المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الناحية الثانية: الثقافة الإسلاميَّة بصفتها من أنجع الوسائل في تحقيق - دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه - جـ ٢

[إسحاق السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌الربانية وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم الربانيَّة

- ‌أ- معنى الربانية لغة:

- ‌ب- معنى الرَّبَّانيَّة اصطلاحًا:

- ‌القرآن الكريم المصدر الأساس لربانية تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌أ- تعريف القرآن الكريم وأشهر أسمائه:

- ‌ب- مصدر القرآن الحريم ونصه:

- ‌السنة الشريفة ومنزلتها من القرآن الكريم

- ‌أولًا: تعريف السنة:

- ‌ثانيًا: منزلة السُّنَّة من القرآن الكريم:

- ‌موقف المستشرقين من خصيصة الربَّانيَّة

- ‌أولًا: أقوالهم في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: أقوالهم في السنة النبوية والسيرة النبوية:

- ‌العالمية وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم العالمية

- ‌أ- تعريف العالميَّة لغة:

- ‌ب- تعريف العالميَّة في الاصطلاح:

- ‌دلائل عالمية الإسلام من الكتاب والسنة، ووقائع السيرة النبوية، وأحداث التاريخ الإسلامي

- ‌أولًا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: وأمَّا في السنة النبوية:

- ‌دلائل عالمية الأُمَّة الإسلاميَّة، من العقيدة والنظم

- ‌موقف المستشرقين من خصيصة العالَمِيَّة

- ‌أولًا: موقف المنكرين لخصيصة العالَمِيَّة وأدلة إنكارهم مع الرد عليها:

- ‌ثانيًا: موقف من نفى خصيصة العالمية من حيد حونها من المبادئ التي تميزت بها الأُمَّة الإسلاميَّة على الرغم من الإقرار بها تاريخيًّا بسبب ما أفضى إليها تطور الأمَّة، وتدل على هذا الموقف آراء بعض المستشرقين، كما يتضح مِمَّا يأتي:

- ‌ثالثًا: موقف المتشككين في عالمية الإسلام:

- ‌الوسطية وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم الوسطية

- ‌أ- الوسطيَّة في اللغة:

- ‌ب- أمَّا عن معانيها

- ‌وسطية الأُمَّة في مجال العقيدة والعبادة

- ‌أولًا: في الجانب العقدي:

- ‌ثانيًا: في جانب العبادة:

- ‌وسطية الأُمَّة في مجال التشريع والأخلاق

- ‌أولًا: في مجال التشريع:

- ‌ثانيًا: في مجال الأخلاق:

- ‌موقف المستشرقين من خصيصة الوسطية

- ‌وفيما يأتي بعض النماذج على ذلك:

- ‌ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره بعض المستشرقين عن هذه الوسطية:

- ‌الإيجابية الخيرة وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم الإيجابية الخيرة

- ‌أ- المسارعة:

- ‌ب- السبق:

- ‌جوانب مفهوم إيجابية الأمة الإسلامية

- ‌موقف المستشرقين من خصيصة إيجابيَّة الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌تحقيق العبودية للَّه وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم العبادة، ومقتضياتها

- ‌أ- العبادة في اللغة:

- ‌ب- العبادة في الاصطلاح:

- ‌ج- مقتضيات العبادة في الإسلام:

- ‌أنواع العبادة وصورها

- ‌ومن العبادات الاعتقاديَّة:

- ‌ومن العبادات القلبيَّة:

- ‌ومن العبادات اللفظيَّة:

- ‌ومن العبادات البدنيَّة:

- ‌أمَّا العبادات الماليَّة:

- ‌روح العبادة وأسرارها

- ‌آثار العبادة في الفرد وفي الأُمّة

- ‌أولًا: الصلاة:

- ‌ثانيًا: الزكاة:

- ‌ثالثًا: الصوم:

- ‌رابعًا: الحج:

- ‌موقف المستشرقين من قضية العبودية للَّه

- ‌ويعالج هذا في نقطتين بارزتين:

- ‌فمن أقوال المستشرقين وآرائهم:

- ‌أمَّا الرد على أقوالهم وآرائهم فستتركز في النقاط الآتية:

- ‌ولعل مِمَّا يدلُّ على صحة هذا الفهم والتفسير ما يأتي:

- ‌تحقيق الاستخلاف وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم الاستخلاف وأهميته

- ‌أ- معنى الاستخلاف في اللغة:

- ‌ب- مفهوم الاستخلاف عند بعض المفسرين والعلماء والباحثين:

- ‌ج- تعريف الاستخلاف في الاصطلاح:

- ‌د- أهمية الاستخلاف:

- ‌مقومات الاستخلاف بعامّة

- ‌أولًا: العلم:

- ‌ثانيًا: التسخير:

- ‌مقومات استخلاف الأمَّة الإسلامية بخاصة

- ‌أولًا: العلم:

- ‌ثانيًا: التسخير:

- ‌موقف المستشرقين من قضية استخلاف الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌وسيلة اللغة العربية وموقف المستشرقين منها

- ‌مكانة اللغة العربيَّة وارتباطها بالإسلام

- ‌موقف المستشرقين من اللغة العربيَّة

- ‌الرد على الشبهة الأولى:

- ‌الرد على الشبهة الثانية:

- ‌الرد على الشبهة الثالثة:

- ‌الرد على الشبهة الرابعة:

- ‌وسيلة تاريخ الإسلام وحضارته وموقف المستشرقين منه

- ‌تمهيد

- ‌الالتزام بالإسلام والاعتزاز به

- ‌أ- أمَّا في المفاهيم

- ‌ب- الالتزام بالإسلام والاعتزاز به في المناهج

- ‌1 - السببيَّة:

- ‌2 - القانونية التاريخيَّة:

- ‌3 - منهج البحث الحسي (التجريبي):

- ‌جـ- الالتزام بالإسلام والاعتزاز به من خلال المواقف

- ‌الوعي الثقافي الشامل

- ‌الناحية الأولى:

- ‌الناحية الثانية:

- ‌التعاون والتكامل

- ‌الدعوة والجهاد

- ‌1 - الجهاد التربوي:

- ‌2 - الجهاد التنظيمي:

- ‌3 الجهاد العسكري:

- ‌موقف المستشرقين من تاريخ الإسلام وحضارته

- ‌أولًا: نقد بعض المستشرقين للمنهج الاستشراقي:

- ‌ثانيًا: نقد بعض المفكرين والباحثين من العرب والمسلمين للمنهج الاستشراقي:

- ‌ثالثًا: نماذج لأهم القضايا التي تطرقت إليها دراسات المستشرقين لتاريخ الإسلام وحضارته:

- ‌1 - الدعوة والجهاد

- ‌2 - العادات والتقاليد:

- ‌3 - الجانب السياسي والحضاري من تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة:

- ‌رابعًا: استخلاص موازين البحث عند المستشرقين:

- ‌مبحث ختامي

- ‌تقويم الحركة الاستشراقية ومنهج الإسلام في مواجهتها

- ‌أساليب مواجهة تحدي الاستشراق والمستشرقين ووسائلها

- ‌الخاتمة

- ‌1 - في ضوء الدراسة التأصيلية لتميز الأُمَّة الإسلاميَّة، تبين الآتي:

- ‌أ- عقيدة التوحيد

- ‌ب- الشريعة الإسلاميَّة الغراء

- ‌ج- الأخُوَّة الإسلاميَّة ووحدة الأمَّة

- ‌د- الخصائص التي تفرد بها تَمَيُّز الأمَّة الإسلاميَّة؛ وأهمها:

- ‌هـ - أهداف تَمَيُّز الأمَّة الإسلاميَّة

- ‌و- وسائل تَمَيُّز الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌2 - وفي ضوء الدراسة النقديَّة لموقف المستشرقين من تَمَيُّز الأُمَّة الإسلاميَّة، تبين الآتي:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌نبذة تعريفية الإدارة العامة للأوقاف

الفصل: ‌ ‌الناحية الثانية: الثقافة الإسلاميَّة بصفتها من أنجع الوسائل في تحقيق

‌الناحية الثانية:

الثقافة الإسلاميَّة بصفتها من أنجع الوسائل في تحقيق تميز الأُمَّة الإسلاميَّة في تاريخها وحضارتها، ذلك أن الثقافة الإسلاميَّة ذات أصالة، (ودعامة الأصالة الثقافية للأمَّة الإسلامية هي "الفهم الصحيح لكتاب اللَّه عز وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتفقه في الدين، واستيعاب التاريخ الإسلامي، وحل المشكلات المعاصرة للمجتمع الإسلامي من خلال تحكيم شرع اللَّه تبارك وتعالى تحكيمًا كاملًا من غير تأويل تمليه الأهواء، أو تحمل عليه نزعة الانهزام الفكري والنفسي أمام التيارات المعادية الطاغية. . . . ولا تتحقق هذه الأصالة إلَّا بالإحاطة الشاملة بالإسلام عقيدة وعبادة وتشريعًا وخلقًا)(1).

