الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - الجهاد التنظيمي:
وغاية هذا الجهاد تنظيم (وسع) الأُمَّة -حسب التعبير القرآني- أي: طاقاتها وقدراتها المعنوية والماديَّة والبشرية، والتنسيق بينها بما يكفل حشدها وتكاملها -دون هدر أو نقص- لتحقيق أهداف الرسالة.
3 الجهاد العسكري:
وغاية هذا الجهاد هو إزالة العوائق التي تحول دون الحفاظ على بقاء النوع البشري ورقيه، حين لا تنجح أشكال الجهاد التربوي والتنظيمي في تحقيق هذه الغاية وحدها، ويتجلى اقتران هذا النوع من الجهاد بالرسالة الإسلاميَّة من خلال الضوابط العقيديَّة والأخلاقية التي تحكمه وتوجهه بحيث لا يخرج لحظة واحدة عن غايات الرسالة وأهدافها، وحين تتحقق أهداف الرسالة دون قتال يتوقف الجهاد القتالي ويصير ممنوعًا) (1).
وبالنظر لمنطلقات الجهاد وغاياته ومظاهره، وضوابطه الشرعيَّة ومجالاته ووسائله، يتبين أنَّ الأُمَّة الإسلاميَّة أُمَّة مجاهدة لتحقيق مراد اللَّه في نفسها أولًا وقبل كل شيء، ثُمَّ لنشر دعوة الإسلام إلى الخلق كافَّة، ثُمَّ يأتي الدفاع عن وجود الأُمَّة، ونشر الدعوة، والاضطلاع يحمل الرسالة لتكون كلمة اللَّه هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى؛ ولأنَّ حكمة اللَّه اقتضت أن لا يستجيب جميع الناس لصوت الحق، ولا يلتزم أكثرهم بالإِسلام، بل ينبري لدعوة الإسلام في كل زمان أعداء ألداء، وخصومٌ جائرون، فإنَّ مجاهدة هؤلاء تكون من المبادئ الإسلاميَّة والمجاهدة تكون
(1) ماجد عرسان الكيلاني: الأُمَّة المسلمة. . ص 72 - 74، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: عبد العال سالم مكرم: أثر العقيدة في بناء الفرد والمجتمع: ص 159 - 164، (مرجع سابق)، وانظر: محيي الدين حسن القضماني: مصطلحات إسلامية: ص 83 - 91، الطبعة الأولى 1410 هـ - 1990 م، عن المكتب الإسلامي - بيروت.
في صور كثيرة، منها: الصبر على آذاهم وتقوى اللَّه في ذلك لقوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186]، ومنها المجادلة بالتي هي أحسن وبخاصة مع أهل الكتاب لقوله تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، وقد تنتهي المجادلة معهم بالمباهلة لقوله تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].
ومن صور الجهاد المصابرة والمرابطة لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
قال ابن قيم الجوزية في تفسيرها: (والمصابرة: مقاومة الخصم في ميدان الصبر، فإنَّها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة. . . والمرابطة: وهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة. . فالمرابطة كما أنَّها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر، فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان. .، وسمّي المرابط مرابطًا: لأن المرابطين يربطون خيولهم ينتظرون الفزع، ثُمَّ قيل لكل منتظر قد ربط نفسه لطاعة ينتظرها: مرابط. . .)(1).
وقال في موضع آخر: (وجماع هذه الثلاثة وعمودها الذي تقوم به هو تقوى اللَّه تعالى، فلا ينتفع الصبر ولا المصابرة ولا المرابطة إلَّا بالتقوى)(2).
وقد تصل مجاهدة الأُمَّة الإسلاميَّة لغيرها من الأمم إلى درجة القتال وعندها فإنَّ للإسلام منهجًا متميزًا لم يشهد له التاريخ مثيلًا، من حيث
(1) بدائع التفسير 1/ 540، 451، (مرجع سابق).
(2)
المرجع السابق نفسه: 1/ 543.
