الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمور مباحاً كان أو محظوراً. كما هو معروف عنه، ولم يبق في المخالفة لهذا العهد الذي اتفق عليه الجمهور إلا ابن الزبير. وندور المخالف معروف.
ثم قال: إنه وقع مثل ذلك من بعد معاوية من الخلفاء الذين كانوا يتحرون الحق
ويعملون به مثل عبد الملك وسليمان من بني أمية، والسفاح والمنصور والمهدي والرشيد من بني العباس، وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم وحسن رأيهم للمسلمين والنظر لهم، ولا يعاب عليهم إيثارهم أبناءهم وإخوانهم وخروجهم عن سنن الخلفاء الأربعة في ذلك فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء، فإنهم كانوا على حين لم تحدث طبيعة الملك. وكان الوازع دينياً فعند كل أحد وازع من نفسه، فعهدوا إلى من يرتضيه الدين فقط وآثروه على غيره. ووكلوا كل من يسمو ذلك إلى وازعه، وأما من بعدهم من لدن معاوية فكانت العصبية قد أشرفت على غايتها من الملك؛ والوازع الديني قد ضعف واحتيج إلى الوازع السلطاني والعصباني، فلو عهد إلى غير من ترتضيه العصبية لردت ذلك العهد وانتقض أمره سريعاً وصارت الجماعة إلى الفرقة والاختلاف.
ومن جملة وصايا معاوية لابنه يزيد في أهل الشام: أنظر أهل الشام فليكونوا بطانتك ورعيتك، فإن رابك من عدوك شيء فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم تغيرت أخلاقهم. ولما قدم مشيخة أهل الكوفة على معاوية كان فيما سألهم عنه رأيهم في أهل الأحداث من الأمصار فقال أحدهم: وأما أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم وأعصاهم لمغويهم.
غزوات معاوية وأعماله ووصيته:
ومما يجب أن يذكر لمعاوية أنه مع اشتغال ذهنه بالملك لم يغفل قط عن إنشاء أسطول عظيم غزا به الروم وغزا القسطنطينية غير مرة وأغزى الروم مراراً، وكان يغزو الصوائف والشواتي أي غزوات الصيف والشتاء، وخص قوماً من رجاله بتولي هذه الغزوات وبلغه أن الروم سنة 41 قد زحفت
في جموع كثيرة فخاف أن يشغلوه عما يحتاج إلى تدبيره وأحكامه خصوصاً بعد خروجه من وقعة صفين فوجه إليهم فصالحهم على مائة ألف دينار. وكان معاوية أول من صالح
الروم، فلما استقام له الأمر أغزى أمراء الشام على الصوائف فسبوا في الروم سنة بعد سنة، وطلب صاحب الروم الصلح على أن يضعف المال فلم يجبه، ورضي مرة بصلح ملك الروم على أن يكون عنده من أهل بيت ملكهم رهائن.
وحدث سنة 34 أن معاوية كان يستعد لقصد القسطنطينية ويعد السفن الكثيرة بمدينة طرابلس ويحمل من السلاح أمراً عظيماً أن أخوين لرجل يقال له بقنطر، وكانا في خدمة العرب، فلما نظر ما أعده معاوية أخذتهما الغيرة فأتيا السجن ففتحاه وأخرجا من فيه من الروم وقتلوا عامل البلد وأحرقوا السفن والعدة وركبوا البحر. فلما بلغ معاوية ذلك جهز جيوشاً كثيرة إلى الروم فافتتح أرضاً كثيرة. وسبي من أهلها مائة ألف إنسان وبعث أخاه على البحر فانهزم الروم بحراً أيضاً، ثم تعددت وقائعه مع الروم. ومن وقائعه وقعة سنة 31. ولولا النار التي اخترعها الروم لإحراق السفن، وبها حرقت سفن كثيرة للعرب وهلك ألوف من رجال بحريتهم، لامتدت الفتوحات ولسهل على معاوية فتح القسطنطينية كما سهل عليه غزو الروم لتحصينه سواحل الشام وإقامته الصناعة في صور وعكا وغيرها من مدن الشام.
توفي معاوية سنة 60 بعد أن وطأ أكناف الملك وابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه أحد إليها، منها أنه أول من وضع الحشم للملوك ورفع الحراب بين أيديهم، ووضع المقصورة التي يصلي الملك أو الخليفة بها في الجامع منفرداً عن الناس، وهو أول من وضع البريد، واخترع ديوان الخاتم واستخدم النصارى في مصالح الدولة، فعهد بنظارة المالية إلى منصور وسرجون من نصارى العرب الشاميين. أوصى معاوية بني أمية فقال: إنه لما قرب مني ما كان بعيداً، وخفت إن يسبق الموت إليّ ويسبقكم بي سبقته إليكم بالموعظة لأبلغ عذراً، وإن لم أردَّ قدراً، إن الذي أخلفه لكم من دنياي أمر تشاركون فيه أو تقبلون عليه، وإن الذي أخلف لكم من