الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخطب للقائم العباسي، وبدأ ظل الدولة الفاطمية يتقلص، وكان الحامل لآلب أرسلان على فتح الشام أن ناصر الدولة بن حمدان الحاكم المتحكم في الدولة المصرية أرسل يسأله أن يسير له عسكراً من
قبله ليقيم الدعوة العباسية وتكون مصر له، فتجهز آلب أرسلان من خراسان في عساكر جمة، وكان جيشه فيما قيل لا يقل عن أربعمائة ألف.
وخلف آلب أرسلان في الشام طائفة من عسكره فجمع أتسز بن اوق من أمراء السلجوقيين الأتراك الغز، وسار إلى فلسطين ففتح الرملة، وسار منها إلى بيت المقدس وحصره، وفيه عسكر المصريين ففتحه، وملك ما يجاوره ما عدا عسقلان، وقصد دمشق فحصرها وتابع نهب أعمالها حتى خربها وقطع الميرة عنها، فضاق الأمر بسكانها فصبروا ولم يمكنوه من ملك البلد فعاد عنه، وأدام قصد أعماله وتخريبها كل سنة حتى قلّت الأقوات عندهم، فكان يأخذ الغلات عند إدراكها فيقوى بها هو وعسكره ويضعف أهل دمشق وجندها.
ولما ملك السلطان ملكشاه بن آلب أرسلان 465 سير أخاه تاج الدولة تتش إلى الشام، وقرر معه فتح ديار مصر والمغرب واستخلاصهما من العلويين، وأمر مملوكيه بزان صاحب الرّهما وآق سنقر صاحب حلب أن يطيعاه على هذا الغرض. وكان ملكشاه الملقب بالسلطان العادل وأبوه آلب أرسلان من قبل المثل السائر في آل سلجوق بعدلهما، ولم يكن للخليفة العباسي معهما سلطان في الحقيقة، على نحو ما كان العباسيون في الدهر السالف مع سلاطين بني بويه الأعاجم. عرفت الشام ذلك وكان مما يفتح القلوب لحكم السلجوقيين أنهم من أهل السنة يخطبون بأسم بني العباس. وجميع هذه المزايا كانت مفقودة في الدولة العلوية المصرية.
فتح دمشق:
وفي سنة 467 حاصر السلاجقة ثغر عكا وقتلوا واليها وساروا عنها إلى طبرية، وسار أتسز إلى دمشق فحصرها وأميرها المعلى بن حيدرة من قبل الخليفة المستنصر ولم يقدر عليها فانصرف عنها، وكان المعلى أساء
السيرة مع الجند
والرعية وظلمهم، فكثر الدعاء عليه وثار به العسكر، وأعانهم العامة فهرب منها، فخرجت دمشق وأعمالها وجلا عنها أهلها، وهان عليهم مفارقة أملاكهم وسلوهم عن أوطانهم، بما عانوه من ظلمه، وخلت الأماكن من قاطنيها، والغوطة من فلاحيها. ولما رحل المعلى عن دمشق اجتمعت المصامدة الفاطميون وولوا عليهم انتصار بن يحيى المصمودي وغلت بها الأسعار حتى أكل الناس بعضهم بعضاً، ووقع الخلاف بين المصامدة وأحداث البلد، وعرف أتسز ذلك فعاد إلى دمشق فحصرها، فعدمت الأقوات وبيعت غرارة القمح إذا وجدت بأكثر من عشرين ديناراً، فسلموها إليه بالأمان وخطب بها للخليفة العباسي، وكان آخر ما خطب فيها للعلويين المصريين. وتغلب على أكثر الشام ومنع الأذان بحي على خير العمل، ففرح أهلها فرحاً عظيماً، وظلم أهلها وأساء السيرة فيهم.
