الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام والتي اتخذت (صورة تقليد منهجي) في الغرب لا زال قويًّا في بحوثهم ولا يُمكن (إغفالها) في أيّة دراسة لهم عن الإسلام) (1).
ز- ويقول مستشرق آخر: (لا تزال آثار التعصب الديني الغربي ظاهرة في مؤلفات عدد من العلماء المعاصرين، ومستترة في الغالب وراء الحواشي المرصوصة في الأبحاث العلمية)(2).
هذه نماذج للنقد الذي وجهه بعض المستشرقين للمنهج الاستشراقي في دراسته للإسلام، وهي تبين في جلاء إخفاق ذلك المنهج ومجافاته للمنهج العلمي الرصين، ولعل سائلًا يسأل، ألم يصحح هذا المنهج على أيدي هؤلاء الناقدين من المستشرقين؟.
ولعل الجواب على هذا السؤال ما قاله أحد الباحثين: (إنَّ الدارس المتصف بشيء من العلمية الحيادية ليدهش إذا دفع بأنفه في خضم الدراسات الاستشراقية المعاصرة في الإسلام وما يتصل به عندهم. . وهكذا يبدو أن ازدياد المعرفة لم يقطع سوى خطوات محدودة لتبديد ما تراكم عبر القرون من موروثات متراكمة في نفسية المستشرق. . إنهم لم يحاولوا بالرغم من معرفتهم هذه أن يتخطوا الحواجز النفسية المتراكمة حتى يطلعوا بجديد لم يقله أجدادهم. . فإن الباحث يردد الآراء المعروفة والصور المألوفة بمشاعر المغير على ما لا يملك، والفخور بالاكتشاف الجديد، وهو بعد ذلك يلبس القديم ثوبًا جديدًا يشف عن طويته)(3).
ثانيًا: نقد بعض المفكرين والباحثين من العرب والمسلمين للمنهج الاستشراقي:
توافر عدد من المفكرين والباحثين من العرب والمسلمين على نقد
(1) المرجع السابق نفسه: ص 5.
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 5.
(3)
قاسم السامرائي: استشراق. . ص 69، (مرجع سابق).
الاستشراق ودراسة تاريخه في جذوره البعيدة، وحاضره المشاهد، وعلائقه وصلاته، ووصل بعضهم إلى نتائج حاسمة في الحكم على منهجه (وبيان أخطائه وخياناته العلميّة، والكشف عن مقدماته ونتائجه الفاسدة، إلّا أن هذه الدراسات وإن لم ترتفع بعد إلى المستوى الذي يستطيع إلحاق الهزيمة النهائية بعالم الاستشراق؛ فقد كان له أثر لا ينكر في توجيه الأنظار بصورة عامَّة إلى منهجه الفاسد في دراسة الإسلام وحضارته وتاريخه وفضح نوازعه السيئة والكشف عن أهدافه، وتعد هذه الدراسات النقدية بداية طيبة لعمل كبير في هذا المضمار؛ لأن دراسات المستشرقين -كما سبق- من الكثرة والتنوع والذكاء في المعالجة بحيث تحتاج إلى جهود)(1) كبيرة جدًّا.
من أولئك الباحثين: مصطفى السباعي، وعمر فروخ، وعبد اللطيف الطيباوي، ومالك بن نبي، وإدوار سعيد، ومحمود حمدي زقزوق، ومحسن عبد الحميد، وعماد الدين خليل، ومحمد البهي، وقاسم السامرائي، ومحمد عبد اللَّه مليباري، وعلي النملة، وآخرون.
وفيما يأتي نماذج من تلك النتائج التي خلص إليها هؤلاء الباحثون:
أ- لعل من أبرز تلك الدراسات في نقد المنهج الاستشراقي الدراسة التي أنجزها (إدوارد سعيد) وقال عنها محسن عبد الحميد: (من بين عشرات الكتب والدراسات والمقالات التي قرأتها حول الاستشراق. . الدراسة النفسية التي كتبها الدكتور إدوارد سعيد حول الاستشراق بمنهج علمي حيادي صارم)(2).
فتعد دراسة (إدوارد سعيد) عن الاستشراق كما ذكر محسن عبد
(1) محسن عبد الحميد: أزمة المثقفين تجاه الإسلام ص 131، الطبعة الأولى 1405 هـ - 1984 م، عن دار الصحوة. . مصر.
(2)
محسن عبد الحميد: أزمة المثقفين: ص 34، (المرجع السابق نفسه).
