الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتش قد تأهب لقصده فرحل عنها، والتقى عسكره وعسكر تاج الدولة في موضع يعرف بعين سيلم على ثلاثة أميال من حلب، فكسر جيش تاج الدولة عسكر سليمان وقتل هذا في الهزيمة وملك تاج الدولة عسكره وسواده ونزل على حلب فتسلمها. ثم وصل ملكشاه وانهزم أخوه تاج الدولة من حلب وملكها ملكشاه مع إنطاكية. أي إن سليمان بن قتلمش أحد عمال السلطان ملكشاه السلجوقي، قتل بأمر مولاه مسلم بن قريش ليأخذ بلاده، فقام تتش أخو ملكشاه فقتل سليمان، ثم قام تتش يريد الاستئثار بالملك دون أخيه، وقد فاته أن ملكشاه تهتز الدنيا من جيوشه، وأخوه في الشام لا يخرج عن كونه واليا من ولاته، والغالب أن تاج الدولة عرف هذا من نفسه فلم يسعه إلا أن يخدم أخاه.
ولما نزل ملكشاه بحلب دخل ابن منقذ صاحب شيزر في طاعته، وسلم إليه اللاذقية وكفرطاب وأفامية، فأقره السلطان على سيزر وسلم حلب إلى قسم الدولة آق سنقر جد البيت الأتابكي أصحاب الموصل والشام، ووالد عماد الدين زنكي، وجد نور الدين محمود بن زنكي. ولما استقر آق سنقر في حلب وأعمالها بسط
العدل في أهلها، وحمى السابلة وتتبع المفسدين وأبادهم. وكان ملكشاه في سنة 479 مَلَك حران وقلعة جعبر على الفرات، ثم ملك منبج وحلب، أما دمشق فكانت بيد تاج الدولة تتش منذ سنة 471 أقطعه إياها أخوه السلطان ملكشاه مع ما يفتحه من بلاد الخليفة العلوي. وكانت جيوش الفاطميين تغزو بعض المدن الساحلية وتستردها من التركمان أحياناً، وسلطة الفاطميين تتقلص اللهم إلا من فلسطين، فإنهم بعد أتسز الخوارزمي أخذوا يستردونها وخرج 478 أمير الجيوش بدر الجمالي بجيوش مصر فحصر دمشق وبها تاج الدولة تتش وضيق عليه فلم يظفر بشيء فارتحل عائدا إلى مصر.
-
تنازع السلجوقيين والفاطميين وانقسام السلجوقيين:
لم ينقطع أمل الفاطميين من ملك الشام بعد أن قطعت خطبتهم من أهم
مدنها مرات ثم عادت إليها، وبعثوا سنة 482 جيشاً قصد الساحل وفتح ثغر صور، وكان تغلب عليها ابن أبي عقيل وامتنع عليهم ومات فوليها أولاده ودخلوا تحت راية تاج الدولة تتش، فلما حصرهم عسكر المصريين سلموها إليهم، ثم فتح الجيش الفاطمي صيدا وعكا وجبيل.
ونزل تاج الدولة 483 على حمص ومعه آق سنقر وبزان وفيها خلف بن ملاعب الكناني، فضايقوها إلى أن ملكوها بالأمان. وخرج ابن ملاعب وسافر إلى مصر، ثم عاد وأعمل الحيلة حتى ملك حصن أفامية، واستخلصه منه قسيم الدولة آق سنقر في السنة التالية. وقيل: إن القتال كان على بعلبك وإن من حاربوا خلف ابن ملاعب قالوا له: أنت خطبت للمستنصر العلوي، فلما أخافوه طلب الأمان.
