الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوعي الثقافي الشامل
يعد الوعي الثقافي الشامل من أهم وسائل تحقيق تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة؛ الوعي أولًا بالثقافة الإسلاميَّة من حيث شمولها وكمالها وأصالتها، والتميُّز في مصادرها، وتطبيقاتها، ومدلولاتها وظلالها الواسعة المتكاملة التي تتناول جميع جوانب الحياة، والوعي من جهة أخرى بالثقافات الأخرى والتي تختلف في مصادرها، ومقوماتها، وأهدافها عن الثقافة الإسلاميَّة، وقيمها ونظرتها للكون والإنسان والحياة، وتختلف كذلك عنها في المنابع الأولى، والغايات والمقاصد.
فأمَّا الوعي بالثقافة الإسلاميَّة فإنَّه من أهم وسائل تحقيق تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة؛ لأنَّه يعني معرفة شخصية الأُمَّة، ويحدد ملامح هويتها، ويبرز ذاتيتها الخاصَّة، وعلى الرغم مِمَّا يثار حول معنى (الثقافة) واستخداماته في تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة ومصادر علومها ومعارفها، وأنَّه لم يعرف على النحو الذي يعرف به في العصر الحديث بصفته مصطلحًا أصيلًا، أو أنَّه قد نقل عن مصطلح أجنبي. . .، فإنَّ المصادر الإسلاميَّة تشتمل على (الثقافة) في مصادر اللغة العربيَّة، وفي مصادر العلوم الشرعيَّة.
وعلى سبيل المثال ما أورده أبو نعيم الأصفهاني في مقدمة كتابه (دلائل النبوة) إذ قال: (ثُمَّ إنَّ هذه النبوة. . . لا تتم إلَّا بخصائص أربعة يهبها اللَّه عز وجل لهم، كما أنَّ إزالة علل العقول لا تتم إلَّا بالسلامة من آفات أربعة، يعصم منها)(1).
(1) انظر: أبا نعيم الأصبهاني: دلائل النبوة: ص 34، بتحقيق: محمد روَّاس قعله جي وعبد البر عباس، (مرجع سابق).
وبعد أن يرتب كمال الخصائص الأربعة بانتفاء الآفات الأربعة، يذكر تلك الخصائص قائلًا:(فالمواهب الأربعة؛ أولها: الفضيلة النوعيَّة، وثانيها: الفضيلة الإكرامية، وثالثها: الإمداد بالهداية، ورابعها: التثقيف عند الزَّلة)(1)، فدلَّ رابعها على مكانة الثقافة في تحصين شخصية الأُمَّة، وكمال المحافظة على ذاتيتها وهويتها.
وهذا ما قرَّره أبو نعيم الأصفهاني؛ فهو بعد أن يذكر الآفات الأربع التي يعصم اللَّه منها الأولياء. . يشرع في شرح المواهب الأربعة إلى أن يقول في معنى التثقيف عند الزَّلة: (يثقفه بها صيانة لمحله، وحفاظًا لحراسته، واستقامته، علمًا منه بأنَّ من ينته عن فلتاته أوشك أن يألفه ويعتاده، فاللَّه لطيف بعباده، الوافي لأوليائه بالنصر، والتأييد، ولا يعدم وافده وصفيه المرشّح لحمل النبوة؛ التنبيه والتثقيف، وإليه يرجع قوله تعالى لنوح عليه السلام:{فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46]، وقوله عز وجل لداود عليه السلام:{فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ} [ص: 22]، وقوله عز وجل لسليمان عليه السلام:{وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34].
وقوله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]، وقوله عز وجل:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68]، وقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} [الأنعام: 35]، فهذه الخصائص الأربعة لا تنال بالاكتساب والاجتهاد؛ لأنَّها موهبة إلهية، وأثرة علويَّة، حكمها معلقة بتدبير من له الخلق والأمر، ولا يظهرها إلَّا في أخص الأزمنة، وأحق الأمكنة، إحساس الحاجة الكليَّة، وإطباق الدهماء على الضلال من البريَّة، وكلها أعلى من أن تفوز به العقول الجزئية، أو تحصلها المساعي المكتسبة، وإليه يرجع قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ
(1) المرجع السابق نفسه: ص 34.