الحميد ذات (منهج علمي حيادي وثائقي صارم) في تعرية المنهج الاستشراقي، وكشف زيفه، وربطه بالعنصرية الغربية (1) ضد الشرق بعامة، والإسلام والمسلمين والعرب بصفة خاصة.
ومما ذكره في ذلك أن المستشرقين انتهجوا في دراستهم للإسلام منهجًا يستجيب للمراحل التاريخية التي مرَّ بها الغرب في علاقته بالشرق والإسلام (2)، وأنهم عمدوا إلى تطبيق المقاييس النصرانية على الدين الإسلامي (3).
وبعبارة مجملة فإنَّ كتاب إدوارد سعيد عن الاستشراق (الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء)(4) كان بمثابة الإعلان عن هزيمة المنهج الاستشراقي هزيمة علميَّة منهجية (5)، فقد دلَّل مؤلفه بطرق شتى على أن مهمة الاستشراق في تاريخه الطويل هي إنتاج العالم الإسلامي إنتاجًا آخر من شأنه تحقيق تبعيته للغرب ودوام انقياده لفكره وحضارته وثقافته (6). . . ويتضح ذلك في كثير مما أورده في هذا الجانب مثل ما يأتي:
- (لقد استجاب الاستشراق للثقافة التي أنتجته -الثقافة الغربية- أكثر مما استجاب لموضوعه المزعوم)(7).
(1) انظر: إدوارد سعيد: الاستشراق. . ص 87، 100، وص 42، وص 93، (مرجع سابق).
(2)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 55 وص 41.
(3)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 90.
(4)
انظر: عنوان الكتاب، الطبعة الثانية 1984 م، نقله إلى العربيَّة: كمال أبو ديب، (مرجع سابق).
(5)
انظر: مقدمة المترجم للمرجع السابق نفسه: ص 1، 4، 5، 7.
(6)
انظر: إدوارد سعيد: الاستشراق. .: ص 39، (المرجع السابق نفسه).
(7)
المرجع السابق نفسه: ص 55.
- (إذا كان جوهر الاستشراق هو التمييز الذي يستحيل اجتثاثه بين الفوقية الغربية والدونية الشرقية، فإنَّ علينا أن نكون على استعداد لنلاحظ كيف أن الاستشراق في تناميه وفي تاريخه اللاحق قد عمَّق هذا التميُّز، بل أعطاه أيضًا صلابة وثباتًا)(1).
- يعد كتاب (بارتلمي ديربيلو: المكتبة الشرقية، الذي طبع عام 1697 م، بعد وفاته مع مقدمة لأنطوان غالان، المرجع الرئيسي السائد في أوروبا حتى أوائل القرن التاسع عشر. . . وقد قسم هذا الكتاب التاريخ إلى نوعين: مقدس، ومدنس)(2)، وكان اليهود والمسيحيون في (النوع الأول، والمسلمون في النوع الثاني)(3)، ويعدُّ هذا الكتاب -كما ذكر بعض المؤرخين- (الأب الأول لدائرة المعارف الإسلاميَّة الحديثة)(4).
- (لقد كان أحد الضوابط المقيدة التي أثرت على المفكرين المسيحيين الذين حاولوا فهم الإسلام ينبع من عملية قياسية، ما دام المسيح هو أساس العقيدة المسيحية، فقد افترض -بطريقة خاطئة تمامًا- أن محمدًا كان للإسلام ما كان المسيح للمسيحية، ومن ثمّ إطلاق التسمية "المحمدية" على الإسلام)(5)، وإنّ مما يترتب على هذا الخطأ العلمي والمنهجي الذي وضحَّه (إدوارد سعيد) هو نسبة النصرانية إلى الإله، وعلى هذا تكون ديانة سماوية؛ لأن المسيح جزءٌ -في معتقداتهم- من الإله، فالنصرانية بناءً على هذا تعد ديانة إلهية سماوية، أمَّا عندما ينسب الإسلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم فليس
(1) المرجع السابق نفسه: ص 73.
(2)
انظر: إدوارد سعيد: الاستشراق ص 93، 94، (المرجع السابق نفسه).
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 93.
(4)
جمال الدين الشيال: التاريخ الإسلامي. .: ص 95، (مرجع سابق).
(5)
إدوارد سعيد: المرجع السابق نفسه: ص 90، 94.
يعني ذلك في مفهومهم إلَّا أن الإسلام دين بشري من صنع محمد وليس من عند اللَّه.
