الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف المستشرقين من خصيصة الوسطية
إنَّ الوسطية هي إحدى خصائص تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة كما تدل على ذلك النصوص الثابتة من الكتاب والسنة، والشواهد التاريخية، ولكن المستشرقين -المتحاملين على الإسلام- يصدرون في هذا الموضوع عن زعم باطل وحكم ظالم جائر؛ فقاموس الاستشراق حافل بمسميات وألقاب من مثل البربريَّة والهمجيَّة والرجعيَّة، وأخيرًا الأصوليَّة والتطرف.
وعلى هذا فإنَّ مفهوم وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة كان أبعد من أن يدركه الغرب بعامة وينكره المستشرقون في الأعم الأغلب على الرغم من معرفتهم لأدلته وشواهده، ويتضح هذا الموقف في إنتاجهم الفكري في مجال الإسلام والدراسات العربية الإسلاميَّة، وللتدليل على ذلك أورد ملامح من الصورة التي تشكلت عن الإسلام والأُمَّة الإسلاميَّة في الفكر الغربي في العصور الوسطى وما تلا ذلك حتى العصر الحديث:
1 -
يكاد يجمع المستشرقون وغيرهم ممن كتب عن الإسلام والغرب بأنَّ مفهوم الإسلام في العصور الوسطى قد تشكل على نحو عدائي، وأنَّ صورة الأُمَّة الإسلاميَّة قد رسخت في الفكر الغربي مشوهةً كريهة؛ يقول (مونتغمري وات): (والنقاط الأربع الرئيسية التي تختلف بصددها صورة الإسلام في العصور الوسطى عنها في الدراسات الموضوعية الحديثة، هي:
أ- أنَّ الدين الإسلامي أكذوبة وتشويه متعمد للحقيقة.
ب- أنَّه دين العنف والسيف.
ج- أنه دين يطلق لشهوات المرء العنان.
د- أنَّ محمدًا هو المسيح الدجال) (1).
(1) فضل الإسلام على الحضارة الغربية: ص 100، ترجمة: حسين أحمد أمين، وعنوانه =
ثُمَّ يورد (مونتغمري وات) تحت هذه النقاط الأربع جملة من الأقوال لمشاهير مفكري القرون الوسطى من أمثال (توما الأكويني) الذي وصفه بأنَّه كان من بين أكثر مفكري القرن الثالث عشر اعتدالًا، ومع ذلك فإنَّه كان يتحدث عن الإسلام تحت ما أسماه بالفِرَق، وأنَّه (أي: الإسلام) كان يبيح المتع الجسديَّة التي تجذب الناس إليه، وأنَّ الأدلة والحجج التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ساذجة، وأنَّه خلط الحق بالباطل في القصص التي جاء بها، وليس لها سند من التاريخ، وأنَّ تعاليم الإسلام زائغة، ويفتقر إلى المعجزات التي تؤيد مزاعمه، ثُمَّ يصف الأُمَّة الإسلاميَّة بأنها تعيش في الصحراء حياة أقرب إلى حياة الحيوانات، وكانوا من الكثرة بحيث تمكنوا من إجبار الآخرين بالقوة العسكرية على اعتناق الإسلام، وأن النظرة المدققة توضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما يزعم (توما الأكويني) - (حرَّف كل شواهد العهدين القديم والجديد)(1).
ومِمَّا ذكره (مونتغمري وات) في النقطة الثانية: (أنَّه بلغ الأمر بأحد المتحمسين المدافعين عن الحروب الصليبية وهو (humbert of romans) إلى حد قوله: (إن المسلمين شديدو الحماسة لدينهم لدرجة أنَّهُم يقطعون دون رحمة رأس أي مخلوق يهاجم هذا الدين في أيِّ إقليم يسيطرون عليه)(2).
وقد نفى (مونتغمري وات) هذا الزعم بقوله: (والواقع أن الصورة
= الأصلي: (تأثير الإسلام في أوروبا خلال العصر الوسيط)، وهو مجموع محاضرات (مونتغمري وات) في (الكوليج دوفرانس) ألقاها عام 1970 م، وصدر عن جامعة (أدنبرة) باسكوتلندا، عام 1972 م.
