانوا يسمونه الإمام وهو الذي دعا إليه أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة.
عند تمام المائة سنة صحت نية بني العباس على تأليف جمعية سرية تدعو لهم، وبثت في الآفاق بغض بني مروان وبلفظ أعم بني أمية. وكانت الدعوة مقبولة في العراق وخراسان عند كل من تعرض عليه. ورأس الدعوة في أرض الشام مهد عصبية الأمويين وفروعها في خراسان. فانبثت دعوة العباسيين من قطر وسط بين الأقطار العربية وهو الشام لقرب اتصالها مع الأقطار الأخرى ولا سيما بالعراق ثم بخراسان، ولم تقم الدولة من الحجاز لأنه بعيد عن القاصية تحيط به من جهاته الثلاث صحارٍ وبوادٍ محرقة، والاستناد على أهل الحجاز كالاستناد على أهل العراق لا يخلو من أخطار. فقد أراد أهل المدينة أن لا يبايعوا يزيد بن معاوية بالخلافة، فضربهم ضربة قاضية، ولم يستطع أن ينجدهم أحد من العراق أو اليمن لبعد الشقة. وخذل أهل العراق علياً وابنه الحسين، فلم يتمكن أهل الحجاز واليمن أن ينجدوا آل البيت فوقع ما وقع.
كان دعاة آل البيت يغدون من الحميمة وقيل: من كرار من جبال الشراة في الشام وبنو أمية غافلون عنهم وخليفة المستقبل الذي يدعى له على أيام من دار ملكهم كبعض الرعية، والناس في خراسان يصدرون عن أمره ويقدسون خلافته، وكأن الأقدار خصت الشام بقيام دولتين عظيمتين فيه الأموية والعباسية، وكانت عصبية
الأمويين أهل الشام وعرب الحجاز واليمن، وعصبية العباسيين أهل خراسان والعراق وقيس، ومن أهم العوامل في نجاح بني هاشم في دعوتهم الجديدة، اتفاقهم مع الطالبيين على هذا المقصد، وهو نزع الخلافة من بني مروان، فكان البيتان لأول الأمر كأنهما بيت واحد، ولذلك أثمرت الدعوة سريعاً.
بعد نيف وثلاثين سنة من الدعوة لأبناء العباس وربما قبل ذلك بقليل انتبه الأمويون في الشام إلى مقاصد أعدائهم، وأنهم في صدد تأسيس دولة للقضاء على دولة الأمويين، وفي ذلك دليل ظاهر على ضعف أصحاب الأخبار في أيامهم، وعلى تساهلهم وعنايتهم بتدويخ الأقاصي والغفلة عن أحوال الدواني، أبلغ ذلك مروان بن محمد الجعدي آخر خلفاء بني أمية عامله على خراسان نصر بن سيار وقد كتب إليه:
أرى تحت الرماد وميضَ جمرٍ
…
ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكى
…
وإن الشر مبدؤه الكلام
وقلت من التعجب ليت شعري
…
أأيقاظ أُمية أم نيام
فإن يقظت فذاك بقاءُ ملك
…
وإن رقدت فإني لا أُلام
فإن يك أصبحوا وثووا نياماً
…
فقل قوموا فقد حان القيام
فكتب مروان إلى عامله بدمشق الوليد بن معاوية يأمره بتوجيه أحد ثقاته إلى الحميمة أو كرار ليأتيه بإبراهيم الإمام، فحمله إلى مروان فحبسه في المحرم من سنة 132 وقتل في محبسه بعد شهرين، وعهد بالأمر بعده إلى أخيه أبي العباس عبد الله بن محمد وهو ابن الحارثية أول خلفاء بني العباس نسبة إلى جده الأعلى علي أبو محمد السجاد بن عبد الله بن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. قتل إبراهيم الإمام فكان قتله داعياً إلى التعجل بالمناداة علناً بالخلافة العباسية. وذلك أن إبراهيم الإمام لما قبض