الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها، فأنف الناس من قوله، وأبوا من ذلك وخافت بنو أمية أن تزول الخلافة منهم وماج أمرهم واختلفوا.
وقيل: إنه خطب الناس وقال: ما كنت أتقلدكم حيا وميتا فو الله لئن كانت الدنيا مغنما فقد نلنا منها حظا، وإن تكن شرا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها. فقال له مروان بن الحكم: سنها فينا سيرة عمرية قال: ما كنت أتقلدكم حيا وميتا. ولما حضرته الوفاة بعد خلافته بأربعة أشهر وقيل أقل من ذلك، وله عشرون سنة وقيل إحدى وعشرون سنة، لم يرض أن يعهد بالأمر من بعده. وقال: أتفوز بنو أمية بحلاوتها، وأبوء بوزرها وأمنعها أهلها، كلا إني لبريء منها. قال المسعودي: إنه أراد أن يجعلها إلى نفر من أهل الشورى ينصبون من يرونه أهلا لها. وقيل: إن معاوية بن يزيد كان قدريا، لأن عمر المقصوص كان علمه ذلك، فدان به وتحققه، فلما بايعه الناس قال للمقصوص: ما ترى؟ قال: إما أن تعتدل أو تعتزل. فخطب الناس يستعفي من بيعتهم، فوثب بنو أمية على عمر المقصوص وقالوا: أنت أفسدته وعلمته فطمروه ودفنوه حيا. ويقول الطبري: وكان معاوية بن يزيد بن معاوية فيما بلغني أمر بعد ولايته فنودي الصلاة جامعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني قد نظرت في أمركم فضعفت عنه، فابتغيت لكم رجلا مثل عمر بن الخطاب رحمة الله عليه حين فزع إليه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت لكم ستة في الشورى مثل ستة عمر فلم أجدها، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم. ثم دخل منزله ولم يخرج إلى الناس وتغيب حتى مات. فقال بعض الناس: دس إليه فسقي سماً وقال بعضهم: طعن.
قيام ابن الزبير وخلافة مروان بن الحكم ووقعة مرج
راهط:
وكان عبد الله بن الزبير قد تغلب على مكة وتسمى بأمير المؤمنين ومال إليه أكثر النواحي. ابتدأ أمره في أيام يزيد بن معاوية فلما توفي يزيد مال الناس إلى ابن الزبير. وكان بفلسطين ناتل بن قيس الجذامي، وبدمشق الضحاك بن قيس الفهري، وبحمص النعمان بن بشير الأنصاري،
وبقنسرين والعواصم زفر بن الحارث الكلابي، وثب على سعيد بن بدل الكلبي وأخرجه منها، ولم تبق ناحية إلا مالت إلى ابن الزبير خلا الأردن ورئيسها يومئذ حسان بن بحدل الكلبي بمعنى أن الناس افترقوا ثلاثا: فرقة بحدلية وهو اسم لبني حرب، وفرقة زبيرية، وفرقة لا يبالون لمن كان الأمر.
