الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد نتج عن هذه المناهج القاصرة عن تفسير تاريخ الإسلام وحضارته تفسيرًا يتفق مع حقائقه، وما يصدر عنه من مبادئ وقيم، وأخلاق ومثل؛ نتج عن هذه المناهج مصادرة بطولات المسلمين، واستلاب حضارتهم، وتزييف تاريخ الإسلام وحضارته في معظم ما أنجزه المستشرقون من دراسات وصفيَّة أو نقدية لهذا التاريخ وحضارته (1).
وفي ضوء ما سلف بيانه -من دوافع الاستشراق ومظاهر نشاطه، وعلاقاته بدوائر العداء للإسلام- يتضح أن منهج المستشرقين في دراساتهم لتاريخ الإسلام وحضارته قد تأثر بالظروف التاريخية التي عاشها المستشرقون في مختلف مراحل حركتهم الاستشراقية وأطوارها.
ويتأكد أنَّ ذلك المنهج كان خاضعًا في مساره العام للكنيسة والتنصير ثمّ للاستعمار، ووقع في وقت مبكر في براثن الحركة الصهيونية، وانطلق كذلك من منطلقات عقدية وسياسية واقتصادية كان لها تأثير في مسار ذلك المنهج، وكانت سببًا في تجريمه ليس من قبل المفكرين المسلمين فحسب بل ومن المنصفين في الغرب ذاته وإن كان بعضهم يفرق بين الاستشراق اللاهوتي والاستشراق العلمي، ولكن مهما اختلف المنحى وتغير الأسلوب فإنَّ المنهج الاستشراقي لم يسلم أبدًا من كونه مجافيًا لما يقتضيه المنهج العلمي الصحيح من موضوعية وإنصاف وبعد عن التعصب ونوازع الأهواء.
ولمزيد الإيضاح والاستدلال يجري الحديث عن المنهج الاستشراقي في دراسة تاريخ الإسلام وحضارته في النقاط الآتية:
أولًا: نقد بعض المستشرقين للمنهج الاستشراقي:
درج المستشرقين في الأعم الأغلب على نقد من سبقهم من
(1) انظر: محمد بركات البيلي: الخلفية التاريخية للاستشراق ومنهجه في كتابة التاريخ الإسلامي: ص 136 - 141، (مرجع سابق).
المستشرقين بعامة ومستشرقي العصور الوسطى بخاصة، ومما يتناوله هذا النقد منهج أولئك المستشرقين في كثير مما تركوا من دراسات تتسم بالقصور في البحث أو عدم الاستيعاب أو مجانبته الصواب. . ومن ذلك ما يتصل بتاريخ الإسلام وحضارته، ويطلقون على ذلك مسمى الاستشراق اللّاهوتي، ومن النماذج التي تذكر في هذا الموضوع من آراء المستشرقين الناقدين ما يأتي:
أ- يقول أحد المستشرقين: (حقيقة إن العلماء ورجال اللاهوت في العصر الوسيط كانوا يتصلون بالمصادر الأولى في تعرفهم على الإسلام، وكانوا يتصلون بها على نطاق كبير، ولكن كل محاولة لتقييم هذه المصادر على نحو موضوعي نوعًا ما، كانت تصطدم بحكم سابق يتمثل في أن هذا الدين المعادي للمسيحية لا يُمكن أن يكون فيه خير، وهكذا كان الناس لا يولون تصديقهم إلَّا لتلك المعلومات التي تتفق مع هذا الرأي المتخذ من قبل، وكانوا يتلقفون بنهم كل الأخبار التي تلوح مسيئة إلى النبي العربي أو دين الإسلام)(1).
ب- ويقول مستشرق آخر: (. . . توجد جماعة يسمون أنفسهم مستشرقين سخروا معلوماتهم عن الإسلام وتاريخه في سبيل مكافحة الإسلام والمسلمين، وهذا واقع مؤلم لا بد أن يعترف به المستشرقون المخلصون لرسالتهم بكل صراحة)(2).
(1) رودي بارت: الدراسات الإِسلامية والعربية في الجامعات الألمانية، ص 9، 10، ترجمة مصطفى ماهر، (مرجع سابق)، وانظر: زقزوق: الاستشراق. . . ص 2، 26، (مرجع سابق).
(2)
زقزوق: الاستشراق. . . ص 44، (مرجع سابق)، وانظر: زقزوق: الإسلام في الفكر الغربي (عرض ومناقشة)، ص 601 الطبعة الثانية، 1401 هـ - 1981 م، عن دار القلم - الكويت.
ج- ويقول (ساذرن) عن المنهج الاستشراقي في العصور الوسطى ويطلق عليها اسم عصر الجهالة: (إن الشيء الوحيد الذي يجب أن لا نتوقع وجوده في تلك العصور هو الروح المتحررة الأكاديمية، أو البحث الإنساني الذي يتميز به الكثير من البحوث التي تناولت الإسلام في المئة سنة الأخيرة)(1).
د- ويقول (مونتجمري وات): (منذُ القرن الثامن عشر جد الباحثون من أجل تقديم الصورة المشوهة التي تولدت في أوروبا للإسلام، ولكن رغم الجهد العلمي المبذول فإنَّ آثار الموقف المجافي للحقيقة والتي ولدتها كتابات القرون الوسطى في أوروبا لا زالت قائمة، فالبحوث والدراسات الموضوعية لم تقدر بعد على اجتثاثها كليّا)(2).
هـ - ويقول مستشرق آخر: (على الرغم من المحاولات الجدية المخلصة التي بذلها بعض الباحثين في العصور الحديثة للتحرر من المواقف التقليدية للكتاب المسيحيين من الإسلام؛ فإنهم لم يتمكنوا أن يتجردوا كليًّا عنها كما يتوهمون)(3).
و- وعن رسوخ النزعة المعادية للإسلام في صفوف المستشرقين وعبر طبقاتهم يقول أحد المستشرقين: (ولقد قامت في صفوفهم في السنوات الأخيرة محاولة إيجابية تحاول النفاذ بصدق وإخلاص إلى أعماق الفكر الديني للمسلمين، بدل السطحية الفاضحة التي صبغت دراساتهم السابقة، ولكن (على الرغم) من ذلك فإنّ التأثر بالأحكام التي صدرت مسبقًا على
(1) سازرن: نظرة الغرب إلى الإسلام في القرون الوسطى، ترجمة علي فهمي خشيم وغيره نقلًا عن زقزوق: الاستشراق. . ص 23، (مرجع سابق).
(2)
عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام: ص 4، 5، (مرجع سابق).
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 5.