الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فوجه منها: العالمين الجن والإنس. .، والثاني: العالمين عالمو الزمان. . . [كقوله تعالى]. . .: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان: 32] يعني: عالمي زمانهم. الثالث: العالمين من وُلِدَ من ولد آدم إلى قيام الساعة. . . الرابع: العالمين من كان من الخلق من بعد نوح عليه السلام. . . الخامس: العالمين أهل الكتاب)(1).
وجاء في لسان العرب: (معنى العَالَمين: كل ما خلق اللَّه، كما قال: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164] (2).
وهذا المعنى يلتقي مع قول بعض المفسرين في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3)، إذ قالوا:(يراد به كل موجود سوى اللَّه تعالى، فيعم جميع المخلوقات)(4).
ب- تعريف العالميَّة في الاصطلاح:
يتضح مِمَّا تقدم في معنى (العالم) و (العالمين)، عموم هذين اللفظين وشمولهما لأجناس من الخلق في زمان أو مكان سواء اقتصرا على جنس بعينه، أو على زمان محدد، أو مكان معين، أو اتسع ذلك العموم والشمول لجميع أجناس المخلوقات فيدخل فيه جميع خلق اللَّه وما سوى اللَّه فهو عَالَم، واتسع لكل مكان ولكل زمان إلى قيام الساعة.
لذلك فإنَّ مفهوم العالم يتأرجح حول هذه المعاني، فمن العلماء من
(1) قاموس القرآن (أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم)، مادة (العالمين)، (مرجع سابق).
(2)
ابن منظور: مادة (علم)، (مرجع سابق).
(3)
انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/ 23، 24، (مرجع سابق). وانظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/ 97، (مرجع سابق). وانظر: الشوكاني: فتح القدير 1/ 21، (مرجع سابق).
(4)
أبو القاسم محمد بن أحمد الغرناطي: التسهيل لعلوم التنزيل: ص 33، (مرجع سابق).
عرَّف العالم بأنَّه: (عبارة عمن يعقل؛ وهم أربع أمم: الإنس، والجن، والملائكة، والشياطين)(1)، ويخرج من ذلك كل العوالم التي لا تعقل كالبهائم، والطير، ونحوهما.
ومن العلماء من عرَّف العالم بأنه: (الجن والإنس)(2) بالنظر إلى كونهم المعنيين بالرسالة والتكليف.
ومن العلماء من عرَّف العالم بأنه (كل ما خلق اللَّه في الدنيا والآخرة)(3)، وربُّ العالمين:(إله الخلق كلِّه، السموات كلهن، ومن فيهن، والأرضون كلهن ومن فيهن ومن بينهن مِمَّا يعلم ومِمَّا لا يعلم)(4).
وأمَّا المفهوم العام للعالميَّة (5) باعتبارها إحدى خصائص تميُّز الأُمَّة الإسلاميَّة فهو: السمة العامَّة الشاملة لهذا التميُّز وملاءمته للمكلفين في كل مكان، وصلاحيته في كل زمان؛ لأنَّه ينبثق من عقيدة الإيمان باللَّه المالك لكل شيء، ورب كل شيء، والذي أحاط بعلمه كل شيء، ويقف المكلفون إزاءه على قدم المساواة، دون النظر إلى أجناسهم، أو لغاتهم، أو أوطانهم، أو أزمانهم، ولأنه ينتهج نظامًا شرعه اللَّه عز وجل.
فعلى هذا يكون هذا التميُّز عامًّا شاملًا، وإذا كان المكلفون (الجن والإنس) هم المعنيين به في المقام الأول منذُ بعث إليهم الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وإلى أن تقوم الساعة، فإنَّ هذا التميُّز بملاءمته لأوضاع الحياة
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/ 97، (مرجع سابق).
(2)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 97، (المرجع السابق نفسه).
(3)
الشوكاني: فتح القدير 1/ 21، (مرجع سابق).
(4)
المرجع السابق نفسه 1/ 21.
(5)
وزيادة الياء المشددة والتاء المربوطة في العالميَّة يسمى (مصدر صناعي) كالحريَّة والإنسانية ونحوهما؛ انظر: أحمد الحملاوي: شذا العرف في فن الصرف: ص 50، الطبعة الخامسة، 1345 هـ، عن مطبعة دار الكتب العربية.
يستوعب غيرهما من أصناف الخلق؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
قال ابن قيم الجوزية في تفسيرها: (أصح القولين في هذه الآية: أنها على عمومها، وفيها على هذا التقدير وجهان:
أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته، أمَّا اتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة. . .) (1).
وبعد أن يبين تحت هذا الوجه ما ناله أعداؤه المحاربون من هذه الرحمة، وكذلك المعاهدون قال: (وأمَّا المنافقون: فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهليهم واحترامها، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها، وأمَّا الأمم النائية عنه: فإنَّ اللَّه سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض، أصاب كل العالمين النفع برسالته.