ومن أبرز ما ترمي إليه هذه المغالطة أن الدين الجدير بالنشر والعلو والسيادة هو الدين السماوي، وهو -في تصورهم- النصرانية (المسيحية) وليس الإسلام، وقد أصبح هذا التلبيس والخلط الذي يعمد إليه المنهج الاستشراقي، ويستثمره الغرب بمثابة منهج تربوي مؤثر في الأجيال الغربية، يقول (مورشى بوكاي):(لا أنكر تأثير التعاليم التي تلقيتها في شبابي، حيث لم تكن الأغلبية تتحدث عن الإسلام وإنّما عن المحمديين، لتأكيد الإشارة إلى أن (هذا) الدين أسسه رجل، وبالتالي فهو ليس بدين سماوي فلا قيمة له عند اللَّه، وكان أن أظل محتفظًا كالكثيرين بتلك الأفكار الخاطئة عن الإسلام، وهي شديدة الانتشار) (1).
- يقول إدوارد سعيد -أيضًا-: (والمستشرق إلى حد بعيد يزود مجتمعه بتمثيلات للشرق:
1 -
تحمل طابعه المميز الخاص.
2 -
توضح تصوره لما يُمكن للشرق أو ينبغي له أن يكون.
3 -
تتحدى تحديًا واعيًا وجهة نظر إنسان آخر إلى الشرق.
4 -
تزود الإنشاء الاستشراقي بما يبدو، في تلك اللحظة، بأمسّ الحاجة إليه.
5 -
تستجيب لمتطلبات معينة ثقافية، ومهنية، وقومية، وسياسية، واقتصادية تفرضها الحقبة التاريخية) (2).
(1) موريس بوكاتي: القرآن والتوراة والإنجيل والعلم: ص 144، (مرجع سابق)، وانظر: محمد بركات البيلي: الخلفية التاريخية للاستشراق ومنهجه في كتابة التاريخ الإسلامي: ص 139، (مرجع سابق).
(2)
إدوارد سعيد: الاستشراق: ص 275، (المرجع السابق نفسه).
ب- وفي دراسة محمود حمدي زقزوق للاستشراق في كتابه: (الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري) بيان لما في المنهج الاستشراقي من الانحرافات عندما يدرس تاريخ الإسلام وحضارته بصفة خاصة، (في حين أنهم عندما يكتبون عن ديانات وضعية مثل البوذية والهندوكية وغيرهما يكونون موضوعيين في عرضهم لهذه الأديان، فالإِسلام فقط من بين كل الديانات التي ظهرت في الشرق والغرب هو الذي يهاجم، والمسلمون فقط من بين الشرقيين جميعًا هم الذين يوصمون بشتى الأوصاف الدنيئة)(1).
وتحت عنوان: منهج المستشرقين ناقش مقولة (رودي بارت) في المنهج الاستشراقي، ومما جاء فيها:(. . . ونحن بطبيعة الحال لا نأخذ كل شيء ترويه المصادر على عواهنه دون أن نعمل فيه النظر، بل نقيم وزنًا فحسب لما يثبت أمام النقد التاريخي. . . أو يبدو وكأنه يثبت أمامه، ونحن في هذا نطبق على الإسلام وتاريخه وعلى المؤلفات العربيَّة التي نشتغل بها المعيار النقدي نفسه الذي نطبقه على تاريخ الفكر عندنا وعلى المصادر المدونة لعالمنا نحن)(2)، وعقبت الدراسة على هذه المقولة بما ذكره أحد المفكرين في مناقشته المنهج الاستشراقي وعمل المستشرقين إذ قال: (فالقوم يدرسون العلوم الإسلاميَّة العربيَّة، ويضعون نظريات ويكونون آراء في أثناء ما يقومون به من دراسات، ويهتمون بتقديم أدلة وأسانيد لهذه الآراء والنظريات، يستمدونها من المراجع الإسلاميَّة نفسها، وهذا العمل
(1) زقزوق: الاستشراق. . ص 117، (مرجع سابق)، وانظر: محمود حمدي زقزوق: الإسلام في تصورات الغرب ص 14، الطبعة الأولى 1407 هـ - 1987 م، عن مكتبة وهبة - مصر.
(2)
رودي بارت: الدراسات الإسلاميَّة والعربية. .: ص 10، (مرجع سابق)، وانظر: زقزوق: الاستشراق. .: ص 77، (مرجع سابق).
في ظاهره عمل سليم، ولكن الفحص الدقيق أثبت أن كثيرًا منه مصنوع، وكثيرًا ما يكون الدافع إليه الرغبة في التجريح، وتوهين العقيدة الدينية والشريعة الإسلاميَّة) (1).