(1)
انظر: فضل الإسلام على الحضارة الغربية: ص 100، 101، (المرجع السابق نفسه).
(2)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 102، وانظر: رودي بارت: الدراسات العربيَّة. .: ص 10، ترجمة: ماهر مصطفى، (مرجع سابق).
الأوروبية للإسلام هي أبعد ما تكون عن الحقيقة) (1)، ويقول:(إنَّ اليهود والنصارى وأتباع الديانات الأُخرى التي يعترف بها الإسلام لم يخيَّروا بين الإسلام والسيف، وأن الذين خيروا بينهما هم عبدة الأوثان وحدهم)(2).
ويواصل قائلًا: (ولم نسمع الكثير عن حدوث هذا خارج شبه جزيرة العرب، أمَّا النشاط الحربي للمسلمين، وهو الذي يملأ خبرُه كتب التاريخ، فإنَّما أدى إلى توسع سياسي، وجاء اعتناق الإسلام نتيجة للدعوة إليه، أو نتيجة الضغط الاجتماعي)(3).
وبعد نفيه لتلك المقولة أشار إلى الهدف منها بقوله: (وفي تلك الصور للإسلام باعتباره دين عنف ما يُراد به الإيحاء بأنَّه مخالفٌ تمامًا لصورة المسيحية باعتبارها دين سلام انتشر عن طريق الإقناع)(4)، ويلفت (مونتغمري وات) النظر إلى التناقض الشديد بين دعوى الصليبيين بأنهم أصحاب ديانة تدعو إلى السلم والمثالية وبين واقعهم التاريخي المخزي فيقول:(وقد أدرك بعض الكتاب أن مفهوم دين السلام مثالي لا علاقة كبيرة بينه وبين الواقع، وذهبوا إلى أنَّ عدم مراعاة المسيحيين السيئين لهذا المثل الأعلى لا يشكل اعتراضًا مقبولًا على المسيحية، ويبدو أنَّهم فسروا هذا التناقض بذكرهم أنَّ الغرض من الحروب الصليبية لم يكن إجبار العدو على اعتناق المسيحية بالقوة، وإنَّما كان -على حد تعبير (توما الأكويني) فيما بعد- منع الكفار من الوقوف حجر عثرة في سبيل العقيدة المسيحية، ورُبَّما كانوا يعنون أيضًا استرداد أراضٍ يرون أنَّها من حق المسيحيين) (5).
(1) فضل الإسلام على الحضارة الغربية: ص 102، (المرجع السابق نفسه).
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 102.
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 102.
(4)
المرجع السابق نفسه: ص 102.
(5)
فضل الإسلام على الحضارة الغربية: ص 102، 103، (المرجع السابق نفسه).
وتحت النقطة الثالثة تحدث (مونتغمري وات) عن نظرة الغرب إلى الإسلام بالادعاء أنَّه دين يطلق لشهوات المرء العنان، من خلال مزاعم عدَّة، منها:
• حديثهم عن الزواج في الإسلام، وتعدد الزوجات، وأنَّه بلغ بهم الأمر أن يفسروا بعض آيات القرآن الكريم بما يبيح الزنى، إلى أن يقول:(وقيل: إن أشكالًا حيوانية وغير طبيعية للاتصال الجنسي بين الأزواج يمارسها المسلمون بكثرة، ويحثون عليها، بل ذهبوا إلى أنَّ القرآن يبيح الشذوذ الجنسي، ورأى بعضهم أن ذروة الإباحية الجنسية الإسلاميَّة في التصوير القرآني للجنة، وتحدثوا طويلًا عن الحور العين اللواتي سيكنَّ من نصيب المؤمنين فيها، ووجدوا في ذلك فضيحة أيّما فضيحة، كذلك انتقدوا بشدة حياة محمد الزوجية، وإنْ كانوا كثيرًا ما بنوا انتقاداتهم على مبالغات أو مزاعم كاذبة)(1).
• ومنها قوله: (وزعموا أن القرآن يعلم الناس أن ينقضوا عهودهم متى كان في نقضها مصلحة لهم)(2).