الضوابط الشرعيَّة لإعلان الحرب والقتال، وما شرعه الإسلام في التعامل مع أهل الكتاب -ومن ألحقه علماء الأُمَّة الإسلاميَّة بهم- إذا لم يستجيبوا لدعوة الإسلام، فإنهم يخيرون بين دفع الجزية أو القتال، فإذا اختاروا الجزية فإنها تؤخذ منهم لاعتبارات عدّة، وإلى جانب ذلك فإنَّ لأسلوب أخذها في الإسلام أخلاقًا ساميَّة (سبق ذكر مجملها)، وإذا أبوا إلَّا القتال فإنَّ للقتال والحرب في الإسلام منهجًا فريدًا يُمكن تلخيص مرتكزاته في الآتي:
1 -
أن يكون لإعلاء كلمة اللَّه، يقول أبو الحسن العامري:(لسنا نشك أنَّ الوقائع الحربيَّة بين أصناف الخليقة لن تقع إلَّا على جهات ثلاث، هي: الجهاد، والفتنة، والتصعلك، فأمَّا الجهاد: فهو الذي يتولاه عمَّار البلاد، وساسة العباد، من الدفاع عن الدين، وصيانة للمراتب، وأما الفتنة: فهو ما يقع بين طبقات الأمم من الهَيَجِ والقتال: لتعصب بلدي، أو تعصب نسبي، وأمَّا التصعلك: فهو ما يقصد به من انتهاب المال، واستلاب الأملاك، فالنوع الأول نتيجة القوة التمييزية، وهو محمود عند ذوي الألباب، وأمَّا النوعان الآخران فأحدهما نتيجة القوة الغضبيَّة، والآخر نتيجة القوة الشهويَّة، وكلاهما مذمومان عند ذوي الألباب)(1).
(1) كتاب الإعلام بمناقب الإسلام: ص 156، (مرجع سابق)، ومن الضوابط للقتال في الإسلام، أو للدخول في الحرب أن تكون في سبيل اللَّه، وأن تكون معلنة من قبل ولاة أمر الأُمَّة الإِسلامية وألا يدخلها الفرد إلَّا بإذن من ولي أمر المسلمين، وإذا كانت راية الجهاد مرفوعة في بلدٍ من بلدان الأمة الإِسلامية فإنَّه لا يجوز لأيِّ فردٍ من قطر آخر أن يدخل الجهاد إلا بإذن ولي الأمر في قطره، وكذلك يشترط لمن كان أبواه حيين إذنهما ليذهب إلى الجهاد، (انظر في هذا كتب الفقه).
وعلى سبيل المثال: المغني لابن قدامة 13/ 8 - 10، 16، 17، 25، 26، 28، 33 - 35، 37 - 41، ففي الصفحات (8 - 10)، ذكر شروط الجهاد وهي:(الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والسلامة من الضرر، ووجود النفقة)، وفي الصفحة 16 =
ويصف أبو الحسن العامري الجهاد القتالي في الإسلام ممثلًا في الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: (ونحن متى تتبعنا حال محمد صلى الله عليه وسلم في حروبه ووقائعه وجدناه جاعلًا لقصارى غرضه من الثبات القوي في مصافِّ القتال كلمة يبذلها خصمه قريبة من الإقرار بوحدانية من له الخلق والأمر، والتصديق بما أرسل إليه من عنده جل جلاله حتى إذا وجدها منه أغمد سيفه، وأوجب على نفسه حمايته)(1).
ب- أن لا يكون اعتداءً ولا تجاوزًا، وكون القتال في سبيل اللَّه لإعلاء كلمة اللَّه، وإظهار الحق، وإزهاق الباطل، فإنَّ أيَّ مظنَّة للظلم أو التجاوز أو التعسف في استعمال الحق، ونحو ذلك مِمَّا لا يتفق مع غاية القتال وأخلاق الإسلام فيه، كل ذلك لا يجيزه الإسلام ولا يرضاه، بل نهى عنه وحرَّمه.
وقد استنتج بعض الباحثين من ذلك أمرين؛ أحدهما: أنَّ القتال في الإسلام (ليس للإجبار على اعتناق الإسلام. . .)(2).
والآخر: أنَّه (ليس عقابًا على الكفر. . . الذي ولد عليه صاحبه ونشأ عليه. . وصاحبه لم يسبق له الدخول في الإسلام (أمَّا) الكفر الطارئ على
= قال: (وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه)، وقال في الصفحة 25:(وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعًا إلَّا بإذنهما).
وناقش في الصفحات التي قبلها وبعدها كثيرة بيَّن فيها أحوال الجهاد ومتى يكون فرض كفاية ومتى يكون فرض عين، والجهاد في هذا المقام بمعنى الخروج لقتال العدو. . وفي هذه المسائل ما يبين عمق الأخلاق الإسلاميَّة وسماحة الإسلام، وما ينطوي عليه من الحكمة والنظرة الدقيقة الفاحصة لأمن الأمَّة الإِسلامية وسلامتها، والبعد بها عن مواطن الفتن والتهور بقدر ما يحافظ على عزتها وكرامتها وسيادتها.