وأمَّا الوعي بالثقافات الأُخرى، فإنَّ الثقافة الإسلاميَّة في بعض جوانبها (تتعرض لكافة أشكال التفاعل والتأثير المتبادل، فالثقافة تشكل هويَّة زمنيَّة لحياة الأُمَّة. . وتحمي الأُمَّة من عوامل التذوب والتشكيك والاختراق (2) وهي ثقافة ذات إيجابيَّة ونزعة إنسانية فريدة طالما افْتُقِدَت في غيرها من الثقافات الأُخرى.

يقول أحد المفكرين: (إنَّ المعنى الإنساني للثقافة الإسلاميَّة واضح في كل جوانبها؛ لأنَّها ثقافة منبثقة عن المفاهيم والمثل الإنسانية العليا، في أوسع آفاقها، وأسمى أهدافها)(3)، ويؤكد في صدد حديثه عن رعاية الثقافة الإسلاميَّة للوحدة الأنسانية والمثل العليا أنَّ المعنيين بدراسة الثقافات البشريَّة افتقدوا هذا المعنى في تلك الثقافات مستشهدًا ببعض

(1) عمر عودة الخطيب: لمحات في الثقافة الإسلاميَّة: ص 111، 112، (مرجع سابق).

(2)

مجلة الأزهر، عدد محرم 1455 هـ - يونية 1994 م: ص 105، كلية بعنوان (دور الثقافة الإسلامية) كتبها للمجلة يحيى السيد النجار.

(3)

عمر عودة الخطيب: لمحات في الثقافة الإسلامية: ص 94، (مرجع سابق).

ص: 942

أقوال الباحثين الذين شاركوا في المؤتمر العام لليونسكو، ونشرت في كتاب (أصالة الثقافات)، وما دعا إليه بعضهم من (إنشاء نظام إيجابي عالمي يلبي مطامح الشعوب. . . مشيرًا إلى أن على هذا النظام أن يعدل طبائع الشعوب وأوضاعها وعاداتها، مستندًا في ذلك إلى المكتسبات العقليَّة والخلقية، ومبتكرات الأفراد -في الإطار العالمي طبعًا- في ميدان الفكر والعمل والتعبير)(1)، وأنَّ البيان المشترك لمجموعة الخبراء المجتمعين صدر بدعوة من اليونسكو لدراسة المشكلات الناشئة عن الاتصالات والعلاقات بين الحضارات في العالم الراهن (2)، وقد جاء فيه (إنَّ جامعة عالميَّة في المثل العليا والتطلعات تنبجس ببطء، ويُمكن أن تكون أساسًا للمنظمات السياسية، والمبادلات الاقتصادية الدولية، فإذا توصلت الأمم إلى أن تتفاهم، حل الثقة محل الخوف والتوترات، وأصبح من الممكن -في إطار قيم مفهومة ودوافع معروفة- أن يتوصل التعاون الاقتصادي، والاتفاق السياسي إلى نهاية موفقة حقيقية، أمَّا إذا أغفل هذا الإطار الثقافي، أو حطمته سرعة التبدلات التي تهدد التطور، وتكييف القيم، فإنَّ التقدم المادي والمصالح الخاصّة تكون معرضةً هي الأخرى للخطر)(3).

وينتهي البيان بالتأكيد على النزعة الإنسانية لذلك الإطار الثقافي فيقول: (إنَّ مشكلة التفاهم الدولي هي مشكلة علاقات بين الثقافات، فمن هذه العلاقات بين الثقافات يجب أن ينبثق مجتمع عالمي جديد، قوامه التفاهم

(1) المرجع السابق نفسه: ص 94، 95.

(2)

انظر: المرجع السابق نفسه: ص 96.

(3)

أصالة الثقافات ودورها في التفاهم الدولي (مجموعة مقالات لكتاب عالميين): ص 425، ترجمة حافظ الجمالي، ويوسف مراد، عن دار الفكر العربي، 1963 م، وهو من مطبوعات اليونسكو، وانظر: عمر عودة الخطيب: المرجع السابق نفسه: ص 96.

ص: 943

والاحترام المتبادل، وهذا المجتمع يجب أن يأخذ صورة نزعة إنسانية جديدة، يتحقق فيه الشمول بالاعتراف بقيم مشتركة تحت شعار تنوع الثقافات) (1).