أمَّا في النقطة الرابعة وهي قولهم: (إنَّ محمدًا هو المسيح الدجال)(3) يقول (مونتغمري وات): (وكان جوهر التفكير المسيحي في هذا الصدد هو أنَّه حيث إنَّ محمدًا ليس بنبي، وحيث إنَّه أسس مع ذلك دينًا جديدًا فلا بُدَّ
(1) المرجع السابق نفسه: ص 103، وانظر: زاهر عواض الألمعي: مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش (دراسة تحليلية): ص 22، 23 - 25، الطبعة الرابعة 1403 هـ - 1983 م، عن مطابع الفرزدق، الرياض.
(2)
فضل الإسلام على الحضارة الغربية: ص 104، (المرجع السابق نفسه).
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 100، 105.
أنَّه ساهم إيجابيًّا في مساندة قوى الشر، ولا بُدَّ أنَّه كان إمَّا أداة للشيطان أو عميلًا له، وبهذا جعلوا الإسلام والمسيحية على طرفي نقيض) (1).
وقبل ذلك أشار إلى ما عرضه (بطرس المكرم) من أفكار علماء اللاهوت اليونانيين الذين زعموا أن الإسلام (هرطقة مسيحية، وذهبوا إلى أن الإسلام أسوأ من هذا، وأنَّه من الواجب اعتبار المسلمين كفرة، وأنَّ القرآن يحتوي الكثير من الكذب، وأنَّ محمدًا ليس بنبي)(2).
وإلى جانب ما ذكره (مونتغمري وات) يجد الباحث الحشد الهائل من مثل تلك المزاعم التي صدرت عن: (الكتاب والشعراء والمرتزقة في الغرب في قرونهم الوسطى ليهاجموا بها الإسلام، وتضافرت جهودهم مع جهود اللاهوتيين في ترسيخ تلك الصورة المشوهة للإسلام ونبيه وحملته، وهي التي يظهر الإسلام من خلالها على أنَّه عقيدة وثنيَّة، وأنَّ المسلمين يعبدون ثلاثة آلهة أو أكثر، أوصلها بعضهم إلى ثلاثين إلهًا)(3)، وأظهر الرسول صلى الله عليه وسلم على أنَّه المسيح الدجال، وأنَّه الأمارة لليوم الآخر، وأنَّ حملة الإسلام إرهابيون وحشيون، وأُمَّته مجموعة من (الوحوش وأبناء الشياطين، وأهل لواط، ومشركون يعبدون مجمعًا من الأصنام الذي يضم الآلهة: جوبيتر، آبولو، دايانا، أفلاطون، والمسيح الدجال)(4).
(1) المرجع السابق نفسه: ص 105، وانظر: مصطفى عمر حلبي: الخلفيَّة الثقافية لاتجاهات المستشرقين في دراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم: ص 34 - 36، مجلة المنهل (العدد السنوي المتخصص لعام 1409 هـ عن الاستشراق والمستشرقين)، (مرجع سابق).
(2)
فضل الإسلام على الحضارة الغربيَّة: ص 105، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: محمد حسين هيكل: حياة محمد: ص 25 - 29، (مرجع سابق).
(3)
انظر: عبد القادر طاش: الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي: ص 28، (مرجع سابق). وانظر: نشأة الاستشراق. .: ص 257 - 261، (البحث نفسه).
(4)
عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام (محاولة أولية لتفهم الأسس التاريخية =
وقد استمرت هذه الصور البشعة التي اختلقها اللاهوتيون وقتًا طويلًا تسيطر على الشعوب الأوربية ولا زالت تتأكد في العصر الراهن بجهود الصهيونية وتأثيراتها على الدراسات الاستشراقية، وهيمنتها على الدوائر السياسية ووسائل الإعلام الغربية، وإذا كانت أصوات بعض المستشرقين وتلاميذهم تحاول نفي هذه الصورة عن الإسلام والأُمَّة الإسلاميَّة في الدراسات الاستشراقية الحديثة فإنَّ الاختلاف بين تلك الصورة المشار إليها وبين الدراسات الاستشراقية الحديثة وقع في أساليب العرض وطرق التناول فحسب، أمَّا المنطلق والغاية بين هذه وتلك فإنَّه لا يكاد يتغيَّر، ولم يحدث بصددها إلَّا تعديل طفيف لا يمس جوهر القضية (1).
