الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبرز كذلك في قول (دي بوير): (قبل الرعيل الأول من المؤمنين ما في القرآن من تناقض، وهو الذي نعلله نحن بتقلب الظروف التي عاش فيها النبي وباختلاف أحواله النفسية)(1).
ولكلٍّ من (نيكلسون) و (مكدونالد) و (سنوك هورغرونيه) و (شاخت)، وغيرهم من أعلام الاستشراق أقوالٌ مشابهة لما قاله (جولدزيهر) و (بروكلمان) و (توراندريه) و (فلهوزن) و (دي بوير)، المشار إليها فيما تقدم (2).
وعلى ذلك فإنَّ خصيصة وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة محجوبة خلف تلك الأقوال، ولا يُمكن الباحث أن يجد في كتابات معظم المستشرقين إلَّا النزر اليسير مِمَّا يشير إلى تلك الوسطية. . . سيتطرق البحث إليه فيما بعد.
4 -
وفي العصر الراهن تهز حمَّى الصهيونية أوصال الشعوب الغربية من خلال وسائل الإعلام المختلفة بهذه المزاعم والافتراءات، مضيفة إليها بريق الدعاية وفنون الخداع، وطرائق المكر السيئ بما تملك تلك الوسائل (من قدرة على الانتشار، وقوة الجذب والتأثير، من أن تجعل الصورة المشوهة عن الإسلام وأمته ضمن اهتمامات الفرد الغربي حتى أصبحت حديث المجالس والمنتديات الشعبية)(3)، وتجاوزت ذلك إلى أنحاء واسعة من أصقاع المعمورة في ظل تطور الإعلام الغربي وهيمنته الدوليَّة (4).
وفيما يأتي بعض النماذج على ذلك:
أ- تقول (جانيس تيري): (إنَّ صورًا للمجتمع العربي والعالم
(1) تاريخ الفلسفة في الإسلام: ص 69، ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة، الطبعة الثالثة، 1374 هـ - 1954 م، عن دار النهضة العربيَّة للطباعة والنشر، بيروت.
(2)
انظر: عرفان عبد الحميد: المرجع السابق نفسه: ص 20، 21.
(3)
عبد القادر طاش: الصورة النمطية للإسلام. . . ص 43، (مرجع سابق).
(4)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 44.
الإسلامي تبدو متشابهة تمامًا في الروايات المعاصرة، وسواء وصف العرب والمسلمون بالتخلف أو الجشع، أو الشهوانية، أو الشيطان وعدم الإنسانية، فإنَّه كبش الفداء في جميع الروايات المعاصرة التي تتناول موضوعات عن الشرق الأوسط تقريبًا) (1).
ومِمَّا لحظته أيضًا أن هناك حشدًا هائلًا من الروايات تدور أحداثها حول فكرة أن المسلمين إرهابيون يهددون حياة البرآء من الناس، وأنَّ هذه الروايات تبرز تعاون المخابرات والحكومات الغربية مع (الأبطال الإسرائيليين) في مقاومتهم للإرهاب العربي) (2).
وتخلص (تيري) إلى القول: (بأنَّ صورة العالم العربي في الروايات المعاصرة مشحونة بكراهية ما هو عربي وإسلامي، ويُصوّر العرب بشكل مستمر في الروايات بأحقر أنواع القذف العنصري، فهم يصورون على أنهم لا إنسانيون، جبناء، معادون للمرأة والأطفال، ويصور الإسلام في صورة سلبيَّة للغاية، ولا تجد في تلك الروايات ولو إشارة إلى الجوانب والإسهامات الإيجابية للعرب وللحضارة الإسلاميَّة)(3).
ب- أمَّا المؤلفات العلمية فإنَّها تطفح بالتجني على الأُمَّة الإسلاميَّة وحقائق الإسلام بما يكشف البون الشاسع بين ما يكتبه عامَّة المستشرقين وبين وسطية الإسلام، وكون هذه الوسطية من خصائص الأُمَّة الإسلاميَّة.
(1)(j. j Terry "image of the Middle East in contemprary Fiction" inE. Ghareeb (ed)،split vision: The portral of Ar abin the American Medla (Wash.d.c) The American - Arab Affaires Council،1983،P.316.