(1)
كتاب الإعلام بمناقب الإسلام: ص 157، (المرجع السابق نفسه).
(2)
عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني: سماحة الإسلام. . . ص 149، (مرجع سابق).
صاحبه بعد الدخول في الإسلام. . . فيه حدّ الردَّة كما ورد في السنة وعمل الخلفاء الراشدين مع إجماعهم عليه. . .) (1).
وفي هذا ما يؤكد سماحة الإسلام في أمر الجهاد، ومن أبرز ذلك هذان الأمران:
الأول: إنَّه لَمْ يكن من مشروعية القتال في الإسلام حمل الناس بالقوة المسلحة على اعتناق الدين؛ لأن في القرآن العظيم نصًا واضحًا وصريحًا ومحكمًا يمنع من هذا الهدف، وهو قوله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].
الثاني: أن لا يكون عقابًا على الكفر الأصلي الذي ولد عليه صاحبه ونشأ، فالكفر أعظم الذنوب، ومع ذلك فالأمر فيه موكول إلى اللَّه سبحانه يعاقب عليه في الآخرة بالخلود في النَّار، أمَّا في الدنيا فليس لأحد أن يعاقب صاحب الكفر الأصلي بالقتال عليه أو القتل، ودم الكافر كفرًا أصليًّا مصون كماله وعرضه، إلَّا إذا حارب المسلمين أو انضم لمن يحاربهم، فيكون هو الذي أهدر دم نفسه) (2).
ج- للقتال في الإسلام ضوابط وأخلاق تكفل السلام للبشرية قاطبة، بل تجعل السلام هو السائد، وهو المأمور بالجنوح إليه لقوله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] فالسلام في الإسلام يحقق (احترام النوع الإنساني لإنسانيته، وذلك عام لكل الناس: أفرادًا، وأسرة، وجماعات، ومجتمعات إنسانية عالميَّة في إطار الكرامة، والمساواة والعزَّة، وإرادة الخير والحق. . وشامل لكل أحوال الإنسان، فهو لا يعني مجرد الكف عن الحرب بأيِّ ثمن، ولو كانت هناك حرب نفسية داخل
(1) انظر: المرجع السابق نفسه: ص 149، 150.
(2)
انظر: عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني: سماحة الإسلام ص 151، (المرجع السابق).
الإنسان، أو جحيم لا يطاق داخل الأسرة، أو مهما يقع في الأرض من ظلم وفساد، ومهما يلحق العباد من لأواء وشدة وضنك، وإنَّما يمتد ليشمل هذه المراحل كلها، وتلك الأحوال كلها، في خطوات متدرجة تدرجًا منطقيًا متوازنًا) (1).
ومن هنا يتضح (أنَّ الإسلام يبدأ محاولة السلام أولًا في ضمير الفرد، ثُمَّ في محيط الأسرة، ثُمَّ في وسط الجماعة، وأخيرًا يحاول في الميدان الدولي بين الأمم والشعوب. . . وإنَّه ليسير في تحقيق هذه الغاية الأخيرة في طريق طويل يعبر فيه عن سلام الضمير إلى سلام البيت إلى سلام المجتمع إلى سلام العالم في نهاية المطاف)(2).
ولعل تحية الإسلام وهي (السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته)؛ التي يتبادر بها المسلمون عند لقائهم، وعند وداعهم، مِمَّا يدل على نزعة السلام على الأُمَّة الإسلاميَّة، حتى لقد بلغ الأمر بالآداب الإسلاميَّة أن لو فرقت بين اثنين شجرة أو شاخص أو نحوهما، وهما في طريق ما أن يبادر أحدهما الآخر بالسلام حال لقائهما في ذلك الطريق، وقبل ذلك وبعده مسمَّى (الإسلام) ذاته فهو يتضمن السلام والمسالمة.
أمَّا حالة القتال والحرب فهي حالة طارئة ومقيدة بشروط دقيقة، ولها ضوابط وأخلاق تكفل الرحمة بالخلق من إنسان وحيوان وما يحيط بهما من موجودات البيئة الفطريَّة (3)، ومن هذه الضوابط ما يأتي:
(1) انظر: عثمان جمعة ضميرية: منهج الإسلام في الحرب والسلام: ص 36، الطبعة الأولى، 1402 هـ - 1982 م، عن مكتبة دار الأرقم - الكويت.
(2)
سيد قطب: السلام العالمي والإسلام: ص 28، طبعة 1386 هـ - 1967 م.
