الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضدها من الشرك. . . في حقه سبحانه وتعالى، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدمة على وظائف الدين، ثُمَّ صرح بإثبات النبوة، والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية. . . ثُمَّ دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات التي هي حكمة الدنيا فدعاهم إلى الصلاة) (1).
وبهذا يتضح تأثير الصلاة في الفرد والأُمَّة، وأنها (بمنزلة القلب من الجسد، فبصلاحها يصلح وبفسادها يفسد. . . ومن هنا كانت أول ركن عملي شرع من أركان الإسلام، وكانت أول عمل ينظر فيه من عمل المرء، فان قبلت منه نُظرَ فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل لم ينظر في شيء من عمله)(2).
ثانيًا: الزكاة:
وهي في اللغة: من الفعل (زكى) ويدل على معانٍ عدَّة منها النماء والزيادة والطهر. قال ابن فارس: (والأصل في ذلك كلّه راجع إلى هذين المعنيين، وهما النماء والطهارة)(3).
وعرّفت الزكاة في الاصطلاح بتعريفات كثيرة؛ منها: (اسم لإخراج شيء مخصوص، من مال مخصوص على وجه مخصوص)(4).
ومنها: (مال مخصوص يخرج من مال أو بدن مخصوص على وجه مخصوص)(5).
(1) المرجع السابق نفسه: ص 60.
(2)
محمد أبو الفتح البيانوني: العبادة ص 131، (مرجع سابق).
(3)
معجم مقاييس اللغة: مادة (زكى)، (مرجع سابق).
(4)
شمس الدين الزركشي: شرح الزركشي: 2/ 372، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد الرحمن الجبرين، (مرجع سا بق).
(5)
محمد حسن أبو يحيى: أهداف التشريع الإسلامي: ص 344، الطبعة الأولى 1405 هـ - 1985 م، عن دار الفرقان - الأردن.
ومنها: (هي حق واجب في مالٍ مخصوص، لطائفة مخصوصة، وفي وقت مخصوص)(1).
ومهما كانت هذه التعريفات تلم بالزكاة من حيث أحكامها ومشمولاتها ومن تجب عليه ومن تجب له ومقدارها، والأنواع التي تجري فيها إلَّا أنَّ التركيز هنا على الزكاة باعتبارها (العبادة المالية الاجتماعية المهمة، وهي الفريضة الثانية في الإسلام، قرنها القرآن بالصلاة في عشرات المواضع، وذكرها تارة بلفظ الزكاة، وطورًا بلفظ الصدقة، وأحيانًا بلفظ الإنفاق)(2).
وبلغ أمر الاهتمام بشأنها وهي قرينة الإيمان والصلاة والعمل الصالح، أن قاتل أبو بكر الصديق وهو خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليها من منع أداءها، وأقرته الأُمَّة على ذلك، وحكمت على من لم يؤدها لبيت مال المسلمين بالردَّة عن الدين، وقد رُويَ أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال:"واللَّه لأقاتلنّ من فرَّقَ بين الصلاة والزكاة"(3).
كما أنَّ الزكاة من العبادات المعروفة في الأديان السابقة للإسلام التي تبرز (جانب البر بالفقراء والإحسان إلى المساكين)(4) في الأديان السماويَّة، بيد أنها في الإسلام بلغت ذروة التمام والكمال شأنها في ذلك شأن سائر أركانه وشعائره وهديه، (إنَّها ركن من أركان الإسلام، ودعامة من دعائم الإيمان، وإيتاؤها -مع إقامة الصلاة والشهادة للَّه بالوحدانية
(1) المرجع السابق: ص 344.
(2)
يوسف القرضاوي: العبادة في الإسلام: ص 235، (مرجع سابق).
(3)
أخرجه البخاري: صحيح البخاري 1/ 507، كتاب الزكاة، باب [1] الحديث رقم [1335]، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، (مرجع سابق)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان.
(4)
يوسف القرضاوي: العبادة في الإسلام: ص 237، (مرجع سابق).
ولمحمد بالرسالة- عنوان الدخول في الإسلام، واستحقاق أُخُوَّة المسلمين:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]، والزكاة في الإسلام ليست (تبرعًا) يتفضل به غني على فقير، أو يحسن به واجد إلى معدم، إنَّها أبعد من ذلك غورًا، وأوسع أفقًا، إنَّها جزءٌ مهم من نظام الإسلام الاقتصادي. . . الفريد، الذي عالج مشكلة الفقر، أو مشكلة المال على وجه عام، قبل أن تعرف الدنيا نظامًا عني بعلاج هذا الجانب الخطير من حياة الإنسان) (1).
وإنَّ للزكاة في جميع أنواعها آثارًا حميدة تعود بالخير على الفرد والأمَّة، منها على سبيل الإيجاز الآتي:
أ- تهذيب النفوس البشريَّة وتطهيرها من عوامل الأثرة والشح والبخل، وسيطرة المال بمختلف صوره على نفوس الأغنياء من جهة، وتطييب لنفوس الفقراء والمساكين والمستحقين للزكاة من الفئات الأخرى، والإسهام في إغنائهم ودفع غائلة الحاجة عنهم وما تسببه من مفاسد وانحرافات، قد تضر بسلامة الأُمَّة وأمنها، وتسبب الفوضى في المعتقدات والسلوك، وهذا واقع المجتمعات الأُخرى، أمَّا مجتمعات الأُمَّة الإسلاميَّة فإنها وبقدر ما تلتزم بشرع اللَّه، ومنه أداء الزكاة المفروضة تسهم في قيام نظام اجتماعي متوازن يتحقق فيه التضامن والتكافل والتراحم والتعاطف والإلفة والمحبَّة؛ يعطي الغني فيه الفقير من ماله الذي هو في تصوره
(1) يوسف القرضاوي: العبادة في الإسلام: ص 238، (مرجع سابق). وانظر: رفعت فوزي: أركان الإسلام. . . ص 102 - 104 (مرجع سابق). وانظر: أثر تطبيق النظام الاقتصادي في المجتمع (من البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقدته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة بالرياض 1396 هـ)، ونشرته 1404 هـ - 1984 م: ص 7، 8، 281، 307، 380، 386، 394، 434، 436، 510، 511، 576.