نقلًا عن: عبد القادر طاش: المرجع السابق نفسه: ص 51.
(2)
انظر: المرجع السابق نفسه: نقلًا عن: عبد القادر طاش: المرجع السابق نفسه: ص 52.
(3)
المرجع السابق نفسه: 324، نقلًا عن: عبد القادر طاش: الصورة النمطية للإسلام. .: ص 52، (المرجع السابق نفسه).
وإذا كانت المعاجم والموسوعات من أبرز مظاهر العناية بالعلم والمعرفة، وألصقها بالمنهجيَّة والعلمية والتجرد، فإنَّ معظم المعاجم والموسوعات الحديثة في أوروبا وأمريكا وروسيا درجت على تناول الإسلام من خلال وجهة النظر الصهيونية وبأيدي مستشرقين إن لم يكونوا يهودًا فهم في خدمة اليهود والصهيونيَّة العالميَّة، وبناءً على ذلك فإنَّ ما كتب عن الإسلام والأُمَّة الإسلاميَّة جاء في الغالب موجهًا في هذا السياق، وتحت هذا التأثير (1).
وقد أجرى بعض الباحثين دراسة نقدية للموسوعة البريطانية، والفرنسية، والسوفيتية، واليهودية (2)، وخرج بنتيجة مفادها أنَّ هذه الموسوعات (تغافلت عن تتبع الجانب التاريخي المُشَكِّل للوجود والهويَّة العربية الإسلاميَّة)(3)، وأنَّ دائرة المعارف البريطانية في سياق تشويهها للإسلام والعرب عمدت إلى القول:(أنَّ محمدًا زعم أنَّه نبي مرسل من اللَّه وأنَّه أعظم الأنبياء وخاتمهم وأن المسلمين يعبدون محمدًا، ويعتقدون أن الكون خلق من نور محمد)(4).
(1) انظر: أنور الجندي: سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلاميَّة: ص 7، 8، 16 - 20، الطبعة الثانية، 1405 هـ - 1985 م، عن دار الجيل، بيروت، وانظر: زياد أو غنيمة: السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام العالمية: ص 115 - 125، تحت عنوان:(سموم الصهيونية تغزو الموسوعات العلميَّة والدراسات الاستشراقية)، الطبعة الأولى، 1404 هـ - 1984 م، عن دار عمار للنشر. .، عمان.
(2)
انظر: عبد القادر طاش: المرجع السابق نفسه: ص 52، 53.
(3)
عبد القادر طاش: المرجع نفسه: ص 53، وانظر: عفيف البوني: صورة العرب في العقل الغربي من خلال الموسوعات العلمية الغربية، مقال منشور في مجلة المستقبل العربي، العدد [101]، 7/ 1987 م: ص 16 - 31، تصدر عن مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت.
(4)
زياد أبو غنيمة: السيطرة الصهيونية. .: ص 117، (المرجع السابق نفسه)، وانظر:=
أمَّا دائرة المعارف الفرنسية فتقول كما سبق الإشارة إلى ذلك: أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم (قاتل دجَّال، وخاطف نساء، وأكبر عدو للعقل الحر)(1).
وزعمت دائرة المعارف السوفيتية أن الإسلام (يؤدي دورًا رجعيًّا، إذ أصبح أداة في أيدي الطبقات المستغلة لكبح الطبقة العاملة روحيًّا)(2)، وزعمت أن القرآن (مجموعة من المواد المذهبية والأسطورية والقانونية)(3).
ويذهب قاموس التاريخ العالمي البريطاني إلى القول بأنَّ (عصابة المافيا الإجرامية العالمية تمتد جذورها إلى أصول عربية، ويؤكد القاموس أن طبيعة العرب الإجرامية التي لا تقف عن السطو والقتل تؤكد هذه المقولة)(4).
ج- تؤكد الدراسات التي أجريت على المناهج الدراسيَّة في الغرب بأنَّ تلك المناهج قد صيغت على نحوٍ لم تظهر من خلاله وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة بل أظهرتها بأوصاف من أهمها؛ (أن الإسلام ولد بين بدو الجزيرة العربية الذين هم (أميون) كليًّا، والذين يتخذون من غزو القوافل تسلية يعتزون بها) (5)، وأن المسلمين نشروا دينهم عن طريق العنف، وتركز تلك المنهج
= ملك غلام مرتضى: دائرة المعارف البريطانية بين الجهل والتضليل: ص 17 - 23، 67، ترجمة: محمد كمال علي السيد، (مرجع سابق).