الوجه الثاني: أنَّه رحمة لكل أحد، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردوها، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم، لكن لم يقبلوها، كما يقال: هذا دواء لهذا المرض، فإذا لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض) (2).
ويتسع نطاق العالميَّة في الإسلاميَّة لتشتمل العناية بالعجماوات وقضايا البيئة (3)، وجميع مشمولات الكون، والدلائل على ذلك كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، ويكفي الإشارة إلى أمرين:
(1) بدائع التفسير 3/ 198، (مرجع سابق).
(2)
بدائع التفسير 3/ 198، (مرجع سابق).
(3)
بدأت العناية بالبيئة تشق طريقها الرسمي الدولي منذُ عام 1962 م، تحت تأثير التلوث البيئي الذي حدث بسبب تدخل الإنسان، وإفساده لخواص البيئة الطبيعية بما أدخله من =
أولهما: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالإحسان في التعامل مع ذوات الأرواح حتى في القتل والذبح، وينهى عن العبث بها أو أنْ تتخذ هدفًا، أو تقتل صبرًا أو تحرق، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه "نهى أن يقتل شيء من الدواب صبرًا"(1).
والآخر: أنَّ من الثابت في سيرته صلى الله عليه وسلم ما يحدث من شكوى بعض العجماوات إليه، وعلى سبيل المثال: القصّة التي رواها الإمام أحمد عن (الحُمَّرَة)(2) التي جاءت: "ترف على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤوس أصحابه"(3)، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه:"أيكم فجع هذه"؟ فقال رجل من القوم: أنا أصبت لها بيضًا. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اردده"(4).
وخلاصة القول: أنَّ المراد بالعَالَمِيَّة هنا ما اتسم به تميُّز الأُمَّة
= مواد ملوثة، وكلما ازدادت هذه لتناوله هذه القضية في وقت سابق لظهور أهميتها والأهم من ذلك طرحه التدابير الواقية من فسادها واختلال التوازن فيها؛ لمزيد من الاطلاع على هذا انظر: عبد الوهاب العشري: التلوث البيئي. . والإعجاز العلمي للقرآن الكريم، مجلة تجارة الرياض: ص 34، 35، العدد [378]، السنة [33] رمضان 1414 هـ - 1994 م.
وانظر: محمد أحمد رشوان: تلوث البيئة وكيف عالجه الإسلام: ص 47 - 69، من منثورات جامعة الإمام، 1414 هـ - 1994 م.
(1)
أخرجه مسلم: صحيح مسلم: 3/ 1550، الحديث رقم:(1959)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق)، وانظر: مقال مسفر بن سعيد بن دماس الغامدي: رحمه الله. .؛ ص 219، (مرجع سابق)، مجلة البحوث الإسلاميَّة.
(2)
(الحُمَّرَة: بضم الحاء وتشديد الميم وقد تخفف: طائر صغير كالعصفور). ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر: ص 439 مادة (حمر)، (مرجع سابق).
(3)
أخرجه أحمد: المسند للإمام أحمد: 1/ 404، بتحقيق: أحمد شاكر: 5/ 320، الحديث رقم:(3835)، وقال:"حديث صحيح"، (مرجع سابق).
(4)
جزء من الحديث السابق نفسه.
الإسلاميَّة من السعة والشمول والصلاح والملاءمة لجميع خلق اللَّه، وأنَّ نظام الإسلام وهديه يحقق الانسجام مع حركة الكون والتاريخ والحياة؛ لأنَّه صراط اللَّه المستقيم، ودينه الخاتم حتى يرث اللَّه الأرض ومن عليها، أمَّا مصطلح العالميَّة بوصف أنَّها:(مذهب معاصر يدعو إلى البحث عن الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعددة في الخلافات المذهبية)(1) فإنَّه يتعارض -على إطلاقه- مع الإسلام من حيث كون الاختلاف من سنن اللَّه في المجتمع البشري لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118]، فالصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة، والجاهلية والإسلام؛ صراع قدري واقعي بأدلته النقلية والعقلية، بيد أنَّ الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يحقق العالميَّة ليس من حيث قسر الخلق على السير في منهجه وإكراههم على الدين، ولكن من حيث ملاءَمتُه لطبيعة الخلق ووفاؤه بحاجاتهم فهو -كما سلف القول-:(هذا دواء لهذا المرض فإذا لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواءً لذلك المرض)(2).
* * *
(1) بكر بن عبد اللَّه أبو زيد: معجم المناهي اللفظية: ص 370، 371، مادة (عالمية الإسلام)، الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1996 م، عن دار العاصمة - الرياض.
(2)
ابن قيم الجوزية: بدائع التفسير 3/ 198، (مرجع سابق).