واعتقاده مال اللَّه، وهو مستخلف فيه مسؤول عنه، وأن عليه فيه حقوقًا متنوعة {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25]، ابتغاء مرضاة اللَّه والفوز بثوابه، فيخرجه أداءً للواجب وبراءة للذمَّة من غير استعلاء ولا منَّة، بل عبادةً للَّه وشكرًا واستشعارًا للبركة التي يرجو أن يطرحها اللَّه في ماله، ويأخذه الفقير والمستحق بصفة مشروعة، والمنَّة في ذلك والشكر للَّه، مع الشعور بالأخوة الإسلاميَّة التي أوجبت له في مال أخيه ما يسهم في سد حاجته.
يقول الماوردي عن الزكاة هي: (مواساة للفقراء، ومعونة لذوي الحاجات تكفهم عن البغضاء، وتمنعهم من التقاطع، وتبعثهم على التواصل)(1).
وفي هذا السياق فإنَّ الإسلام تفرد في نظام الزكاة ونحوها من النفقة والصدقة والكرم والإيثار بآداب سامية، حيث نهى الباذل أن يلحق ما بذله شيئًا من الأذى والمنَّة ونحوهما، وذهب بعض العلماء إلى أن المنّ من كبائر الذنوب (2).
ومن الآداب التي أرشد الإسلام الفقير إليها أن يشكر اللَّه أولًا ثُمَّ يشكر من أعطاه، ويدعو له، ويثني عليه، ولا يستصغر المبذول له أو يذمه، كما أنَّ عليه ألا يأخذ إلَّا بقدر حاجته ولا يستكثر بما يعطى، وأن يعتمد على اللَّه ثُمَّ على نفسه فيجدّ ويجتهد للكسب من عمله، وهذا ما حثَّ عليه الإسلام، أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1) أدب الدنيا والدين: ص 73، طبعة دار الصحابة القاهرة، (بدون تاريخ)، وانظر: أحمد عبد الرحمن إبراهيم: الفضائل الخلفية في الإسلام: ص 203، 204، (مرجع سابق).
(2)
انظر: أحمد عبد الرحمن إبراهيم: المرجع السابق نفسه: ص 207 - 208، وانظر: شمس الدين المقدسي: الآداب الشرعية 1/ 336، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخر، الطبعة الثانية: 1417 هـ - 1996 م، عن مؤسسة الرسالة، بيروت، حيث قال: "ويحرم المنُّ بما أعطى، بل هو كبيرة على نص أحمد رضي الله عنه)، واستشهد على ذلك بحديث أخرجه الإمام أحمد، وآخر أخرجه مسلم. انظر: المرجع السابق نفسه: 1/ 336.
"لأنْ يأخذ أحدكم حبله ثُمَّ يغدو -أحسبه قال- إلى الجبل، فيحتطب، فيبيع، فيأكل ويتصدق، خير له من أن يسأل الناس"(1).
ب- الزيادة والنماء في المال المزكى، وإن كانت الزكاة في ظاهرها، تنقص المال باعتبارها أخذت بعضه، إلَّا أن الزكاة -بموعود اللَّه- سببٌ لزيادة المال ونموه ومضاعفته، قال تعالى:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه:"ما نقصت صدقة من مال"(2) وأخرج الإمام أحمد عن أبي كبشة الأنماري قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث أقسم عليهن. . . ما نقص مالَ عبدٍ صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر إلَّا زاده اللَّه عز وجل، ولا يفتح عبدٌ بابَ مسألة إلَّا فتح اللَّه له باب فقر"(3).
ج- ومن آثار الزكاة أنها تعمل على كسر حدَّة الفوارق بين فئات المجتمع المسلم، ومع أنَّ نظام الإسلام الاقتصادي يقدر (التفاوت الفطري في الأرزاق بين الناس، وأنَّه ناشئٌ لا عن تفاوت فطري آخر في المواهب، والملكات، والقدر، والطاقات، لكن هذا التفاوت الفطري في الرزق ليس معناه أن يدع الغني يزداد غنًى، والفقير يزداد فقرًا، فتتسع الشقة بين الفريقين، ويصبح الأغنياء طبقة تعيش في أبراج من العاج، ويصبح الفقراء
(1) صحيح البخاري 1/ 538، 539، كتاب الزكاة، باب [52] الحديث رقم [1410]، تحقيق: مصطفى ديب البُغا، (مرجع سابق). وقبل هذا الحديث وردت عدّة أحاديث تنهى عن المسألة وتحث على العمل والعفّة والقناعة، وبعضها يجيز قبول ما جاء في المال من غير استشراف إليه ولا سؤاله.
(2)
أخرجه مسلم: صحيح مسلم: 4/ 2001، كتاب البر والصلة والآداب، باب [19]، الحديث رقم [2588]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).
(3)
مسند الإمام أحمد بن حنبل 4/ 231، ورقم الحديث [17570]، ترتيب: دار إحياء التراث العربي، (5/ 273)، (مرجع سابق).