(1)
عبد القادر طاش: المرجع السابق نفسه: ص 53.
(2)
نقلًا عن: مرعي مدكور: الإعلام الإسلامي وخطر التدفق الإعلامي الدولي: ص 52، الطبعة الأولى، 1409 هـ - 1988 م، عن دار الصحوة للنشر، القاهرة.
(3)
نقلًا عن: المرجع السابق نفسه: ص 52.
(4)
نقلًا عن: زياد أبو غنيمة: السيطرة الصهيونية: ص 117، (المرجع السابق نفسه).
(5)
عبد القادر طاش: الصورة النمطية للإسلام. .: ص 55، (مرجع سابق)، وانظر: محمد إبراهيم الفيومي: الاستشراق رسالة الاستعمار (تطور الصراع الغربي مع الإسلام): ص 382 - 390، (مرجع سابق).
على مسألة الرق في الإسلام، وتعدد الزوجات، ووضع النساء في المجتمع الإسلامي وأنهنَّ في منزلة دونيَّة بالنسبة للرجال والأبناء (1)، وتذكر بعض كتب التاريخ التي تُدرَّس في المدارس الفرنسية بأنَّ العرب (لم يكونوا إلَّا غزاة غلاظًا متزمتين ومتعصبين، فرضوا دينهم بحد السيف، وأن الدول أو الشعوب التي قبلت باعتناق الإسلام إنَّما فعلت ذلك كي لا تدفع الجزية الباهضة التي فرضها المسلمون على الذين لا يدخلون في دينهم)(2).
ويتناول (مارسيل بوازار) دراسة علميَّة حديثة العهد وهي رسالة ماجستير نوقشت عام 1980 م في جامعة (تولون) بفرنسا. . عن الكتب المدرسية من 1945 م إلى 1971 م، ويقول (بوازار):(إنَّ النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة بالغة الدلالة؛ فمن جهة لم تحظ الحضارة الإسلاميَّة إلَّا بنصيب ضئيل من الكتب المدرسية لا يتجاوز 4% من مضمون هذه الكتب، ومن جهة أخرى اتسم وصفها للإسلام بجمود كبير بالرغم من اكتشافات الدراسات التاريخية المعاصرة)(3).
ومن النماذج التي عرضها (بوازار) الزعم المبثوث في هذه المناهج بأن الرسول صلى الله عليه وسلم منذُ (أُخْرِجَ من مكة ظلَّ مشغولًا باسترجاعها، ومنذُ البداية التجأ للعنف، ومكنه فنه في قيادة الجموع من توحيد أنصاره الذين زرع فيهم روح التعصب، ووعدهم بالجنة إذا ماتوا في سبيل الحرب المقدسة (4).
(1) انظر: المرجعين السابقين: الصفحات نفسها.
(2)
هدى الزين: نحن في عيون تلاميذ باريس، استطلاع أعده مكتب جريدة عكاظ في باريس: ص 5، العدد:[7071]، الصادر بتاريخ، 14/ 2/ 1406 هـ، الموافق 28/ 10/ 1985 م، وانظر: عبد القادر طاش: المرجع السابق نفسه: ص 56.
(3)
نقلًا عن: عبد القادر طاش: الصورة النمطية للإسلام. .: ص 56، 57، (المرجع السابق نفسه).
(4)
المرجع السابق نفسه: ص 57.
يلحظ (بوازار) من خلال تلك الدراسات (1) جملة ملحوظات في مقدمتها ملحوظتان في غاية الأهمية:
أولاهما: (أنَّ الملامح الجوهرية للدين الإسلامي ونبيه تؤكد على (الحرب المقدسة) التبشيرية لإجبار العالم على اعتناق الإسلام، وعلى هذه الصورة التي هي أثر من آثار القرون الوسطى يقدم الإسلام على أنَّه ثقافة عدوانية من خلال نصوص حكمها وقدمها فكر عدواني في أساسه، تحرص على عرض العلاقات بين الإسلام والغرب بعبارات العنف والعداء، حتى يصبح التشويه هو معالم الإسلام الأساسية) (2).
