المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ج- مقتضيات العبادة في الإسلام: - دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه - جـ ٢

[إسحاق السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌الربانية وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم الربانيَّة

- ‌أ- معنى الربانية لغة:

- ‌ب- معنى الرَّبَّانيَّة اصطلاحًا:

- ‌القرآن الكريم المصدر الأساس لربانية تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌أ- تعريف القرآن الكريم وأشهر أسمائه:

- ‌ب- مصدر القرآن الحريم ونصه:

- ‌السنة الشريفة ومنزلتها من القرآن الكريم

- ‌أولًا: تعريف السنة:

- ‌ثانيًا: منزلة السُّنَّة من القرآن الكريم:

- ‌موقف المستشرقين من خصيصة الربَّانيَّة

- ‌أولًا: أقوالهم في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: أقوالهم في السنة النبوية والسيرة النبوية:

- ‌العالمية وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم العالمية

- ‌أ- تعريف العالميَّة لغة:

- ‌ب- تعريف العالميَّة في الاصطلاح:

- ‌دلائل عالمية الإسلام من الكتاب والسنة، ووقائع السيرة النبوية، وأحداث التاريخ الإسلامي

- ‌أولًا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: وأمَّا في السنة النبوية:

- ‌دلائل عالمية الأُمَّة الإسلاميَّة، من العقيدة والنظم

- ‌موقف المستشرقين من خصيصة العالَمِيَّة

- ‌أولًا: موقف المنكرين لخصيصة العالَمِيَّة وأدلة إنكارهم مع الرد عليها:

- ‌ثانيًا: موقف من نفى خصيصة العالمية من حيد حونها من المبادئ التي تميزت بها الأُمَّة الإسلاميَّة على الرغم من الإقرار بها تاريخيًّا بسبب ما أفضى إليها تطور الأمَّة، وتدل على هذا الموقف آراء بعض المستشرقين، كما يتضح مِمَّا يأتي:

- ‌ثالثًا: موقف المتشككين في عالمية الإسلام:

- ‌الوسطية وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم الوسطية

- ‌أ- الوسطيَّة في اللغة:

- ‌ب- أمَّا عن معانيها

- ‌وسطية الأُمَّة في مجال العقيدة والعبادة

- ‌أولًا: في الجانب العقدي:

- ‌ثانيًا: في جانب العبادة:

- ‌وسطية الأُمَّة في مجال التشريع والأخلاق

- ‌أولًا: في مجال التشريع:

- ‌ثانيًا: في مجال الأخلاق:

- ‌موقف المستشرقين من خصيصة الوسطية

- ‌وفيما يأتي بعض النماذج على ذلك:

- ‌ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره بعض المستشرقين عن هذه الوسطية:

- ‌الإيجابية الخيرة وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم الإيجابية الخيرة

- ‌أ- المسارعة:

- ‌ب- السبق:

- ‌جوانب مفهوم إيجابية الأمة الإسلامية

- ‌موقف المستشرقين من خصيصة إيجابيَّة الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌النموذج الأول:

- ‌النموذج الثاني:

- ‌تحقيق العبودية للَّه وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم العبادة، ومقتضياتها

- ‌أ- العبادة في اللغة:

- ‌ب- العبادة في الاصطلاح:

- ‌ج- مقتضيات العبادة في الإسلام:

- ‌أنواع العبادة وصورها

- ‌ومن العبادات الاعتقاديَّة:

- ‌ومن العبادات القلبيَّة:

- ‌ومن العبادات اللفظيَّة:

- ‌ومن العبادات البدنيَّة:

- ‌أمَّا العبادات الماليَّة:

- ‌روح العبادة وأسرارها

- ‌آثار العبادة في الفرد وفي الأُمّة

- ‌أولًا: الصلاة:

- ‌ثانيًا: الزكاة:

- ‌ثالثًا: الصوم:

- ‌رابعًا: الحج:

- ‌موقف المستشرقين من قضية العبودية للَّه

- ‌ويعالج هذا في نقطتين بارزتين:

- ‌فمن أقوال المستشرقين وآرائهم:

- ‌أمَّا الرد على أقوالهم وآرائهم فستتركز في النقاط الآتية:

- ‌ولعل مِمَّا يدلُّ على صحة هذا الفهم والتفسير ما يأتي:

- ‌تحقيق الاستخلاف وموقف المستشرقين منها

- ‌تمهيد

- ‌مفهوم الاستخلاف وأهميته

- ‌أ- معنى الاستخلاف في اللغة:

- ‌ب- مفهوم الاستخلاف عند بعض المفسرين والعلماء والباحثين:

- ‌ج- تعريف الاستخلاف في الاصطلاح:

- ‌د- أهمية الاستخلاف:

- ‌مقومات الاستخلاف بعامّة

- ‌أولًا: العلم:

- ‌ثانيًا: التسخير:

- ‌مقومات استخلاف الأمَّة الإسلامية بخاصة

- ‌أولًا: العلم:

- ‌ثانيًا: التسخير:

- ‌موقف المستشرقين من قضية استخلاف الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌وسيلة اللغة العربية وموقف المستشرقين منها

- ‌مكانة اللغة العربيَّة وارتباطها بالإسلام

- ‌موقف المستشرقين من اللغة العربيَّة

- ‌الرد على الشبهة الأولى:

- ‌الرد على الشبهة الثانية:

- ‌الرد على الشبهة الثالثة:

- ‌الرد على الشبهة الرابعة:

- ‌وسيلة تاريخ الإسلام وحضارته وموقف المستشرقين منه

- ‌تمهيد

- ‌الالتزام بالإسلام والاعتزاز به

- ‌أ- أمَّا في المفاهيم

- ‌ب- الالتزام بالإسلام والاعتزاز به في المناهج

- ‌1 - السببيَّة:

- ‌2 - القانونية التاريخيَّة:

- ‌3 - منهج البحث الحسي (التجريبي):

- ‌جـ- الالتزام بالإسلام والاعتزاز به من خلال المواقف

- ‌الوعي الثقافي الشامل

- ‌الناحية الأولى:

- ‌الناحية الثانية:

- ‌التعاون والتكامل

- ‌الدعوة والجهاد

- ‌1 - الجهاد التربوي:

- ‌2 - الجهاد التنظيمي:

- ‌3 الجهاد العسكري:

- ‌موقف المستشرقين من تاريخ الإسلام وحضارته

- ‌أولًا: نقد بعض المستشرقين للمنهج الاستشراقي:

- ‌ثانيًا: نقد بعض المفكرين والباحثين من العرب والمسلمين للمنهج الاستشراقي:

- ‌ثالثًا: نماذج لأهم القضايا التي تطرقت إليها دراسات المستشرقين لتاريخ الإسلام وحضارته:

- ‌1 - الدعوة والجهاد

- ‌2 - العادات والتقاليد:

- ‌3 - الجانب السياسي والحضاري من تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة:

- ‌رابعًا: استخلاص موازين البحث عند المستشرقين:

- ‌مبحث ختامي

- ‌تقويم الحركة الاستشراقية ومنهج الإسلام في مواجهتها

- ‌أساليب مواجهة تحدي الاستشراق والمستشرقين ووسائلها

- ‌الخاتمة

- ‌1 - في ضوء الدراسة التأصيلية لتميز الأُمَّة الإسلاميَّة، تبين الآتي:

- ‌أ- عقيدة التوحيد

- ‌ب- الشريعة الإسلاميَّة الغراء

- ‌ج- الأخُوَّة الإسلاميَّة ووحدة الأمَّة

- ‌د- الخصائص التي تفرد بها تَمَيُّز الأمَّة الإسلاميَّة؛ وأهمها:

- ‌هـ - أهداف تَمَيُّز الأمَّة الإسلاميَّة

- ‌و- وسائل تَمَيُّز الأُمَّة الإسلاميَّة

- ‌2 - وفي ضوء الدراسة النقديَّة لموقف المستشرقين من تَمَيُّز الأُمَّة الإسلاميَّة، تبين الآتي:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌نبذة تعريفية الإدارة العامة للأوقاف

الفصل: ‌ج- مقتضيات العبادة في الإسلام:

ويدخل في ذلك أركان الإسلام الخمسة، والشعائر الدينيَّة التعبّديَّة مثل الأذان والجهاد، ونحو ذلك من العبادات.