(3)
انظر: مطلب العقيدة الإسلاميَّة: ص 331 - 335، (البحث نفسه)، وانظر: عبد الكريم الخطيب: الحرب والسلام في الإسلام: ص 13 - 32، الطبعة الأولى، 1401 هـ - 1981 م، عن دار الفكر - دمشق.
أولًا: (ضوابط قبل بدء القتال، ومنها: أن لا يقاتل العدو إلَّا إذا سُدَّت كل الطرق أمام التوصل إلى عقد اتفاق سلمي. . .، ومنها: ألا نبدأهم بالقتال حتى يبدؤونا هم به مع أخذ الحذر الدقيق منهم. . . ومنها: أنه إذا كان بيننا وبين العدو عهد بعدم الاعتداء، وبدرت (منه) بوادر قويَّة على خيانة العهد وجب علينا أن نعلمه بنقض العهد من جانبنا قبل أن نقاتله. . .
الثاني: ضوابط أثناء القتال، أن يكون مقصورًا على من قاتلنا فعلًا، أو عزم على قتالنا يقينًا، أو ظنًا قويًّا تؤيده قرائن الأحوال الواردة من العدو. . وأن لا يكون اعتداءً وتجاوزًا من جانبنا كقتل الشيوخ والنساء والذرية، والضعفاء، والرهبان المعتزلين في خلواتهم أو بيوتهم. . . وحظر ضرب الأهداف المدنية -كما هو معروف في الفقه الدولي الحديث- أي: أنَّ الجيش المسلم حين يخوض حربًا واجبة شرعًا، فعليه أن يقتصر حربه على قتال من حمل السلاح من العدو وجابهنا به، أو شارك فيه بأي لون من ألوان المشاركة كالتخطيط، ونقل المؤن والعتاد والجنود إلى ميدان القتال، أو المؤسسات الحربية، ومركز القيادات وإصدار الأوامر وتدبير شؤون القتال، أمَّا النساء والأطفال وكبار السنن ورجال الدين والرهبان الذين حبسوا أنفسهم في أديرتهم ومعابدهم، ولم تكن لهم صلة بأمور الحرب الدائرة، وكذلك الزروع والماشية والمؤسسات المدنية كمخازن المياه والتموين الغذائي للمدنيين، والطرق غير الحربية ومراكز الطاقة الحيويَّة المتصلة بحياة العامَّة اليوميَّة، والمدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات المدنية، فهذه كلها لا يتعرض لها بسوء أخذًا بسنة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، والاعتداء عليها داخل في الاعتداء المنهي عنه في قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] هذا ما يرجحه كثير من الفقهاء، ولكنه مشروط بشرط عادل ومنهم وهو: أن لا يعتدي علينا العدو بضرب هذه
الأهداف لدينا، فإذا اعتدى العدو علينا بضرب مثل هذه الأهداف جاز لنا ضرب ما تصل إليه أيدينا من منشآته كذلك؛ أخذًا بمبدأ المعاملة بالمثل لقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194](1).
ومن الضوابط الأخلاقية أثناء القتال (عدم المثلة بقتلى الأعداء. . . لأنها عمل حقير، ولا تليق بكرامة الإنسان مسلمًا كان أو غير مسلم. . والاستجابة إلى كف القتال إذا طلب العدو ذلك شريطة ألا يكون مخادعًا. . .)(2).
أمَّا الضوابط التي تكون بعد القتال فتتعلق بالأسرى وكيفية التعامل معهم على نحو ما ذكر الفقهاء في ذلك (3)، وما يجب على المسلمين بعد القتال مع إحراز النصر من (الالتزام الكامل بمنهج اللَّه من التواضع، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصر اللَّه واتباع هديه في كل شؤون الحياة الخاصة والعامة: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]. . . إن النصر والتمكين في الأرض من أجلّ النعم على المسلمين بعد الإيمان باللَّه، وشكر هذه النعم يكون بطاعة اللَّه ورسوله، لا بالسعي في الأرض فسادًا، والطغيان على عباد اللَّه. . . وفي هذا الإطار المحكم من التوجيه الإسلامي الخلقي جرت معارك المسلمين مع أعدائهم)(4).
* * *
(1) انظر: عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني: سماحة الإسلام ص 154، 155، (مرجع سابق).
(2)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 156.
(3)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 157، وانظر: عثمان جمعة ضميريَّة: منهج الإسلام في الحرب والسلام: ص 216 - 219، (مرجع سابق)، وانظر: عبد الكريم الخطيب: الحرب والسلام: ص 32 - 38، (مرجع سابق).
(4)
عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني: سماحة الإسلام: ص 157، (المرجع السابق نفسه).