وبالنظر لتاريخ الإسلام وحضارته يتبين أن الثقافة الإسلاميَّة سابقة إلى الدعوة لهذه النزعة الإنسانية التي تدعو إلى احترام الإنسان من حيث هو إنسان، واحترام كل ما يتصل به من الأشياء والأحياء، ولا أدل على ذلك من قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول (2)، فقد رُوي أنَّه قال:"لقد شهدت في دار (عبد اللَّه بن جدعان) حِلْفًا، ما أحبُّ أنّ لي به حمر النعم، ولو أُدْعَى به في الإسلام لأجبت"(3)، وما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم في حادثة وضع الحجر

(1) أصالة الثقافات: ص 426، المرجع السابق نفسه، وانظر: عمر عودة الخطيب: المرجع السابق نفسه: ص 96، وقد أنهى المؤتمرون ذلك المؤتمر ببيان مشترك بعنوان:(إنسانية الغد وتنوع الثقافات)، انظر: ص 423 - 426، (المرجع السابق نفسه).

(2)

انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 153، 154، (مرجع سابق)، وانظر: جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام 4/ 86 - 90، 100، (مرجع سابق).

(3)

أورد هذه الرواية ابن إسحاق في سيرته عن طلحة بن عوف الزهري، وهي عند أهل الحديث مرسلة؛ لأن طلحة بن عوف (المذكور) تابعي، توفي سنة 97 وهو ابن 72 سنة، وكان يروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دون أن يذكر اسم الصحابي، ورواه الحميدي عن سفيان عن عبد اللَّه عن محمد وعبد الرحمن بن أبي بكر مرفوعًا، وأخرجه الحارث في مسنده، انظر: الروض الأنف 1/ 155 - 156، (مرجع سابق)، وانظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 155 وقبلها 153، 154، (مرجع سابق)، وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 291، (مرجع سابق).

وأخرجه البيهقي: سنن البيهقي 6/ 167، (مرجع سابق)، وانظر: الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد. . . 2/ 154، 155، (مرجع سابق). وأخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/ 193، الحديث رقم [1676]، بلفظ:"شهدتُ غلامًا مع عمومتي حِلْفَ المطيّبين، فما أحب أن لي حمر النعم، وإني أنكُشُهُ"، وقال المحقق:(إسناده صحيح)، الموسوعة الحديثية، مسند الإمام أحمد بن حنبل 3/ 210،=

ص: 944

في مكانه من بناء الكعبة حيث (إنَّ القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حدة، ثُمَّ بنوها، حتى بلغ البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتحالفوا؛ وأعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دمًا، ثُمَّ تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا لعَقَة الدّم، فمكثت قريش على ذلك أربع ليالٍ أو خمسًا، ثُمَّ إنَّهم اجتمعوا في المسجد، وتشاوروا وتناصفوا، فزعم بعض أهل الرواية: أنَّ أبا أميَّة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وكان عامئذٍ أسنّ قريش كلها، قال: يا معشر قريش: اجعلوا بينكم -فيما تختلفون فيه- أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه، ففعلوا؛ فكان أول داخل عليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال صلى الله عليه وسلم: هَلُمَّ إليَّ ثوبًا، فأُتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثمَّ قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثُمَّ ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثُمَّ بنى عليه)(1).

إن الثقافة الإسلاميَّة بصفتها سمة ذاتيَّة وموهبة ربانية من جهة، وبصفتها سمات مكتسبة من جهة أخرى، تصدر في هذا وذاك عن ذلك

= عن مؤسسة الرسالة بإشراف عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، (مرجع سابق).

ولمزيد الاطلاع على تخريج الحديث وتوثيقه انظر: المرجع السابق نفسه 3/ 210 الحاشية رقم [1] فقد خرجه المحقق من سائر كتب السنة، وصححه الألباني في الصحيحة:(1900)، وصحيح الأدب المفرد للإمام البخاري: ص 212، 213، رقم الحديث [441/ 567]، (مرجع سابق).

(1)

ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 223، 224، (مرجع سابق)، وانظر: علي بن برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبيَّة في سيرة الأمين المأمون إنسان العيون: 1/ 235، 236، طبعة دار المعرفة. . (بدون تاريخ).

ص: 945

الحذق والذكاء والتوفيق الذي اتسم به موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتصدَّى لحل مشكلة وضع الحجر الأسود في مكانه من بناء الكعبة، وقد كان حلًا موفقًا يصدر عن عبقرية وموهبة ربانيَّة عصم اللَّه بها الدماء والحرمات، تصدر الثقافة الإسلاميَّة -أيضًا- عن ذلك القول النزيه الطاهر من المصطفى صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول ما يرمز إليه من دعوة الثقافة الإسلاميَّة إلى السلام الشامل العام المرتكز على الحق والخير والفضيلة ذلك أن قريشًا عندما اجتمعت (تعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلَّا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف: حلف الفضول)(1)، وقد جاء في بعض الأحاديث تفسير هذا الاسم بأنَّه انبثق من كونهم (تحالفوا أن تردّ الفضول على أهلها، وألا يَعُزَّ ظالمٌ مظلومًا)(2) لذلك سمّي (حلف الفضول).