وأورد في مناقشته مثالًا يبين تحامل المنهج الاستشراقي على الإسلام وتاريخه بما يخالف المنهج العلمي في المنطلق والغاية والمثال هو منهج (جاستون فييت) في كتابه (مجد الإسلام) وفيه يعرض تاريخ الإسلام من خلال (صفحات مختارة من أقوال المؤرخين والكتاب المعاصرين لكل فترة من فترات هذا التاريخ)(2).
والكتاب ينضح بالحقد والطعن في تاريخ الإسلام وحضارته؛ (لأن (جاستون فييت) اختار-فقط- النصوص التي تتفق مع الاتجاه الذي اختاره هو سلفًا، وهو اتجاه يتسم بالعداء والكراهية للإسلام والمسلمين) (3).
وتؤكد دراسة محمود حمدي زقزوق عدم صلة هذا المنهج بالمنهج العلمي النزيه، فالواقع أنه (ليس من العلم في شيء، وإنَّما هو انحراف عن المنهج العلمي السليم. . وهذا الانحراف طابع الكثير من الدراسات الاستشراقية حول الإسلام)(4).
(1) إبراهيم اللبان: المستشرقون والإسلام، ص 32، نقلًا عن زقزوق: الاستشراق. .: ص 77، 78، (المرجع السابق نفسه).
(2)
حسين مؤنس: كتاب (مجد الإسلام) لجاستون فييت، دراسة للأستاذ حسين مؤنس أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة (حينذاك) نشرت بالملحق الأدبي لجريدة الأهرام. . . وألحقها محمد البهي في كتابه: الفكر الإسلامي الحديث. . . ص 458 - 471، المنقول أعلاه في ص 460، وانظر: زقزوق: الاستشراق. . ص 78، (المرجع السابق نفسه).
(3)
زقزوق: الاستشراق: ص 78، (المرجع السابق نفسه).
(4)
المرجع السابق نفسه: ص 78، 79.
إنَّ المتأمل في مقولة (بارت) وما كتبه (جاستون فييت) في كتابه (مجد الإسلام) لا يسعه إلَّا أن يسجل على المنهج الاستشراقي مأخذين في غاية الأهمية:
أحدهما: إنّ المنهج النقدي الذي يذكر (بارت) بأن المستشرقين يطبقونه على تاريخ الغرب وعلومه لا يصلح أن يطبق على الإسلام وتاريخه؛ لاختلاف المنطلقات والغايات، ومصادر المعرفة، وتباين البيئات.
والآخر: إنّ ما عمد إليه (جاستون فييت) في كتابه (مجد الإسلام) يعد منهجًا اختياريًّا انتقائيًّا تحكمه الأهواء والأغراض والمصالح، وهذا لا يمت إلى المنهج العلمي بصلة، وقد درج على مثل هذا المنهج الزائغ كثيرٌ من المستشرقين، كما أشار إلى ذلك (رودنسون) في قوله:(ولم ير المستشرقون في الشرق إلَّا ما كانوا يريدون رؤيته، فاهتموا كثيرًا بالأشياء الصغيرة والغريبة)(1)، وقال أيضًا:(حين كان الغربيون يذهبون إلى الشرق كانت تلك (أي: صورة المشوهة للشرق) هي الصورة التي يبحثون عنها، فينتقون ما يرونه بعناية، ويتجاهلون كل ما لا تنسجم مع الصورة التي كونوها سابقًا) (2).
ويصل الباحث في نهاية دراسته لما يتصف به المنهج الاستشراقي إلى القول: (إنَّ الإسلام الذي يعوضه هؤلاء المستشرقون -المتحاملون على الإسلام- في كتبهم هو إسلام من اختراعهم، وهو بالطبع ليس الإسلام الذي ندين به، كما أن محمدًا الذي يصورونه في مؤلفاتهم ليس هو محمد الذي نؤمن برسالته، وإنَّما هو شخص آخر من نسج خيالهم، وهكذا يُمكن القول بأن الاستشراق -في دراسته للإسلام- ليس علمًا بأي مقياس
(1) نقلًا عن محمود حمدي زقزوق: الاستشراق. ص 116، (مرجع سابق).
(2)
نقلًا عن المرجع السابق نفسه: ص 116.
علمي، وإنَّما هو عبارة عن إيديولوجية خاصة يراد من خلالها ترويج تصورات معينة عن الإسلام، بصرف النظر عما إذا كانت هذه التصورات قائمة على حقائق، أو مرتكزة على أوهام وافتراءات) (1).