ومِمَّا لا شك فيه أنَّ هناك آراء اتسمت بالنزاهة والإنصاف وأظهرت بطريقة ضمنية أو مباشرة وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة، وقد وردت هذه الآراء في كتابات بعض المستشرقين، وسيجري بحثها لاحقًا.
2 -
على الرغم مِمَّا حدث في التاريخ الغربي عقب القرون الوسطى؛ من حركات دينيَّة، وتطورات سياسيَّة، وما صاحب ذلك من التحولات الفكرية، وما كان لها من آثار على العلم والمعرفة، إلَّا أنَّ موقف الغرب بعامة والمستشرقين بخاصة -في مسار الحركة الاستشراقية العام- من وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة كان موقفًا أقرب إلى الإنكار والجحود منه إلى فهم هذه الخصيصة من خصائص تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة.
= لطبيعة العلاقات الفكرية بين الإسلام والغرب): ص 10، (مرجع سابق)، وانظر: ص 13، 20، 28 من المرجع نفسه.
(1)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 5، 6، وانظر: عبد القادر طاش: الصورة النمطية. . ص 30، (مرجع سابق). وانظر: حلمي ساري: المعرفة الاستشراقية (دراسة في علم اجتماع المعرفة): ص 194، 195، مجلة العلوم الاجتماعية، خريف 1989 م، المجلد السابع عشر، العدد الثالث، مجلة فصلية أكاديمية تصدر عن جامعة الكويت.
يقول: (إدوارد روز): (إنَّ المعرفة بالمحمديَّة (يعني الإسلام والأُمَّة الإسلاميَّة) التي تملكها أوروبا منذ قُرون قائمة على أساس التقارير المشوهة والمغلوطة كليًّا، التي أعدها المسيحيون، وهذا هو الأمر الذي أدَّى إلى نشر الأكاذيب والافتراءات المتنوعة حول المحمديَّة فكل خير وجدوه في المحمديَّة أخفوه تمامًا، وكلَّ شيء لم يكن محمودًا في عين أوروبا كبروه وبالغوا في بيانه أو شوهوا صورته في التعبير عنه) (1).
ويقول باحث آخر: (إنَّ الحضارة الأوروبية المعاصرة تستند في تكوينها العقلي إلى حدٍّ كبير على حركات فكريَّة تتابعت في تاريخها الحديث مثل (النهضة الأوروبية) و (الإصلاح الديني) و (حركة التنوير)، وقد زادت هذه الحركات من رسوخ ملامح الصورة المشوهة التي كونتها أوروبا عن الإسلام في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وذلك كنتيجة لترديد التهم الباطلة التي ألصقت بالإسلام ونبيه وكتابه المقدس) (2).
ويستشهد على ذلك بعدّة أعمال أنجزها رواد الفكر والمعرفة في الغرب عن الإسلام والأُمَّة الإسلاميَّة، وكانت متأثرة بتلك الثقافة اللَّاهوتية المشوهة الشائنة، منها:
أ- ما قام به (دانتي) الذي قال عنه: (فدانتي الشاعر الإيطالي المشهور، وأحد أعمدة حركة النهضة، صور الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد أُلقِيَ في الدرك الثامن والعشرين من جهنَّم، وقد شطر إلى نصفين من رأسه إلى منتصفه، وصوره وهو ينهش بيديه في جسمه، عقابًا له على ما اقترف من فظائع وآثام، وسبب من شقاق؛ ولأنَّه في رأيه تجسيد
(1) نقلًا عن: محمد عبد الفتاح عليان: أضواء على الاستشراق: ص 62، وقد عزا ذلك إلى (ص 177 من ترجمة القرآن لجورج سيل، طبع نيويورك 1956 م).
(2)
عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام: ص 15، (مرجع سابق).
كامل للروح الشريرة، وصور الإسلام كمن سبقوه زندقة أنتجت ظلًّا مخيفًا خيَّم على العالم كلِّه) (1).
