الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنتان وخمسة اشهر. وكانت سيرة عمر بن عبد العزيز مضرب الأمثال في القاصية والدانية، وقدوة السلف للخلف في كل عصر ومصر. قال عمرو ابن ميمون: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة.
بعث عمر بن عبد العزيز وفداً إلى ملك الروم في أمر من مصالح المسلمين وحق يدعوه إليه، فلما دخلوا إذا ترجمان يفسر عليه، وهو جالس على سرير ملكه والتاج على رأسه، والبطارقة عن يمينه وشماله، والناس على مراتبهم بين يديه، فأدى إليه ما قصدوا له فتلقاهم بجميل وأجابهم بأحسن جواب وانصرفوا عنه في ذلك اليوم، فلما كان في غداة غدٍ أتاهم رسوله فدخلوا عليه، فإذا هو قد نزل عن سريره ووضع التاج على رأسه، وقد تغيرت صفاته التي شاهدوه عليها كأنه في مصيبة فقال: هل تريدون لماذا دعوتكم؟ قالوا لا: قال: إن صاحب مسلحتي التي تلي العرب جاءني كتابه في هذا الوقت أن ملك العرب الرجل الصالح قد مات، فما ملكوا أنفسهم أن بكوا فقال: لا تبكوا له وابكوا لأنفسكم ما بدا لكم. فإنه قد خرج إلى خير مما خلف. قد كان يخاف أن يدع طاعة الله فلم يكن الله ليجمع عليه مخافة الدنيا والآخرة لقد بلغني من بره وفضله وصدقته ما لو كان أحد بعد عيسى يحيي الموتى لظننت أنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره باطنا وظاهرا فلا أجد أمره مع ربه إلا واحدا، بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه. ولم أعجب لهذا الراهب الذي قد ترك الدنيا وعبد ربه على رأس صومعة، ولكني عجبت لهذا الراهب الذي صارت الدنيا تحت قدمه فزهد فيها حتى صار مثل الراهب، إن أهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلا قليلا.
يزيد بن عبد الملك وهشام والوليد بن يزيد:
تولى الخلافة يزيد بن عبد الملك تاسع الأمويين، وقد لقب الوليد وسليمان ويزيد وهشام أبناء عبد الملك بالأكبش الأربعة، ولم يل الخلافة من بني أمية ولا من غيرهم أربعة اخوة إلا هؤلاء. فعزل يزيد عمال عمر بن عبد العزيز جميعا وأعاد سب علي على المنابر، ودام ذلك إلى
انقضاء أمر بني مروان، يربو عليها الصغير ويهرم الكبير. ولم يكن يزيد بن عبد الملك بالخليفة الذي تحمد سيرته كثيرا، وتوفي بعد أن تولى الخلافة أربع سنين وشهرا وعهد بها إلى أخيه هشام وهو عاشرهم، وكان هشام يحب جمع المال وعمارة الأرض واصطناع الرجال وتقوية الثغور وإقامة البرك والقني في طريق مكة وغير ذلك. وكان لا يدخل بيت ماله مال حتى يشهد أربعون قسامة لقد أخذ من حقه وأعطي لكل ذي حق حقه. وظهر في أيامه بخراسان سليمان بن كثير الخزاعي وأصحابه يدعون إلى بني هاشم سنة 111 فانتشرت دعوتهم وكثر من يجيبهم، وأرادوا خلع بني أمية وبيعة بني هاشم، فقاتلهم وقاتل الخوارج على ملكه في أقطار أخرى، وكان قد بلغ ملك بني أمية فارس والسند وشمالي إفريقية والأندلس.
وغزا هشام وهو من أحزم بني أمية الروم مرات وأسر قسطنطين ملكهم وحارب الترك كما حاربهم من قبله من الخلفاء وتوفي سنة 125 فبويع بعده للوليد بن يزيد فاضطربت المملكة في عهده، لأنه كان مهملا قليل العناية بأطرافه وقيل: إنه كان صاحب ملاهٍ وضم ذلك إلى ما ارتكبه من إغضاب أكابر أهله والإساءة إليهم وتنفيرهم فاجتمعوا عليه مع أعيان رعيته وهجموا عليه وقتلوه بعد سنة وخمسة أشهر من ولايته وكانت تتابعت منه فعال أنكرها الناس عليه فدب يزيد بن الوليد في الدعاء إلى خلعه فأجابته اليمن بأسرها وعاضدوه ووثبوا معه على عامل الوليد بدمشق فأجابوه وبايعوا يزيد ثم ساروا إلى الوليد فقتلوه.
وكان اجتمع من بأقطار الشام من اليمانية فخرج إليهم الوليد بمضر واقتتلوا،
وأثخنت اليمانية القتل في مضر فانهزمت مضر وأخذوا نحو دمشق، ودخل الوليد قصره فتحصن فيه فبايعوا يزيد بن الوليد وبايعه أشراف المضريين طوعا وكرها وخلعوا الوليد بن يزيد فلبث مخلوعا أياما كثيرة وهو خليع بني أمية ثم قتلوه.
وفي سنة 126 اضطرب أمر بني أمية وهاجت الفتنة، فكان من ذلك وثوب سليمان بن هشام بن عبد الملك بعد قتل الوليد بعمان، وكان قد حبسه الوليد بها، فخرج من الحبس وأخذ ما كان بها من الأموال وأقبل