الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف المستشرقين من اللغة العربيَّة
وإذا كانت اللغة العربية تحتل تلك المكانة في تميز الأُمَّة الإسلاميَّة (التي تناولها البحث في المطلب السابق) فقد أدرك المستشرقون أهميتها، ووقفوا على أثرها في وحدة الأُمَّة الإسلاميَّة من جانب آخر، نقل عن (بوستل) قوله عن اللغة العربية:(. . . إنَّها تفيد بوصفها لغة عالميَّة في التعامل مع المغاربة والمصريين والسوريين والفرس والأتراك والتتار والهنود، وتحتوي على أدب ثري، ومن يجيدها يستطيع أن يطعن كل أعداء العقيدة النصرانية بسيف الكتاب المقدس، وأن ينقصهم بمعتقدات التي يعتقدونها، وعن طريق معرفة لغة واحدة (العربية) يستطيع المرء أن يتعامل مع العالم كله) (1)، ويتباهى (بوستل) أنَّه يقطع العالم الإسلامي من أقصى غربه إلى تخوم الصين دون حاجة إلى مترجم (2)، وما ذلك إلَّا لأنه حذق العربية لغة العالم حينذاك.
ويعترف أغلب المستشرقين بأنَّ القرآن الكريم هو سبب عالميَّة اللغة العربية، وللمثال على ذلك ما قاله (كارل بروكلمان):(بلغت العربيَّة بفضل القرآن من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أيُّ لغة أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعًا مؤمنون بأن العربية وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلاتهم)(3).
(1) نقلًا عن: محمود حمدي زقزوق: الاستشراق والخلفية الفكرية. . .: ص 30، (مرجع سابق).
(2)
نقلًا عن: إدوارد سعيد: الاستشراق. . . ص 81، (مرجع سابق).
(3)
نقلًا عن: محمد مصطفى بن الحاج: عالمية اللغة العربية: ص 274 (مرجع سابق).
ويقول (برنارد لويس): (وقد وجد الطلبة الإنكليز في الهند لدى دراستهم لغات مسلمي الهند ومدنيتهم، أن أبحاثهم وتنقيباتهم تحتم عليهم دراسة العربية التي هي أساس الثقافة الإسلاميَّة في أيِّ لغة من اللغات)(1).
وانطلاقًا من هذه الحقيقة توافر فئام من المستشرقين على تعلم العربية ودراستها ودراسة علاقتها بالإسلام و (كل ما يتصل بها من قريب أو بعيد، فبحثوا في فقهها، وأصواتها، ولهجاتها، ونحوها، وصرفها، وأصولها، ومعاجمها، وأطوارها، وغزارتها، ومادتها، وفلسفتها، وعلاقاتها باللغات الأخرى، وخاصة اللغات الساميَّة، ومميزاتها وعناصرها، وتاريخها، ونقوشها، وكل ما أنتجته هذه اللغة)(2).
وفيما يأتي ذكر بعض المتهمين بالدراسات اللغويَّة العربية، وذكر بعض مؤلفاتهم فيها كنماذج ترد على سبيل المثال:
• (ويهان فاك: العربية (دراسات في اللغة واللهجات والأساليب). . . اهتم المؤلف في هذا الكتاب بدراسة العلاقة بين الإسلام واللغة العربية، ودرس خصائصها وارتباطها بالقرآن الكريم، وتطورها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياتها في العهد الأموي، وأطوارها في العهد العباسي. . . وسيطرتها على العالم الأدبي والعلمي والفكري، ولهجاتها وفصاحتها، وظهور اللغات الدارجة، والعلاقات اللغويَّة في المحيط الإسلامي. . .، وبداية مرحلتها الحديثة بحملة نابليون، ومشكلة اللحن وأطوارها، وغيرها من المسائل) (3).
• (إسرائيل ولفنسون: تاريخ اللغات السامية. . . بحث في اللغة
(1) نقلًا عن: إسماعيل أحمد عمايرة: المستشرقون ونظرتهم في نشأة الدراسات اللغويَّة: ص 20، (مرجع سابق).
(2)
أحمد سمايلوفتش: فلسفة الاستشراق. .: ص 184، (المرجع السابق نفسه).
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 184.
العربية ومنزلتها بين اللغات السامية الأخرى، ثُمَّ في اللهجات العربية البائدة واللهجات العربية الباقية، مشيرًا إلى المنهج العلمي لعلماء الاستشراق في دراستهم للغة العربية وما يتعلق بها) (1).