ب- ويورد مثالًا آخر فيقول: (وأكد "بوليدور فيرجيل" -الذي يعتبر هو الآخر واحدًا من أكبر أركان النهضة- ما ذكره سابقوه من تهم وزاد عليها؛ فزعم أنَّ الإسلام نسيجٌ مشوه مستقى من مصادر مسيحية، وأن الرسول كان مصابًا بالصرع، وأن الإسلام انتشر بحد السيف، وشيوعية المرأة)(2).
ج- كذلك قال: (أمَّا "فولتير 1694 - 1778 م" الذي يعتبر من أبرز رواد حركة التنوير فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مثير فتن ودجَّال، يدعي كذبًا المناجاة مع روح القدس، ويزعم أنَّه صاحب رسالة كلُّ سطر فيها ينم عن السخف الذي يناقض مبادئ العقل الأولي)(3).
د- ويذكر هنا أيضًا ما ورد في الموسوعة الفرنسية عن الرسول صلى الله عليه وسلم (فقد وصف (ديدرد) -وهو الآخر من رجال التنوير الفرنسي، ومن كتّاب الموسوعة الفرنسية- الرسول صلى الله عليه وسلم بأنَّه:(قاتل رجال، وخاطف نساء، وأكبر عدو للعقل الحر)(4).
من هذا يتبين أن الصورة المشوهة للإسلام وأُمَّته في الفكر الغربي، قد ازدادت مع مرور الزمن سعة ورسوخًا.
3 -
رُبَّمَا أوحت عبارة (مونتغمري وات) المشار إليها فيما سبق بأنَّ
(1) عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام. .: ص 16، (المرجع السابق نفسه).
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 16.
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 16، وانظر: محمد أسد: الإسلام على مفترق الطرق: ص 60، 61، (مرجع سابق).
(4)
عرفان عبد الحميد: المرجع السابق نفسه: ص 16، وانظر: عبد القادر طاش: الصورة النمطية للإسلام. .: ص 53 (مرجع سابق).
تلك الصورة المشوهة للأُمَّة الإسلاميَّة لم تكن من عمل المستشرقين المحدثين، وذلك إذ يقول:(والنقاط الأربع الرئيسة التي تختلف بصددها صورة الإسلام في العصور الوسطى عنها في الدراسات الموضوعية الحديثة. . .)(1).
لكن هذا القول وإن كان يصح على النزر اليسير من الدراسات الاستشراقية التي قام بها أفراد قلائل وفي فترات تاريخية متباعدة، فإنَّه لا ينطبق بحال على معظم المستشرقين الذين وصفهم أحد المفكرين بقوله:(إنَّ المستشرقين جميعًا فيهم قدر مشترك من هذا الخصام المتجني، والتفاوت -إنْ وجد بينهم- إنَّما هو في الدرجة فقط، فبعضهم أكثر تعصبًا ضد الإسلام، وعداوته له من البعض الآخر، ولكن يصدق عليهم جميعًا أنَّهم أعداء. وإذا كان الاستشراق قد قام على أكتاف الرهبان والمبشرين في أول الأمر، ثُمَّ اتصل من بعد ذلك بالمستعمرين- فإنَّه ما زال حتى اليوم يعتمد على هؤلاء وأولئك، ولو أنَّ أكثرهم يكرهون أن تنكشف حقيقتهم، ويؤثرون أن يختفوا وراء مختلف العناوين والأسماء)(2).
والحقيقة أنَّ هذا ينطبق على أكثرهم حتى (مونتغمري وأت) على الرغم مِمَّا اتسمت به بعض دراساته من الموضوعية والإنصاف، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك عند الكلام عن خصيصة الربانية، وما أظهره (مونتغمري وات) من نفي لها في تناوله سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم (3).
(1) فضل الإسلام على الحضارة الغربية: ص 100، ترجمة: حسين أحمد أمين، (مرجع سابق).
(2)
محمد الغزالي: دفاع عن العقيدة والشريعة. . . ص 13، 14، (مرجع سابق). وانظر: محمد عبد الفتاح عليان: أضواء على الاستشراق: ص 61، (مرجع سابق).
(3)
انظر: ص 641 (البحث نفسه).
