الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جيوش العرب وجيوش الروم نصيحة أبي بكر
الصديق لقواده:
توفي الرسول عليه السلام فارتدت بعض قبائل العرب فقاتلهم أبو بكر الصديق حتى جمع شملهم بالإسلام فلما أمن من ناحيتهم كتب إلى أهل مكة والطائف واليمن وجميع العرب بنجد والحجاز يستنفرهم للجهاد في الشام، ويرغبهم فيه وفي غنائم الروم، فسارع الناس إليه بين محتسب وطامع فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال، وهم يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حَسنَة وعمرو ابن العاص. وكان أبو بكر أمر عمرو بن العاص أن يسلك طريق أيلة عامداً لفلسطين. وأمر يزيد وشرحبيل أن يسلكا طريق تبوك، فقصد الجيش فلسطين في الجنوب وقسم منه قلب الشام.
وكان العقد لكل أمير في بدء الأمر على ثلاثة آلاف رجل فلم يزل أبو بكر يتبعهم بالإمداد حتى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمسمائة ثم تتام جمعهم بعد ذلك أربعة وعشرين ألفاً. وكان جيش الروم أربعين ومائتي ألف منهم المسلسل للموت والمربوط بالعمائم والفرسان والرجالة، جمعهم هرقل من أهل الشام والجزيرة وإرمينية، وولى عليهم رجلاً من خاصته وبعث على مقدمته جبلة بن الأيهم الغساني في مستعربة الشام. وأنجد أبو بكر جيوش الشام بخالد بن الوليد من العراق في تسعة وقيل في عشرة آلاف فصار المسلمون ستة وثلاثون ألفاً وفي رواية ستة وأربعين ألفاً. ويقول سيديليو: إن جيش العرب كان على أكثر تعديل مؤلفا من عشرين ألفاً وجيش الروم من ستين ألفاً. قال سعيد بن عبد العزيز: إن المسلمين يوم اليرموك كانوا أربعة وعشرين ألفاً والروم عشرين ألفاً ومائتي ألف عليهم ماهان وصقلان سقلار.
ومهما كان من تقدير الجيشين فالعرب كانوا أقل من الروم. وتقدير مؤرخي العرب للجيش الإسلامي بستة وثلاثين ألفاً ولجيش الروم بزهاء مائتي ألف أقرب إلى الصحة، وهو تقدير معقول لا سيما إذا عرف أنه كان سكان الشام إذ ذاك نحو سبعة ملايين، وأن العرب على بعد الحجاز عن الشام لا يستطيعون أن يجهزوا أكثر من ذلك لأنهم كانوا يحاربون في جهات أخرى.
ولما أنفذ أبو بكر الأمراء إلى الشام كان فيما أوصى به يزيد بن أبي سفيان وهو مشيع له: إذا قدمت على أهل عملك فعدهم الخير وما بعده، وإذا وعدت فأنجز، ولا تكثر عليهم الكلام، فإن بعضه ينسي بعضاً، وأصلح نفسك يصلح الناس لك، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرم مثواهم، فإنه أول خيرك إليهم، وأقلل حبسهم حتى يخرجوا وهم جاهلون بما عندك، وامنع من قبلك من محادثتهم، وكن أنت الذي تلي كلامهم، ولا تجعل سرَّك مع علانيتك فَيْمرجَ أمرك، وإذا استشرت
فاصدق الخَبر تصدق لك المشورة، ولا تكتم المستشار فتؤتى من قِبلَ نفسك، وإذا بلغتك عن العدو عورة فاكتمها حتى توافيها، واستر في عسكرك الأخبار، وأذكِ حراسك، وأكثر مفاجأتهم في ليلك ونهارك، واصدق اللقاء إذا لقيت، ولا تجبن فيجبنَ من سواك.
وقد شيع أبو بكر يزيد بن أبي سفيان راجلاً إلى ما بعد ربض المدينة فقال له يزيد: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال: ما أنت بنازل وما أنا براكب. إني احتسب خطاي هذه في سبيل الله ثم قال: إنك ستجد قوماً حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له يعني الرهبان. وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. ثم قال: إني موصيك بعشر: لا تغدر، ولا تُمَثّل، ولا تقتل هرماً ولا امرأة ولا وليداً، ولا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا ما أكلتم، ولا تُحرقن نخلاً، ولا تخربن عامراً، ولا تغُلّ ولا تجبن.
وصل الجيش العربي إلى مشارف الشام فنزل في آبل وزيزاء والقسطل، وكان جيش الروم من دون زيزاء بثلث. وطلع ماهان قائد الروم وقدم قدامه الشمامسة والرهبان والقسيسين يحضون جيش الروم على القتال. وكان هرقل وهو من عظام القواد أدرك الخطر ورأى لما أتاه الخبر بقرب جيش العرب أن لا يقاتلهم وأن يصالحهم. وقال لقومه: فو الله لأن تعطوهم نصف ما أخرجت الشام وتأخذوا نصفاً وتقرَّ بكم جبال الروم خير لكم من