وستبقى الثقافة الإسلاميَّة الرائدة في هذه القيم السامقة، ولن يتأتى لغيرها من الثقافات الأُخرى ما يتأتى لها في هذا المضار، وما ذلك إلَّا لأنها في وحدتها (المترابطة المتناسقة ترتكز من وجهة نظر الإسلام على أساس منطقي قوي وهو: أن الحقائق لا يُمكن أن تكون متناقضة، ولَمَّا كان الإسلام قد قدَّم للبشرية الحقائق كاملة، وحسم بذلك كل المنازعات

(1) ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 154، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: تفصيلات هذا الحلف وغيره من أحلاف قريش لدى: جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام 4/ 86 - 100، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: حسين مؤنس: تاريخ قريش: 165 - 169، (مرجع سابق).

(2)

ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 153، (المرجع السابق نفسه)، واللفظ في مسند الحارث بن عبد اللَّه بن أبي أسامة التميمي برواية الحميدي (سبق تخريجه)، ص 1073 - 1074، (البحث نفسه).

ص: 946

والخلافات التي ثارت حول كثير من قضايا الإنسان والكون والحياة، فإنَّه قد أرسى دعامة الوحدة الفكرية والروحيَّة على قاعدة المنهج الرباني الذي هدم الخرافات والأوهام والتناقضات، برد الأمر في هذه القضايا إلى اللَّه عز وجل، ومن هنا لم يستطع أعداء الإسلام أن ينفذوا إلى كيانه الاعتقادي والفكري والروحي والتشريعي، المرتكز على الوحدة الدينية الأصليَّة، التي تستجيب لها القلوب، وتنشرح لها الصدور، وتتفاعل العقول، ليهدموه جملة، بل لجؤوا إلى أسلوب التفريق والتمزيق. . . تفريق المسلمين إلى شيع وطوائف وأحزاب، وتمزيق وحدة عقيدتهم ونظامهم بإثارة الشبهات، ونشر الافتراءات، وتشويه حقيقة الإسلام) (1).

أمَّا الثقافات الأخرى فإنها في مسارها العام وفي مجملها ثقافات مرتكزة (على النظرات البشريَّة والفلسفات المحدودة، المرتبطة بقيود الزمان والمكان، والخاضعة لمؤثرات البيئات والظروف، والمتأثرة بالأزمات النفسية والهزات الاجتماعيَّة، وما ينجم عنها من ردود الفعل التي يبعدها عن العمق والصدق والاتزان. . . إن هذه الثقافات -وهذا حالها- إنَّما تعيش في الحقيقة خارج دائرة الوجدان الإنساني في أصالته ونقائه، فهي بعيدة كل البعد عن أيّ نزعة تحفظ للإنسان مكانته الرفيعة التي أكرمه اللَّه بها، ولا تملك إلَّا أن تسوق الإنسان بنزعة القوة التي تسيطر بها عليه سيطرة تسلب بها حريته، أو نزعة الخديعة التي تسلبه بها كرامته، أو بهما معًا، كما هو حال كثير من الأمم والشعوب في ظل هذه الفلسفات الماديَّة المنحرفة التي استطاعت أن تتخذ من السلطة منطلقًا لممارسة نزعة القوة والخديعة في آن واحد)(2).

(1) عمر عودة الخطيب: لمحات في الثقافة الإسلاميَّة: ص 76، (مرجع سابق).

(2)

عمر عودة الخطيب: لمحات في الثقافة الإسلاميَّة: ص 64، 65، (مرجع سابق).

ص: 947

وخلاصة القول: إنَّ الوعي الثقافي الشامل بشقيه الوعي بالثقافة الإسلاميَّة ومنهجها الرباني ونزعتها الإنسانية ورسالتها العالميَّة، وما تتسم به من الدعوة إلى الخير والسلام والفضيلة، ومكافحة الشر والفتنة والرذيلة، والوعي بالثقافات الأُخرى مقارنة بالثقافة الإسلاميَّة وما يُمكن أن يرفض منها، وما يقبل، وما يُمكن اعتباره جسورًا للتواصل بين المسلمين وغيرهم في جوانب المعطيات المكتسبة من الثقافة.

إنَّ الوعي الشامل بذلك كله يعد من أنجع الوسائل لتحقيق تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة.

* * *

ص: 948