• (هنري فليش: العربيَّة الفصحى. . . درس اللغة العربية بإسهاب. . . من جوانبها الصوتيَّة والصرفيَّة والاشتقاقيَّة)(2).
• (يوسف جبرا: تاريخ دراسة اللغة العربيَّة بأوروبا، بحث في تاريخ دراسة العربية بأوروبا قديمًا وحديثًا، واهتمام علماء الاستشراق بها ومتعلقاتها)(3).
ومن المستشرقين من توافر على (المعجم العربي كشفًا وتحقيقًا ونشرًا، ودراسة)(4)، ومنهم الآتية أسماؤهم:
• (ماثيو لمسدن: نشر القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزآبادي).
• (إدوارد وليام لين: له مد القاموس، وهو معجم عربي إنجليزي. . . وقد ضمن مقدمته وصفًا لعدد غير قليل من المعاجم العربية القديمة جاء في الإيجاز والإفادة)(5).
• (وليان رايت: له جرزة الحاطب وتحفة الطالب، وهو اسم مجموعة تحتوي على: صفة السرج واللجام لابن دريد، وصفة السحاب والغيث لابن دريد أيضًا، وتلقيب القوافي لابن كيسان)(6).
(1) المرجع السابق نفسه: ص 184.
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 184.
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 184.
(4)
أحمد شرقاوي: معجم المعاجم (تعريف بنحو ألف ونصف ألف من المعاجم العربية التراثية): ص أ، الطبعة الثانية 1993 م، عن دار الغرب الإسلامي - بيروت.
(5)
أحمد شرقاوي: معجم المعاجم. .: ص ب، (المرجع السابق نفسه).
(6)
المرجع السابق نفسه: ص ب.
• (فريتس كرانكو: له بواكير المعاجم العربية حتى عصر الجوهري. . . ونشر: المأثور فيما اتفق لفظه واختلف معناه)(1).
• أرثر ج. أربري: نشر تمام الفصيح لابن فارس) (2).
وكل هؤلاء المستشرقين من الإنجليز وغيرهم كثير من مختلف الجنسيات الأوروبية والأمريكية والروسية بذلوا جهودًا كبيرة في خدمة المعجم العربي في مجال التحقيق، والترجمة، والنشر (3).
ومن المستشرقين من شارك في المجمعات اللغوية العربية في كل من مصر ودمشق وبغداد وغيرها، وأسهم بجهوده في خدمة تلك المجامع (4)، وتسلَّلَ بعض المستشرقين في هذه المجمعات لنفث سمومه وقوادحه في اللغة العربية وفقًا لقول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . .
…
(وداوني بالتي كانت هي الداءُ)(5)
ومهما يكن من جدية هذه الدراسات والبحوث والأعمال التي تصدّى لها أعداد كبيرة من المستشرقين، ومهما يكن لها من إيجابيات فإنَّه قد شاع من بينها شبهات أحاقت باللغة العربية، وكادت أن تقتلها بتضافر تلك
(1) المرجع السابق نفسه: ص ب.
(2)
المرجع السابق نفسه: ص ب.
(3)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص ب، ج. د. وقد أورد أكثر من ثلاثين مستشرقًا من مختلف البلدان الغربية ومؤلفاتهم في المعاجم اللغوية العربية.
(4)
انظر: نذير حمدان: اللغة العربية. .: ص 98 - 134، (مرجع سابق)، وانظر: له اْيضًا: مستشرقون (سياسيون، جامعيون، مجمعيون): ص 137 - 231، الطبعة الأولى 1408 هـ - 1988 م، عن مكتبة الصديق - الطائف.
(5)
من بيت شعر لأبي نواس في إحدى قصائده المعروفة بالخمريات؛ انظر: ديوانه ص 7، طبعة دار صادر، بيروت، (بدون تاريخ) قال فيه:
دع عنك لومي فإنَّ اللوم إغراءُ
…
وداوني بالتي كانت هي الداءُ
الدراسات الاستشراقية مع الخطط الاستعمارية والتنصيريَّة والتغريبيَّة (1) التي جندت أفرادًا من المستشرقين لإشاعة تلك الشبهات على أنَّها مِمَّا يعوق تطور اللغة العربية، وبالتالي فإنَّها عوائق في مسيرة العرب الحضاريَّة.
