الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدم والجنس واللون والقوم إلى رابطة التقوى وعقيدة التوحيد، وقد اعترف بتفرد الإسلام في هذا بعض المستشرقين قائلًا:(كان محمد صلى الله عليه وسلم رسول اللَّه إلى الشعوب الأخرى، كما كان رسول اللَّه إلى العرب)(1)، وقبل ذلك أشاد بما أحدثه الإسلام في المجتمع العربي من تغيير جوهري، جاء على مفهوم القبيلة والأسرة المعروف آنذاك، فمحا عنه النزعة الفردية الشخصية (GENTES)، والموالاة، والجماعات المتحالفة، وأقام بدل ذلك صرحًا اجتماعيًا جديدًا، يرتكز على عقيدة الإيمان باللَّه، وينشئ روابطه كلها، ومنها رابطة القرابة والأسرة على أساس من عقيدة دين الإسلام ووفق مبادئه وقيمه (2).
ثالثًا: موقف المتشككين في عالمية الإسلام:
إذا كان بعض المستشرقين قد أقر بعالمية الإسلام وبعضهم الآخر أنكرها فإنَّ هناك رأيًا آخر شكك فيها، وممن عبَّر عن هذا الموقف المستشرق النيوزيلاندي (سوندرس) الذي يقول:(إن هناك أدلَّة تفيد أن محمدًا قد أراد بدينه أن ينشر على الناس، كما أن هناك أدلة أخرى تفيد أنَّه لم يفعل ذلك، فهي إذًا مسألة من مسائل الشك لا يقطع فيها بأي القولين)(3).
وبعد أن يستشهد بآيات ظاهرها التعارض من وجهة نظره بين عالميَّة
(1) دافيد دي سانتيلا: تراث الإسلام: ص 456، تاليف: جمهرة من المستشرقين بإشراف (سير توماس أرنولد)، تعريب: جرجيس فتح اللَّه المحامي، الطبعة الثانية، 1972 م، عن دار الطليعة، بيروت، وانظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام. . . ص 107، (مرجع سابق).
(2)
انظر: دافيد دي سانتيلا: تراث الإسلام: ص 405، 406، (المرجع السابق نفسه)، وانظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام. . . ص 107، (المرجع السابق نفسه).
(3)
نقلًا عن عباس محمود العقاد: الإسلام دعوة عالمية. . ص 128، (مرجع سابق).
الإسلام وخاصيَّته بالعرب، يعقب على ذلك بقوله:(إنَّ الأوروبيين المتخصصين بالإسلاميات ينقسمون انقسامًا شديدًا في هذه المسألة، فإنَّ (موير) يرى أنَّ الدعوة من البداية إلى النهاية كانت دعوة للعرب ولم يدع بها أحد غيرهم. . . ولكن (ولدكه) و (جولدزيهر) و (أرنولد) -وكلهم ثقات- يقولون: إنَّ محمدًا أراد بدينه منذُ أوائل الدعوة أن يكون عالميًّا ولم يرد به أن يكون مجرد عقيدة وطنيَّة محليَّة) (1).
ولم تقنع هذا المستشرق بعالميَّة الإسلام دلائلها من القرآن الكريم والسنّة النبوية والسيرة المطهرة، وهي الدلائل القوية الثابتة القائمة على النصوص الموثقة التي لا يعتريها الشك، بل كان يود أن يرى مصداق ذلك في وقائع تاريخيَّة تخرجه، ومن سار على أثره من دائرة الشك في عالميَّة الإسلام إلى دائرة الاعتراف بهذه العالمية مثل كتب الرسول صلى الله عليه وسلم ورسله إلى الملوك والعظماء في عصره، فيقول:(إنَّه لو كان قد ثبت أنَّه كتب إلى هرقل، وملك الفرس وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى الإسلام لانتفى الشك بالواقع، ولكن آراء الباحثين -مع الأسف- لا تميل إلى قبول هذه الأخبار، و (مونتغمري وات) يقول: (إنَّ هذه القصَّة لا يُمكن أن تقبل على حسب هذه الروايات)(2).