وفي موضع آخر يقول: (نحن نرفض -ومعنا الحق- منهج المستشرقين في دراسة الإسلام؛ لأنه منهج مصطنع جاء وليد اللاهوت الأوروبي؛ ولأنّه منهج يقصر عن فهم طبيعة الأديان السماوية، ويحاول أن يضعها في سعيد واحد مع الاتجاهات الفكرية الإنسانية)(2).
ج- وإذا كانت دراسة إدوارد سعيد قد تناولت الاستشراق بشكل شمولي، وكشفت أن (الاستشراق كان -جوهريًا- مذهبًا سياسيًّا مورس إراديًّا على الشرق. .)(3) فإن دراسة محمود حمدي زقزوق في تناولها منهج المستشرقين وتاريخهم خلصت إلى هذه النتيجة نفسها، وهي أن الاستشراق في حقيقته لم ينفصل عن مبادئ السياسة الغربية وأهدافها على اختلاف نزعاتها ومذاهبها، وتؤكد هذه الحقيقة جُلُّ الدراسات التي تناولت منهج المستشرقين في كتابة التاريخ الإسلامي أو كتابة السنة النبوية أو سيرة
(1) المرجع السابق نفسه: 119، 120، وانظر: جواد علي: تاريخ العرب في الإسلام: ص 95 (مرجع سابق)، فقد انتقد أحد المستشرقين بقوله:(إنَّ المستشرق (كيتاني) وهو من المستشرقين الكبار الأوائل الذين كتبوا عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كان يعتمد منهجًا معكوسًا في البحث يذكرنا بكثير من التلامذة الجدد في حقل التاريخ الإسلامي، والذين يعملون وفق منهج خاطئ من أساسه، إذ أنهم يبيتون فكرة مسبقة ثُمَّ يجيئون إلى واقع التاريخ لكي يستلوا منها ما يؤيد فكرتهم ويستبعدوا ما دون ذلك" إلى أن قال:"لأنَّه صاحب فكرة يريد إثباتها بأي طريقة كانت، وكيف يتمكن من إثباتها وإظهارها وتدوينها إذا ترك تلك الروايات وعالجها معالجة نقد وجرح وتعديل على أساليب البحث الحديث. . . ".
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 89.
(3)
إدوارد سعيد: الاستشراق. . . ص 21.
المصطفى صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من الدراسات في كل ما يتعلق بالإِسلام والمسلمين، ويكشف ذلك كثير من الدراسات التي ركزت على نقد منهجية مستشرق بعينه أو صنف من المستشرقين حسب جنسياتهم، أو فتراتهم التاريخية، أو انتماءاتهم العقيدية والسياسية، فهذه الدراسات على اختلاف موضوعاتها ودارسيها من المستشرقين تبين قدرًا مشتركًا من منهجهم حينما يكتبون عن الإسلام وعلومه وتاريخ أمته يتفق مع ما توصل إليه الناقدون من العرب والمسلمين.
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره عماد الدين خليل في نقده لمنهج المستشرق البريطاني المعاصر (مونتكمري وات) في دراسة السيرة النبوية، فهو يقول:(نعم. . ثمة فرق بين مستشرق وآخر. . . ونحن إذا قارنا (وات) بـ (لامانس) مثلًا أو حتى بـ (فلهوزن)، وجدنا هوة واسعة تفصل بين الرجلين. . يقترب أولهما حتى ليبدو أشد إخلاصًا لمقولات السيرة من أبناء المسلمين أنفسهم. . ويبَعد ثانيهما حتى ليبدو شتامًا لعانًا وليس باحثًا جادًّا يستحق الاحترام، ومع ذلك فهو فرق في الدرجة وليس في النوع) (1).
ويبدو أن الناقد اختار (مونتغمري وات) في بحثه؛ لأنه -كما يرى- أكثر المستشرقين حيادية (2)، فقد خلص مع ذلك إلى النتيجة الآتية: (فإذا بنا نقف على بعض جوانب الخلل في منهج العمل. . نزعة نقدية مبالغ فيها تصل إلى حد النفي الكيفي، وإثارة الشك حتى في بعض المسلمات، تقابلها نزعة افتراضية تثبت بصيغة الجزم والتأكيد ما هو مشكوك بوقوعه
(1) عماد الدين خليل: المستشرقون والسيرة النبوية، بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر (مونتغمري وات)، مناهج المستشرقين في الدراسات العربيَّة والإِسلامية 1/ 193، (مرجع سابق).
(2)
المرجع السابق نفسه: 1/ 193.