وللمثال على ذلك ما قاله (دوفرين) في تقرير وضعه عام (1882 م): (إنَّ أمل التقدم ضعيف في مصر طالما أن العامَّة تتعلم الفصحى العربية)(2)، ولتحقيق تلك السياسات الرامية (لزعزعة مكانة اللغة العربية ومكانة موروثها الذي يحتفظ بمقومات المجد الأصيل، ويدخر للأجيال صورًا مشرقة من تاريخهم التي يطمع الغربيون في طمسها، وكان من المستحيل التفكير في إحلال أي لغة أجنبيَّة أو تشجيعها، ولكنه من المعقول في رأيهم التفكير في اللغات العاميَّة العربية وإعطائها فرصة للظهور على مسرح الحياة الثقافية والفكرية، ومن هذا الأمل في نفوسهم بدأت انطلاقة العاميَّة الأولى)(3)؛ لذلك فُتحَتْ المدارس المتخصصة
(1) انظر: لمجموعة باحثين: من قضايا اللغة العربية المعاصرة: ص 29، 21، 217، 238، 240، 261، 264، (مرجع سابق)، ففيها ما أكد الرباط الوثيق بين أعمال المستشرقين في مسار حركتهم العامَّة تجاه اللغة العربية والإسلام وبين التنصير والاستعمار والتغريب، وانظر: نذير حمدان: مستشرقون. . . (المرجع السابق نفسه): ص 255، 256.
(2)
نقلًا عن: محمود محمد شاكر: أباطيل وأسمار. .: ص 147، الطبعة الثانية، 1972 م، عن مطبعة المدني، القاهرة، ولمزيد من معرفة عدد من المستشرقين الذين جندوا لإشاعة تلك الشبهات، انظر:
كارم السيد غنيم: اللغة العربية والصحوة الحديثة: ص 25، (مرجع سابق).
* نفوسة زكريا سعيد: تاريخ الدعوة إلى العاميَّة: ص 55، 77، الطبعة الأولى، 1964 م، عن دار المعارف، القاهرة.
(3)
مرزوق بن صنيتان بن تنباك: الفصحى ونظرية الفكري العامي: ص 30، عن مطابع الفرزدق 1407 هـ - 1986 م - الرياض.
المتشعبة عن الدراسات الاستشراقية في أكثر من بلد غربي لدراسة العاميات الدارجة في شعوب العالم الإسلامي بعامة والبلاد العربية بخاصة (1)، (وركزوا برامج تلك المدارس على التفقه في العاميات خاصة، واستمروا على هذا الحال حتَّى أصلوا دراستها في نفوس عدد كبير من العرب الذين أخذوا مبدأ الاهتمام بالعاميات على أنَّه ثقافات إقليمية، وبدؤوا بنشرها في بلادهم على الطريقة والمنهج الذي سارت عليه مدارس الاستشراق سواء بسواء)(2).
وفيما يأتي إيراد لأهم الشبهات ثُمَّ الرد عليها:
1 -
قصور اللغة العربية عن التطور الحضاري وعجزها العلمي.
2 -
صعوبة نطقها وصعوبة كتابتها.
3 -
ارتفاع مستواها عن فهم الناس.
4 -
التفاوت فيها بين طريقة النطق وطريقة الكتابة (3).
وحرص المستشرقون القائلون بهذه الشبهات على أن تكون شبهاتهم
(1) انظر: المرجع السابق نفسه: ص 30.
(2)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 31.
(3)
انظر: رمضان عبد التواب: بحوث ومقالات في اللغة: ص 166 - 187، الطبعة الثانية، 1408 هـ - 1988 م، عن مكتبة الخانجي - القاهرة.
وانظر: أنور الجندي: الإسلام في وجه التغريب (مخططات التبشير والاستشراق): ص 355 دار الاعتصام، القاهرة، (بدون تاريخ).
وانظر: نذير حمدان: اللغة العربية (بحوث في الغزو الفكري، المجالات والمواقف): ص 39 - 55، (مرجع سابق).
وانظر: جميل عيسى الملائكة: اللغة العربية ومكانتها في الثقافة العربية الإسلاميَّة (من قضايا اللغة العربية. . .): ص 129، (مرجع سابق). وانظر: محمد خليفة الدناع: العربية الفصحى رباط قومي (من قضايا اللغة العربية): ص 168، (مرجع سابق).