‌ج- مقتضيات العبادة في الإسلام:

وبالنظر إلى معنى العبادة في اللغة، ومعناها في الاصطلاح في إطاره العام والخاص، فإنَّ للعبادة في الإسلام مقتضيات عدَّة من أهمها الآتي:

أولًا: الالتزام بما شرع اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي، والتحليل والتحريم؛ لأن ذلك كلَّه من مقتضى الخضوع للَّه والطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقوله تعالى:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النساء: 172].

ثانيًا: وتتضمن العبادة للَّه إلى جانب الخضوع له والذل لعظمته الحب له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وعن هذا المعنى أوضح ابن تيمية أنّ العبادة (تتضمن غاية الذل للَّه بغاية المحبَّة له)(1)، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].

وقال الرسول: صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله، وماله، والناس أجمعين"(2) وفي حديث آخر أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه،

(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 10/ 153، (مرجع سابق).

(2)

أخرجه مسلم: صحيح مسلم 1/ 67، الحديث رقم 69 كتاب الإيمان، باب [16]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق)، وأخرجه البخاري بلفظ:"فوالذي نفسي بيده لا يومن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده"، وبلفظ:"لا يؤمن أحدكم حتى كون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين" صحيح البخاري 1/ 14، كتاب الإيمان، باب [7]، حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، رقم الحديث [14، 15]، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، (مرجع سابق).

ص: 734

قال للرسول صلى الله عليه وسلم: "يا رسول اللَّه، واللَّه لأنت أحبّ إليَّ من كل شيء إلَّا من نفسي" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنَّه الآن، واللَّه، لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الآن يا عمر"(1).

وتستلزم هذه المحبَّة موافقة اللَّه عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم فيما أحباه، وفيما أبغضاه، ولا تتحقق العبوديَّة إلَّا بذلك لقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

ثالثًا: أنَّ العبادة ترجع فائدتها للعابد من المكلفين؛ لأنّ اللَّه غنيٌّ عن العالمين لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا يضره إعراض المعرضين، وقد جاءت العبادات معلّلة بذلك مثل قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]. وفي قوله تعالى على لسان سليمان عليه السلام: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40].

وفي الحديث القدسي قال اللَّه تعالى: "يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أنّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم، كانوا على أفجر قلب واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا"(2)، أمَّا فائدة العبادة للعابد فسيأتي الحديث عنها في مكان آخر إن شاء اللَّه تعالى.

(1) أخرجه البخاري: صحيح البخاري 6/ 2445، 2446، كتاب الأيمان والنذور، باب [2] الحديث رقم [6257]، تحقيق: مصطفى ديب الغا، (مرجع سابق).

(2)

أخرجه مسلم: صحيح مسلم 4/ 1994، 1995، كتاب البر والصلة والآداب، باب [15]، الحديث رقم [2577]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).

ص: 735

رابعًا: أن تكون العبادة للَّه عن إرادة وقصد، أمَّا الجانب القدري الكوني فإنَّ ذلك يدخل تحت التسخير، (ولما كان الخضوع الإرادي للَّه عز وجل عنوان العبادة الحقيقية من هذا الإنسان كان كافيًا أن يرافق هذا الخضوع أيَّ تصرف من تصرفات الإنسان الاختياريَّة أو الاضطرارية ليصبح هذا التصرف عبادة للَّه عز وجل؛ لأنَّه ابتغى به وجهه، وجاء وفق رضائه، ومن هنا كان بإمكان المسلم أن يجعل حياته كلها عبادة حتى عاداته وغرائزه من طعام وشراب ولباس وسكن ومتعة في هذه الحياة فهو يماثل غيره في صور هذه التصرفات، ويتميز عن غيره في حقيقتها واعتبارها. . . ففي الحديث الشريف: "وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول اللَّه، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ" (1).

كما يكفي أن يفارق هذا الخضوع الإرادي أيَّ تصرف من تصرفات الإنسان ليفقد هذا التصرف وصف العبادة، حتى ولو كان هذا التصرف صلاة أو صيامًا، أو زكاةً وحجًّا، أو غير ذلك من شعائر العبادات:"إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"(2)، كأن يقوم بمثل هذه

(1) أخرجه مسلم: صحيح مسلم 2/ 697، كتاب الزكاة، باب [16]، الحديث رقم [1006]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق). وكلمة "أجر" ضبطها المحقق بالنصب على أنها تمييز، وبالرفع باعتبارها اسم كان وخبرها الجار والمجرور "له".