وأخراهما: المشكلة الفلسطينيَّة إذ (إنَّ المشكلة الفلسطينية ليست درسًا من التاريخ المعاصر، وإنَّما هي خطاب سياسي ومذهبي لئيم وشرير، تعرض باللون الأبيض والأسود وبصورة تبسيطية، كأبطال رواية في العصر الحاضر)(3).
على أنَّ هناك تطورًا بطيئًا يتخذ طريقة لتصحيح تلك المناهج في أوروبا
(1) لمزيد من الاطلاع على تلك الدراسات التي أجريت على المناهج الدراسية في أوروبا وأمريكا؛ راجع: مارسيل بوازار: الإسلام اليوم: ص 22 - 30، صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة - (اليونسكو)، الطبعة العربيَّة 1984 م، باريس. وانظر: عبد القادر طاش: الصور النمطية للإسلام. . في الصفحات (52 - 57) وراجع: محمد إبراهيم الفيومي: الاستشراق. . في الصفحات (379 - 390)، (مرجع سابق).
(2)
نقلًا عن: محمد إبراهيم الفيومي: الاستشراق. . . ص 397، 398، وأصله بحث قدمه الدكتور مارسيل بوازار في المؤتمر الثالث لجمعية الإسلام والغرب الذي عقد في إشبيلية في الفترة من 10 سبتمبر إلى 12 منه سنة 1982 م؛ انظر: حاشية ص 391 من المرجع السابق نفسه.
(3)
محمد إبراهيم الفيومي: الاستشراق. .: ص 398، (المرجع السابق نفسه).
وأمريكا (ولن تكون النتائج مرئية إلَّا خلال بضعة عقود؛ لأنَّ الإعلام المبتور والقوالب المضحكة حول الإسلام ما تزال هي الرائجة)(1).
5 -
على الرغم مِمَّا اتسمت به الدراسات الاستشراقية وسار عليه معظم المستشرقين من نفي لوسطية الأُمَّة الإسلاميَّة بصفة مباشرة أو غير مباشرة، فإنَّ هناك من المستشرقين من اعترف بتلك الوسطية وأظهرها بطريقة مباشرة أو ضمنية. . وتفصيل ذلك في النماذج الآتية:
أ- يقول المستشرق (جورج سارطون): (وكان الإيمان في الإسلام بسيطًا، كريمًا، معتدلًا، ومع ذلك فقد كان بالإمكان أن تشيع فيه الحماسة حين البأس إلى حد بعيد فينقلب المجاهدون حيئنذٍ ذوي حميَّة إمَّا أن يبلغوا بها الظفر وأن يسقطوا دونه شهداء)(2).
ففي قول (جورج سارطون) ما يبين وسطية الإسلام واعتداله، وأنه يتسم بالتسامح والكرم والبساطة، وقد تبلغ الحماسة فيه حين البأس إلى حد الاستشهاد أو الظفر، وقد علَّق عمر فروخ على مقولة (سارطون) هذه بمقارنة بينها وبين ما ذهب إليه (توماس أرنولد) من مبالغة في وصفه للتسامح في الإسلام إلى درجة قد تؤثر على مشروعية الجهاد وقال:(وهكذا يستطيع الإنسان فيما يتعلق بالتسامح أن يظهر المسلمين في صورة وضاءة (كما فعل أرنولد) أو في صورة حالكة شديدة (الظلمة)(3)، ولا شك أن الأُمَّة الإسلاميَّة وسط بين طرفين).
(1) انظر: المرجع السابق نفسه: ص 381.
(2)
جورج سارطون: الإسلام كما ينظر إليه المستشرقون المنصفون، محاضرة نقلها عمر فروخ إلى العربية، وألحقها محمد إبراهيم الفيومي في كتابه: الاستشراق. .: ص 411 - 455، (المرجع السابق نفسه)، والمنقول أعلاه: ص 432، (المرجع نفسه).
(3)
الإسلام كما ينظر إليه المستشرقون المنصفون: ص 432، (المرجع السابق نفسه).