وإذا كانت الأبحاث الاستشراقية، ودراسات المستشرقين المتنوعة قد انتشرت في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، وتناولت الإسلام وتاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة وادعى أصحابها أو معظمهم بأنَّها دراسات متجردة، وتتسم بالنزاهة والبحث العلمي المجرد عن التعصب الديني، وما يمليه من الهوى، والمحاباة العاطفية (1)(إلَّا أنَّ نظرة تحليلية في هذه الدراسات تثبت نقيض ما يدعي أصحابها، فالصورة المشوهة القاتمة للإسلام لا زالت كذلك في كلياتها، وإن طرأ تغير جزئي على بعض تفاصيلها، والدراسة التي تنتكب الموضوعية والنزاهة لا زالت هي السائدة الغالبة على هذا الحقل، وإن كان ثمة تغير فذلك مِمَّا تحتمه القاعدة المشهورة (اختلاف الأحكام باختلاف المصالح والأزمان)(2).
إنَّ النظرة التحليلية الشاملة تدرك بأن دراسات المستشرقين لا تزال تدور في فلك تلك (الأفكار الجامحة التي كونتها أوروبا في فجر ولادتها الفكرية)(3)، ومن الأمثلة على ذلك؛ ما قاله عدد من المستشرقين في الإسلام والقرآن والرسول وبخاصة فيما يتعلق بالنظرة الاستشراقية إلى وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة:
أ- يقول (بروكلمان) عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم: (أعلن ما ظنَّ أنَّه سمعه كوحي من عند اللَّه)(4).
ب- ويقول (توراندريه): (إن أفكار محمد غير متجانسة، وغير
(1) انظر: عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام. . . ص 17، (مرجع سابق).
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 17.
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 17، (مرجع سابق).
(4)
تاريخ الشعوب الإسلاميَّة: ص 40، (مرجع سابق). وانظر: عرفان عبد الحميد: المرجع السابق نفسه: ص 18.
منسجمة، ومضطربة أشد الاضطراب) (1)، ويقول أيضًا:(يبدو محمد في القرآن بصورة حالم ضال ينشد الحقيقة، فيشكل آراءَه ومثله استنادًا إلى ما تلقاه من تعليمات تصله اتفاقًا من غير أن يقيمها على حقائق ثابتة وحيَّة)(2).
ج- ويقول (جولدزيهر): (من العسير أن نستخلص من القرآن نفسه مذهبًا عقيديًّا موحدًا متجانسًا وخاليًا من التناقضات، ولم يصلنا من المعارف الدينية الأكثر أهمية وخطرًا إلَّا آثارٌ عامّة نجد فيها إذا بحثنا في تفاصيلها أحيانًا تعاليم متناقضة)(3).
ويقول أيضًا: (كان وحي النبي حتى في حياته معرضًا لحكم النقاد الذين كانوا يحاولون البحث عما فيه من نقص، وكان عدم الاستقرار والطابع المتناقض البادي في تعاليمه موقع ملاحظات ساخرة)(4).
د- ولعل موقف المستشرقين من وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة يتضح بصورة جلية في قول (يوليوس فلهوزن): (يبرز في القرآن شأن القدرة الإلهيَّة تارة وشأن العدل الإلهي تارة أخرى، وذلك بحسب ما كان يحس به النبي دون مراعاة للتوازن بين الطرفين، ولا يشعر محمد بما في ذلك "من تناقض؛ لأنَّه لم يكن فيلسوفًا ولا واضعًا لمذهب نظري في العقائد" (5).
(1) نقلًا عن: عرفان عبد الحميد: المستشرقون والإسلام. .: ص 18، (المرجع السابق نفسه).
(2)
نقلًا عن عرفان عبد الحميد: المرجع السابق نفسه: ص 19.
(3)
نقلًا عن عرفان عبد الحميد: المرجع السابق نفسه: ص 19.
(4)
مذاهب التفسير الإسلامي: ص 4، ترجمة: النجار، (مرجع سابق).
(5)
تاريخ الدولة العربيَّة؛ (من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية): ص 2، ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة، وحسين مؤنس، (مرجع سابق)، وانظر: ترجمة يوسف العش: ص 10، الدولة العربيَّة وسقوطها، (مرجع سابق).