وفي سنة 484 فتح تاج الدولة عرقة وقلعة أفامية، ثم سار إلى طرابلس فحصرها وبها صاحبها ابن عمار ابن أخي القاضي أبي طالب بن عمار قاضي طرابلس
والمتغلب عليها، وكان معه آق سنقر وبزان ونصب عليها المجانيق. فاحتج عليهم ابن عمار بأن معه منشور السلطان ملكشاه بإقراره على طرابلس فلم يقبل منه تتش ذلك وتوقف آق سنقر عن قتاله فقال له تتش: أنت تبع لي فكيف تخالفني؟ فقال: أنا تبع لك إلا في عصيان السلطان. فغضب تتش ورجع إلى دمشق. وذكر ابن الأثير: أن ابن عمار لما رأى جيشاً لا يدفع إلا بحيلة أرسل إلى الأمراء الذين مع تاج الدولة وأطمعهم ليصلحوا حاله، فلم ير فيهم مطمعاً، وكان مع آق سنقر وزير له اسمه زر بن كمر فراسله ابن عمار فرأى عنده ليناً، فأتحفه وأعطاه فسعى مع صاحبه آق سنقر في إصلاح حاله ليدفع عنه، وحمل له ثلاثين ألف دينار وتحفاً بمثلها، وعرض عليه المناشير التي بيده من السلطان.
وفي سنة 486 خرج من مصر عسكر كثير إلى صور لما عصى واليها منير الدولة، وكان أهل صور أنكروا عصيانه فحين اشتد القتال نادوا بشعار المستنصر بالله العلوي، فهجم العسكر المصري على البلد وأخذها، وفرض على أهلها ستين ألف دينار، وفي هذه السنة تحرك تتش من دمشق لطلب السلطنة بعد موت أخيه ملكشاه الذي توفي في السنة الماضية، واتفق
معه آق سنقر صاحب حلب، وباغي سيان صاحب إنطاكية، وبزان صاحب الرُّها، وسار معه آق سنقر فافتتح نصيبين والموصل وديار بكر، وسار إلى أذْرَبيجان، وكان بركيارق بن ملكشاه قد استولى على جانب كثير منها، فلما رأى آق سنقر ذلك تخلف عن معاونة تتش وقال: نحن إنما أطعنا تتش لعدم قيام أحد من ألاد السلطان ملكشاه، أما إذا كان بركيارق بن السلطان قد تملك فلا نكون مع غيره. وخلى آق سنقر تتش ولحق ببركيارق فضعف تتش لذلك، وعاد من أذْرَبيجان إلى الشام وأخذ في جمع العساكر وكثرت جموعه 487 وجمع آق سنقر العسكر بحلب، وأمده الأمير بركيارق بالأمير كربغا صاحب الموصل، فاجتمع كربغا مع آق سنقر، والتقوا مع تتش عند نهر سبعين
على ستة فراسخ من حلب واقتتلوا، فخامر بعض عسكر آق سنقر مع تتش وانهزم الباقون، وثبت آق سنقر فأخذ أسيراً وأحضر إلى تتش فقال تتش لآق سنقر: لو ظفرت بي ما كنت صنعت، قال: كنت أقتلك، قال تتش: فأنا أحكم عليك بما تحكم عليّ به. فقتل آق سنقر وسائر أصحابه صبراً، وسار تتش إلى حلب فملكها.
ورحل تاج الدولة عن حلب بعد أن ملكها وحصونها إلى الفرات، واستولى على حران وسروج والرُّها وكاتب ولده فخر الملوك رضوان بدمشق يأمره بالمسير إليه في من بقي من الأجناد في الشام، فسار إلى حلب ومنها إلى العراق فالري، واستصحب معه جماعة من أُمراء العرب وأتراك حلب القسيمية، نسبة لقسيم الدولة آق سنقر، فجرت وقعة بين السلطان بركيارق بن ملكشاه وبين عمه تاج الدولة تتش على عانة من عمل الجزيرة، فانفلَّ عسكر هذا وتفرق ونهب سواده، وأسر أكثر جنده وقتل منه خلق كثير. واغتال بعض أصحاب آق سنقر تاج الدولة تتش فقضى عليه. ولما بلغ الخبر فخر الملوك رضوان في دمشق ما تم على أبيه تاج الدولة أغذّ السير إلى حلب ففتحت له أبوابها، ووصل إليه أخوه شمس الملوك دُقاق من ديار بكر، وراسله الأمير ساوتكين الخادم المستناب في قلعة حلب والبلد، وقرر له ملك دمشق سراً، فخرج في الحال من حلب، وجلس على سرير أبيه في دمشق، واستقام له الأمر واستمرت على السداد