الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم تطل إليه ولا إلى آله أيدي العباسيين حتى انقرضت دولتهم. ومنهم من فرّ إلى الحبشة، وبقي فيها هو وذريته إلى خلافة المهدي العباسي. وبعد مقتل بني أمية واشتداد خوفهم، وتشتت شملهم، واختفاء من قدر على الاستتار منهم، أصدر السفاح إلى سليمان بن علي كتاباً عاماً إلى البلدان يعطي فيه الأمان للأمويين. فكان هذا أول أمان بني أمية. وكان سليمان بن علي كتب إلى السفاح أنه وفد وافد من بني أمية علينا، وأنا إنما قتلناهم على عقوقهم لا على أرحامهم، فإننا يجمعنا وإياهم عبد مناف والرحم تبلّ توصل ولا تقطع، وترفع ولا توضع.
انتقاض الجنوب والشمال والاعتقاد بالسفياني:
لما أفنى بنو العباس بني أمية في فلسطين ندمت عرب الشام على ما فعلت لما ركبهم من العار، وتسليط العجم من أبناء خراسان عليهم، ينزلون منازلهم، ويأخذون أموالهم، فهاجت لذلك واضطربت، وامتنعوا من البيعة. وفي السنة التي دخل فيها العباسيون أرض الشام، بَيَّضَ حبيب ابن مرة المريُّ، وأها حوران والبَثَنّية، ومدينتها أذرعات، أي لبس شعار الأمويين وهو البياض، ونصب رجلاً من بني أمية، فقاتلهم عبد الله ابن علي بأرض البلقاء والبَثَنّية وحوران، وكان بينه وبينهم وقعات. وحبيب بن مرة من قواد مروان وفرسانه. وكان سبب تبييضه
الخوف على نفسه وقومه، فبايعه قيس وغيرهم ممن يليهم من أهل تلك الكور، فلما بلغ عبد الله بن علي تبييضُ أهلِ قنسرين في الشمال، دعا حبيب بن مرة إلى الصلح وأمنه ومن معه.
وكان الداعي إلى خلع قنسرين طاعة بني العباس، قائد من قواد مروان أيضاً اسمه أبو الورد الكلابي وكان دخل في طاعتهم، ثم نزع الطاعة لما قدم أحد قواد عبد الله بن علي إلى بالس والناعورة، وأتشأ يَعْبَث بولد مَسْلَمة بن عبد الملك ونسائهم، فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد، وكان قد اجتمع معه جماعة من أهل قنسرين وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر، فقدم منهم ألوف عليهم أبو محمد زياد بن عبد الله بن
خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ودعوا إليه. وقالوا هذا السفياني الذي كان يذكر.
والغالب أن أنصار الأمويين وضعوا بعد سقوط دولتهم ملحمة زعموا فيها أنهم يعرفون ما يحدث في المستقبل من الزمان والآتي من الأيام، من ظهور أمرهم ورجوع دولتهم، وظهور السفياني في الوادي اليابس من أرض الشام، في غسان وقضاعة ولخم وجُذام وغاراته وحروبه، ومسير الأمويين من بلاد الأندلس إلى الشام، وأنهم أصحاب الخيل الشهب والرايات الصفر، وما يكون لهم من الوقائع والحروب والغارات والزحوف، على ما نقله المسعودي. والاعتقاد بظهور السفياني كما قال صديقنا أحمد تيمور باشا يشبه الاعتقاد بظهور المهدي ويروون فيه أحاديث وأقاصيص الله أعلم بها. وفي البدء والتاريخ أن الروايات بشأن السفياني فيها حشو كثير ومحالات مردودة. ومسألة السفياني تدبير للأمويين حتى لا ينقطع الأمل من رجوع دولتهم ويخيفوا أعداءهم على الدوام. وربما كانت دعوى قرب ظهور السفياني أيضاً واسطة لفتك العباسيين بكل من توهموا فيه شيئاً من الرائحة السفيانية ولم تكد تنقطع هذه النغمة في الشام. وفي سنة 294 زعم
رجل أنه السفياني فحمل هو وجماعة معه من الشام إلى باب السلطان فقيل إنه موسوس.
كان أتباع زياد في نحو أربعين ألفاً فعسكروا بمرج الأخرم بنواحي سَلَمْيَة ودنا منهم عبد الله بن علي ووجه إليهم أخاه عبد الصمد بن علي في عشرة آلاف. وكان أبو الورد هو المدبر لعسكر قنسرين وصاحب القتال. فناهضهم وكثر القتل في الفريقين، وانكشف عبد الصمد ومن معه وقتل منهم ألوف، ولحق بأخيه عبد الله فأقبل عبد الله معه وجماعته القواد، فالتقوا ثانية بمرج الأخرم فاقتتلوا قتالاً شديداً وثبت عبد الله فانهزم أصحاب أبي الورد وثبت هو في نحو من خمسمائة من قومه وأصحابه فقتلوا جميعاً، وهرب أبو محمد ومن معه حتى لحقوا بتدمر، وأمَّن عبد الله أهل قنسرين وسوَّدوا وبايعوه ودخلوا في طاعته، ثم رجع إلى دمشق وكان قد خرج من بها عن الطاعة أيضاً، ونهبوا أهل عبد الله بن علي، فلما