(2)

أخرجه البخاري: صحيح البخاري 1/ 3، كتاب بدء الوحي، باب [1] الحديث رقم [1]، تحقيق: مصطفى ديب البغا (مرجع سابق)، وأخرجه مسلم: صحيح مسلم 3/ 1515، 1516، كتاب الإمارة، باب [45]، رقم [1907]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق). والحديث متفق عليه، ويبدأ به في طلب العلم عادة للتنبيه على أهمية النية فيه وفي كل أمرٍ ذي بال.

ص: 736

العبادات ولا يقصد منها العبادة، أو أن تكون من فاقد العقل) (1) أو يداخلها الرياء، والشرك، والبدعة.

خامسًا: أن تكون غاية باعتبارها طاعة للَّه وانكسارًا بين يديه، وخضوعًا له، وذُلًا لعظمته وجلاله، وتكون وسيلة باعتبارها تدريبًا للخضوع للَّه ورمزًا لطاعته (2) وطريقًا إلى العبادة بمعناها الشامل.

سادسًا: أن تكون حياة المسلم، بل حياة الأُمَّة الإسلاميَّة قاطبة منضبطة بضوابط الشرع، إذْ إنَّ (الشعائر التعبديَّة الممثلة في الصلاة والصيام والصدقة والنسك جزءٌ من العبادة، وليست هي كل العبادة، والعبادة الحقَّة هي الحياة وفق النظم الإلهيَّة التي تحدد علاقة الإنسان بالإنسان في المجتمع علاوة على توجيه النيَّة للَّه وحده في الشعائر التعبديَّة)(3)؛ لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] حيث بينت الآية الكريمة الغاية من خلق الإنس والجن وهي العبادة.

وقد استنبط أحد الباحثين من صيغة الحصر في الآية أنَّها (تحصر نشاطات البشر، والهدف من وجودهم، وتقصره على العبادة، ولمَّا كان الواقع يدل على استحالة أن يقوم الإنسان بالصلاة والصيام والحج دون أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يتزوج أو يتاجر، أو يزرع أو يصنع، وغير ذلك سائر الأعمال، وأنواع النشاط اليومي في الحياة البشرية، لما كان الأمر كذلك فإنَّه قد وجب القول بأنّ كل هذه النشاطات ضروريَّة للعبادة بمعنى الشعائر والنسك بل هي مؤديَّة لها، ومن ثُمَّ فهي عبادة من هذا الوجه ومن

(1) محمد أبو الفتح البيانوني: تحول العبادات إلى عادات. . . ص 188، (مرجع سابق).

(2)

انظر: محمد أبو الفتح البيانوني: العبادات خصائصها وآثارها. . ص 4، (مرجع سابق).

(3)

فاروق الدسوقي: مقومات المجتمع المسلم: ص 111، (مرجع سابق).

ص: 737

جهة أخرى هي عبادة أيضًا في ذاتها بشرط أن يقوم بها الإنسان من خلال البناء الاجتماعي الإسلامي، ومبتغيًا بها وجه اللَّه تعالى. . . خاضعًا للَّه وسائرًا حسب نهجه وتعليماته ووصاياه وتشريعه في كل أمر.

ومن ثمَّ يصبح الأكل والشرب والنوم واليقظة والذهاب والإياب والتعلم والإنتاج بأشكاله، وكل أنواع السعي على الرزق، وغير ذلك من تفصيلات الحياة اليوميَّة، عبادة يثاب عليها المرء، وذلك واضح من قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163] وذلك هو المفهوم الحقيقي للعبادة، والذي به يتحقق تمام الخضوع، ويصبح الإنسان كفرد، وكمجتمع موحدًا للَّه إلهًا وربًّا لا إله غيره ولا ربَّ سواه) (1).

* * *

(1) فاروق الدسوقي: مقومات المجتمع المسلم: ص 111، 112، 113، (مرجع سابق).

ص: 738