وقدم مروان بن الحكم، وأمر الشام مضطرب ومعظم أجنادها مبايعة لابن الزبير، فدعا مروان إلى نفسه وهو من أعظم رجال أمية عقلا ودهاء وسياسة وحنكة. واجتمع الناس بالجابية من أرض حوران فتناظروا في ابن الزبير وفيما تقدم من بني أمية عندهم، وتناظروا في خالد بن يزيد بن معاوية، وفي عمرو بن سعيد بن العاص بعده، فكان روح ابن زنباع الجذامي يميل مع مروان فقام خطيبا فقال: يا أهل الشام هذا مروان بن الحكم شيخ قريش، والمطالب بدم عثمان، والمقاتل لعلي بن أبي طالب يوم الجمل ويوم صفين، فبايعوا الكبير واستنيبوا للصغير. فلما عقدوا البيعة جمعوا من كان في ناحيتهم، ثم تناظروا في أي بلد يقصدون فقال: نقصد دمشق فإنها دار الملك ومنزل الخلفاء، وقد تغلب بها الضحاك بن قيس فلقوا الضحاك بمرج راهط، وكان مع الضحاك من أهل دمشق وفتيتهم جماعة، وقد أمده النعمان بن بشير عامل حمص بشرحبيل بن ذي الكلاع في أهل حمص، وأمده زفر بن الحارث الكلابي بقيس بن طريف بجيش من شمالي الشام، فكان في ثلاثين ألفا، ومروان في ثلاثة عشر ألفا أكثرهم رجالة، والتقوا بمرج راهط فاقتتلوا قتالا شديدا ودام القتال عشرين يوما فقتل الضحاك بن قيس وخلق من
أصحابه، وهرب من بقي من جيشه. وبلغ الخبر النعمان بن بشير وهو بحمص فخرج هاربا، فتبعه قوم من حمير وباهلة، وقيل من أهل حمص فقتلوه في البرية، وكان من أخطب أهل الدنيا، وهرب زفر بن الحارث الكلابي والخيل تتبعه حتى أتى قرقيسيا على الخابور.
وأقام مروان بن الحكم بالشام في أيام ابن الزبير واجتمعت إليه بنو أمية بعد وقعة مرج راهط التي انقسمت بها الشام فرقتين قيسية ويمانية،
وغلب اليمانية وكان بنو أمية يبغضون اليمانية. قال المسعودي: وكانت هذه الوقعة سبب رد ملك بني أمية، وقد كان زال عنهم إلى بني أسد ابن عبد العزَّى، ولذلك رأى قوم أن مروان أول من أخذ الخلافة بالسيف. وهذه الوقعة من الوقائع المشهورة التي تفتخر بها اليمانية على النزارية، وقد أكثرت شعراؤها الافتخار بذلك. ولما بويع لمروان بن الحكم اشترط حسان بن مالك، وكان رئيس قحطان وسيدها بالشام، على مروان ما كان لهم من الشروط على معاوية وابنه يزيد وابنه معاوية بن يزيد، منها أن يفرض لهم لألفي رجل، ألفين ألفين، وإن مات قام ابنه أو ابن عمه مكانه، وعلى أن يكون لهم الأمر والنهي وصدر المجلس، وكل ما كان من حل وعقد فعن رأي منهم ومشورة، فرضي مروان بذلك وانقاد إليه. وكان هذا أول قانون عربي وضع للتشريفات بروتوكول وضع أساسه القحطانية، وكانوا اصطلحوا على ذلك منذ عهد معاوية، أرضاهم بهذا التصدر فدخل مصطلحهم في طور الدساتير المعمول بها.
ولم يلبث مروان أن وجه جيشاً إلى الحجاز لمحاربة ابن الزبير ثم خرج يريد مصر، فلما سار إلى فلسطين وجد ناتل بن قيس متغلباً على البلد فحاربه، فهرب ولحق بابن الزبير، وسار مروان إلى مصر فصالحه أهلها. وأرسل عبيد الله بن زياد إلى العراق لقتال الشيعة، ولما صار مروان إلى الصِّنَبْرَة من أرض الأردن
منصرفاً من مصر بلغه أن حسان بن بحدل قد بايع عمرو بن سعيد بن العاص، فأحضره فأنكر وبايع لعبد الملك، ثم بعده لعبد العزيز بن مروان، وكانت ولاية مروان تسعة أشهر وقيل ثمانية وقيل ستة. وبايع أهل الشام بعده لابنه عبد الملك وكان مروان أول من أخذ الخلافة بالسيف كرهاً، على ما قيل بغير رضى من عصبة من الناس، بل كل خوّفه إلا عدد يسير حملوه على وثوبه عليها، وقد كان غيره ممن سلف أخذها بعدد وأعوان. لا جرم أن مروان سيد بني عبد مناف في عصره كان من الرجال العظام وكان مولعاً بالشورى في إمارته المدينة وكان يجمع في ولايته عليها أصحاب رسول الله يستشيرهم ويعمل بما يجمعون له عليه، ومثل هذا الرجل بطول تجربته وحنكته