الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دمشق عليه فجنح المقاتلة إلى الدخول في الطاعة، واستولى على البلد وعوض واليها عن بعلبك بحصن صرخد.
اجتماع كلمة أمراء المسلمين وإنجاد بغداد الشام:
اجتمع صاحب أرمينية وميافارقين وصاحب الموصل وغيرهم على جهاد الفرنج، وقصدوا الرها وضايقوها فأشرف من بها على الهلاك لقلة القوات، فشرع
أصحاب إنطاكية وطرابلس والقدس بالذود عنها، ونهض صاحب دمشق في عسكره وخيم على سَلمية، وظهر الفرنج في رَفَنية فقاتلهم واليها شمس الخواص، ورحل الفرنج إلى قصد الرُّها فخف صاحب دمشق إلى الرقة وقلعة جعبر وقطع الفرات، وتلوَّم هناك إلى أن عرف خبر الفرنج وأنهم قد أحجموا عن العبور لتفرق سرايا العساكر الإسلامية وطلائعهم في عامة المسالك إلى الفرات. ولما أدرك المسلمون قرب الفرنج منهم اتفقت الآراء على الإفراج لهم ليتمكنوا من لقائهم في الفضاء من شرقي الفرات، ورحلوا عن الرُّها ونزلوا أرض حران مكراً وخديعة، ففطن الفرنج لهذا التدبير فأجفلوا ناكصين على الأعقاب إلى شاطئ الفرات، فنهض المسلمون في أثرهم وغنموا سواد الفرنج وأثقالهم، وأتوا على العدد الدثر من أتباعهم قتلاً وتغريقاً في الفرات. وفي هذه الأيام تأكدت أسباب الألفة بين صاحب دمشق وملوك الشمال.
لما تفرقت العساكر الإسلامية أغار بغدوين على الرها، وكانوا رتبوا فيها جماعة من الأرمن لحفظها، وبلغ ذلك صاحب حلب وما أصاب الفرنج من الهزيمة فاستعاد ما كان غلب الفرنج عليه وأغار على إنطاكية. ثم جاء الفرنج عقيب ذلك فأفسدوا في أعمال حلب وقتلوا واسروا خلقاً كثيراً. وعاد طنكري على الأثارب وملكها بعد طول حصارها كما ملك زردنا، واستقرت الموادعة بعد ذلك بين صاحب حلب وطنكري على أن يحمل إليه الأول من مال حلب كل سنة عشرين ألف دينار وأن يفك الأسرى.
ووصل بعض ملوك الفرنج في البحر في نيف وستين مركباً مشحونة بالرجال لقصد الحج والغزو في ديار الإسلام، فاجتمع مع صاحب بيت المقدس ونزلا على صيدا وضايقاها براً وبحراً، فلما عاين من بصيدا ذلك ضعفت نفوسهم وأشفقوا أن يصيبهم ما أصاب بيروت، وقد قتل الفرنج يوم أخذوها واليها وأعيانها، فخرج
إليهم قاضيها وجماعة من شيوخها وطلبوا الأمان، فأمنهم فاستحلفوه على ذلك، وخرجت الحامية وخلق من أهلها إلى دمشق، وقرر بغدوين على من أقام بها نيفاً وعشرين ألف دينار فأفقرهم واستغرق أموالهم.
وأغار بغدوين على عسقلان 504، وكان صاحبها شمس الخلافة يراسله، فاستقرت الحال بينهما على مال يحمله إليه ويرحل عنه، وانتهى
الخبر إلى الأفضل بمصر فأنكر ذلك، وجهز عسكراً كثيفاً إلى عسقلان، فلما قرب منها أظهر شمس الخلافة على الأفضل فغالطه الأفضل، وخاف شمس الخلافة من أهل البلد فاستدعى جماعة من الأرمن فأثبتهم في عسقلان، ثم وثب به قوم من كتامة وقتلوه. وسار إلى بغداد رجل من أشراف الهاشميين في حلب وجماعة من الصوفية والتجار والفقهاء، وانزلوا الخطيب في جامع السلطان عن المنبر وكسروه، وصاحوا وبكوا لما لحق الإسلام من الفرنج، ومنعوا الناس من الصلاة، وعملوا في الجمعة التالية مثل ذلك في جامع الخليفة، فأوعز السلطان إلى الأمراء المقدمين بالتأهب للمسير إلى الجهاد.
ووصل رسول ملك الروم بمراسلات للبعث على قصد الفرنج والاجتماع على طردهم قبل إعضال خطبهم، ويقول إنه منعهم من العبور إلى أرض المسلمين وحاربهم، وإذا ضعفت عزائم قومه عن المقاومة، اضطر إلى مداراتهم وإطلاق عبورهم الديار الإسلامية، وبالغ في الحث على حربهم، ونقض بغدوين الهدنة المستقرة بينه وبين صاحب دمشق، فخرج هذا إلى اللجاة ونهض الفرنج في أثره إلى الصنَمين، ففرق صاحب دمشق العسكر من عدة جهات، وبث في المعابر والمسالك خيلاً يمنعهم من حمل الميرة إليهم حتى ألجأهم إلى المسالمة، على أن يكون لبغدوين النصف من ارتفاع جبل عوف والسواد والحيَّانية مضافاً إلى ما في يده من هذه الأعمال التي تليها في أيدي العرب من آل جراح.
لما قرر ملك بغداد إنهاض العسكر عقيب استغاثة الشاميين بالخليفة والسلطان تقدم من الأمراء لإنجادهم على قتال الصليبيين صاحب الموصل، فافتتح تل مراد وعدة حصون هناك بالسيف والأمان. ووصل إليه الأمير أحمديل الكردي في عسكر كثيف، والأمير قطب الدين سقمان من بلاد إرمينية وديار بكر وصاحب همذان فنزلوا على تل باشر ونقبوه فأنفذ جوسلين صاحب تل باشر إلى الأمير أحمديل يلاطفه ويهاديه ويبذل له الكون معه والميل إليه، وكان أكثر العسكر مع أحمديل وسأله الرحيل عن الحصن فأجابه إلى ذلك على كراهية من باقي الأمراء، وعادوا عن