قال ابن عساكر: إن أتسز التركماني لما دخل دمشق وكان حاصرها دفعات، أنزل جنوده دور الدمشقيين، واعتقل من وجوههم جماعة، وشمسهم بمرج راهط حتى افتدوا نفوسهم بمال أدوه له، ورحل جماعة منهم عن البلد إلى طرابلس إلى أن أريحوا منه بعد. وقال ابن الأكفاني: نزل أتسز محاصراً لدمشق ثم انصرف عنها، ثم عاد إلى منازلتها، ثم رحل عنها، ثم رجع إليها فحاصرها، ثم إنه فتح البلد صلحاً، ودخلها هو وعسكره سنة 468 وسكن دار الإمارة وخطب بها للمقتدي العباسي، وكتب إليه يذكر له تسليمها إليه، وغلو الأسعار بها، وموت أهلها، وأن غرارة القمح بيعت بمائتي دينار مما لم يعهد مثله. وأن أتسز نظر في أمور دمشق بما يعود بصلاح أعمالها، وأطلق لفلاحي المرج والغوطة الغلات للزراعات فصلحت الأحوال ورخصت الأسعار.
ولما فتح أتسز دمشق وأقام الخطبة العباسية طمعت نفسه في ملك مصر، فسار 469 من دمشق فيمن استطاع من الأحداث والجند ورجع خائباً بعد أن قتل من
جنده جملة كثيرة جداً، ثم أقام بدمشق وجاءه التركمان من الروم ولم يستخدم غيرهم، وعصى عليه الشام وأعيدت خطبة صاحب
مصر في جميع الشام، قام بذلك المصامدة والسودان. وكان أتسز وأصحابه تركوا أموالهم بالقدس، فوثب القاضي والشهود ومن بالقدس على أموالهم ونسائهم فنهبوها واستعبدوا الأحرار، فخرج من دمشق فيمن انضوى إليه، ودخل القدس فقتل ثلاثة آلاف إنسان، واحتمى قوم بالصخرة والجامع فقرر عليهم الأموال لأنه لم يقتلهم وأخذ مالا كثيرا، وسار إلى الرملة فلم ير فيها من أهلها أحدا، فجاء إلى غزة وقتل كل من فيها فلم يدع بها عينا تطرف، وجاء إلى العريش فأقام فيه وبعث سرية فنهبت الريف وعادت، ثم مضى إلى يافا فحصرها وهدم سورها، ثم عاد إلى دمشق ولم يبق من أهلها عشر العشر من الجوع والفاقة، بل لم يبق من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد خمسمائة ألف أفناهم الوباء والغلاء والجلاء. وكان بها مائتان وأربعون خبازا فصار بها خبازان والأسواق خالية، والدار التي كانت تساوي ثلاثة آلاف دينار ينادي عليها بعشرة دنانير فلا يشتريها أحد، والدكان الذي كان يساوي ألف دينار ما يشترى بدينار، وأكلت الكلاب والسنانير والفيران، وكان الناس يقفون في الأزقة الضيقة فيأخذون المجتازين فيذبحونهم ويشوونهم.
وعاد الفاطميون يحاولون فتح دمشق وعليهم ناصر الدولة الجيوشي فحاصروها مدة 471 وترحلوا، ثم حاصروها مرة ثانية واستولوا على أعمالها وأعمال فلسطين، فاضطر صاحبها أتسز إلى الاستنصار بتاج الدولة، فلما عرف ناصر الدولة الخبر رحل عن دمشق وقصد الساحل. وكان ثغرا صور وطرابلس في أيدي قاضييهما قد تغلبا عليهما، ولا طاعة عندهما لأمير الجيوش الفاطمي، ويصانعان الأتراك بالهدايا والألطاف. ووصل تاج الدولة إلى عذراء في عسكره لإنجاد دمشق فخرج أتسز إليه وخدمه ثم قبض عليه وقتله وملك تاج الدولة
دمشق، واستقام له الأمر وأحسن السيرة في أهلها بالضد من فعل أتسز وملك أعمال فلسطين، ثم قصد حلب وملك حصن بزاعة 470 وقتل جميع من فيه، وملك البيرة وأحرق ربض عزاز وغيرها من الحصون مع ما غلب عليه من القلاع المجاورة.