الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحيث إن من المستشرقين من تصدى للكتابة عن إيجابية الأُمَّة الإسلاميَّة، وأبرز جوانب الريادة والسيادة فيها، وأنصف تاريخها في الإسهام الحضاري ونشر العلم والمعرفة وتنمية الحياة البشرية على خير وجه، فقد جاءت مثل هذه الكتابات ردًا مفحمًا -باستخدام المناهج الاستشراقية نفسها- على المتحاملين على الإسلام وأمجاده وتاريخ الأمَّة الإسلاميَّة وحضارتها ويذكر هنا نموذجان (1) -فقط- من المؤلفات التي عالجت هذا الجانب:
النموذج الأول:
كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب)(2) لمؤلفته (زيغريد هونكة)، وقد حاز هذا الكتاب شهرة واسعة ما بين مادح له وقادح فيه؛ حيث انبرى عددٌ من النقاد الأوروبيين لمهاجمة المؤلفة وكتابها واتهامها بالتعصب
= واستغلال الموارد الطبيعية في البلدان الإسلاميَّة (وأن المسلمين غير مؤهلين لأن يستغلوا خيرات بلدانهم، وأن الوصاية عليهم وحدها كفيلة بالنهوض بهم). انظر: عبد الوهاب أبو حديبة: الحياة الاجتماعية في الإسلام كما صورها بعض المستشرقين (مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلاميَّة): 2/ 157، 158، (مرجع سابق).
(1)
لمزيد من الاطلاع على إيجابية الأُمَّة الإسلاميَّة وتفسيرها ونقد آراء المستشرقين التي تعمل على نفي هذه الخصيصة، انظر:
• عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني: افتراءات المستشرقين على الإسلام (عرض ونقد): ص 39 - 43، (مرجع سابق).
• مصطفى الشكعة: مواقف المستشرقين من الحضارة الإسلاميَّة في الأندلس (كتاب مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية): 2/ 273 - 343، (مرجع سابق).
(2)
شمس العرب تسطع على الغرب (أثر الحضارة العربية في أوروبة) ترجمة: فاروق بيضون وكمال دسوقي، الطبعة الثامنة؛ 1413 هـ - 1993 م، عن دار الجيل، ودار الآفاق الجديدة - بيروت.
للعرب والتحيز لهم، وفي مقابل ذلك انبرى آخرون للدفاع عنها، وتأييد ما توصلت إليه من نتائج، وقررته من ثناء على الحضارة العربية.
بينت المؤلفة في مقدمة كتابها: أنها تود: إنصاف الحضارة العربية بعد أن تعرضت لظلم الدارسين الغربيين، وأن أقصى ما اعترفوا به:(أنَّ العرب نقلوا كنوز القدامى إلى بلاد الغرب)(1)، ورأت أنَّ هذه المقولة لا تعدو أن تجعل للعرب في الواقع دور (ساعي البريد فقط)، وأنها تقلل من قدر دورهم الحضاري، وتطمس الكثير من حقائق تاريخهم.
والحقيقة كما تقول المؤلفة: (أنَّ هذا الشعب رائدٌ لغيره من الشعوب في أنحاء الدنيا في غضون سبعمئة وخمسين عامًا، وحاملٌ مشعل الثقافة ردحًا جاوز عصر الإغريق الذهبي بضعفيه أكثر من أي شعب آخر، كما بينت (فضل الحضارة العربية على الإنسانية، وتميزها عن الحضارات السابقة بعدد من الصفات النبيلة)(2)، وأوضحت:(مدى تأثُّر الحضارة الغربية بالحضارة العربية، ودورها في حفظ التراث الحضاري للإنسانية جمعاء، وإبداع العلماء في ظل هذه الحضارة في تصحيح عددٍ كبير من المفاهيم الثقافية والحضارية، وما أضافوا من إنجازات مهمَّة في خدمة الإنسانية، ظلت تُدَرَّس في أوروبا إلى عهد قريب. . .)(3).
ومِمَّا عنت به كذلك دراسة المراكز العلمية للاتصال بين الحضارتين مثل الأندلس وصقلية والبندقية وجنوب فرنسا وإيطاليا، وكذا الأحداث التاريخية التي سببت الاحتكاك الحضاري وبخاصة الحروب الصليبية (4).
(1) المرجع السابق نفسه: ص 62.
(2)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 11 - 14.
(3)
انظر: شمس العرب تسطع على الغرب: ص 17 - 55، (المرجع السابق نفسه).
(4)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 54، 55، وص 485.
كما استشهدت بعدد من الدارسين الغربيين على يد العرب. . كما فصَّلت القول في أثر الحضارة العربية في تقدم كثير من المعارف والعلوم، وعرضت لأسماء بارزة من العلماء المسلمين، وما ابتكروه في شتى العلوم والمعارف.
وخصت الأندلس بقسم مستقل قارنت فيه بين ما كانت عليه الأندلس في ظلِّ الحضارة العربية من نهضة علميَّة وأدبية وفنيَّة وبين ما كانت عليه أوروبا من جهالة مطبقة (1)، وأوضحت أن العرب:(حولوا الأندلس في مئتي عام حكموها من بلد جدب فقير مستعبد إلى بلد عظيم مثقف مهذب يقدس العلم والفنّ والأدب، قدَّم لأوروبا سبل الحضارة وقادها في طريق النور)(2).
وفي تصوير مظاهر الحضارة العربية الإسلاميَّة في الأندلس، وتأثيرها الكبير على الحضارة الغربية، أشارت إلى:
1 -
نقل بعض أنماط الحضارة الغربية عن العرب؛ (كالزخرفة المحبَّبة إلى النفوس، التي ألقت أضواء باهرة جميلة على ذلك العالم الرتيب الذي كان يومًا من الأيام قاتِمًا كالحًا باهتًا)(3).
2 -
نقل كثير من الكلمات العربيَّة إلى بعض اللغات الأوروبية (4)، وكذا نقل الأرقام العربية التي تعلمتها كل الأمم المتحضرة من العرب، (ولولا تلك الأرقام لما وُجِدَ هذا الصرح الشامخ من علوم الرياضة والطبيعة والفلك، بل لما وجدت الطائرات التي تسبق الصوت، أو صواريخ الفضاء. لقد كرمنا هذا الشعب الذي منَّ علينا بذلك الفضل الذي لا يقدر، حين أطلقنا على أرقام الأعداد عندنا اسم الأرقام العربية)(5).
(1) المرجع السابق نفسه: ص 465 - 524.
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 541.
(3)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 20.
(4)
انظر: المرجع السابق نفسه: 17 - 19.
(5)
انظر: شمس العرب تسطع على الغرب: ص 68، (المرجع السابق نفسه).