أمَّا الرد على هذا وأضرابه ممن يُمكن أن يندرجوا مع المنكرين لأدلة عالميَّة الإسلام النقليَّة والعقليَّة والواقعيَّة، فيوضحه بعض من تصدَّى للرد على (سوندرس) في إنكاره أو شكه في هذه الأدلة وذلك بقوله: (بالنظر إلى القرآن الكريم وحده هناك أكثر من أربعين آية يُذكرُ فيها اللَّه سبحانه وتعالى
(1) المرجع السابق نفسه: ص 128، 129.
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 129.
باسم رب العالمين، وهذا عدا الآيات التي ذكر فيها بالنص الواضح أنَّه عليه السلام قد أرسل إلى الناس كافَّة، وأن القرآن قد تنزل عليه ليقرأ على الناس) (1).
أمَّا الأدلة العقليَّة فمنها ما أشار إليه العقاد بقوله: (بأنَّ القرآن الكريم جاء خطابًا من اللَّه على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم لعباد اللَّه، ويستحيل أن يكون أبناء الجزيرة العربية دون غيرهم من البشر في جميع البلدان هم عباد اللَّه)(2).
ومِمَّا يذكر في الرد -أيضًا- أنَّ (سوندرس): (كان منساقًا مع إغراء المقارنة في غير موضع للمقارنة. . من حصر الدعوة الإسلاميَّة بين أبناء الجزيرة العربيَّة التماسًا لوجوه الشبه -التي لا وجود لها- بين الدعوة إلى الموسويَّة والدعوة المسيحية والدعوة إلى الإسلام، فإنَّ أتباع موسى عليه السلام قد دخلوا أرض الميعاد بعد وفاته، وأتباع عيسى عليه السلام هم الذين قاموا بتوجيه الدعوة إلى العالم بعد حصرها في بني إسرائيل، فينبغي على هذا القياس ذهابًا مع شهوة المقارنة بين الأديان في غير موضع للمقارنة أن يكون خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين نشروا الإسلام بين الأمم غير العربيَّة، ولم يكن ذلك من برنامج محمد عليه الصلاة والسلام ولا من أصول رسالته إلى قومه)(3).
ومِمَّا يكشف حقيقة مقولة (سوندرس) وأبعادها أنَّ رأيه في عالمية الإسلام جاء في سياق حديثه في مقال بعنوان: "الخليفة عمر المستعمر العربي"(4)، ولكي يجري المقارنة بين انتشار الإسلام وانتشار اليهودية والنصرانية عمَد إلى التشكيك في عالمية الإسلام، بل قاده هواه وغرضه إلى نفيها.
(1) أحمد إبراهيم الشريف، نقلًا عن عباس محمود العقاد: الإسلام دعوة عالمية: ص 128، (المرجع السابق نفسه).
(2)
الإسلام دعوة عالمية: ص 128، (المرجع السابق نفسه).
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 130، 127.
(4)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 127.
وقد تنبه العقاد إلى هدف آخر يرنو إليه (سوندرس) من خلال مقولته تلك عبَّر عنه بقوله: (أمَّا إذا ساءت النية، وما أكثر الدواعي إلى سوء النية في كتابة تاريخ فلسطين. . فقد يفهم من كلام الكاتب أنَّ دخول الإسلام إلى فلسطين إنَّما كان عملًا من أعمال الاستعمار العربي، ولم يكن هداية دينية خالصة لوجه اللَّه)(1)، وعزَّز العقاد هذا الاستنتاج بقرينة صاحبت ذلك المقال، إذ قال:(ويرد هذا المخاطر -قسرًا- إذا اطلع القارئ في العدد نفسه على مقال مسهب عن دخول اليهود إلى فلسطين، ليتخذوها مأوى لهم وموطنًا موعودًا من عهد الخليل إبراهيم)(2). .
هذا إضافة لما سبق ذكره من الأدلة النقلية والعقلية والواقعية التي تثبت عالميَّة الإسلام وعالميَّة الأُمَّة الإسلاميَّة، ولكن هذا المستشرق وأمثاله من الذين وصفهم العقاد بأنَّهُم:(يقرؤون الكتاب المبين ولا يستبينون منه أظهر معانيه، بل أظهر كلماته، التي لا تحتاج إلى مراجعة من أخبار الإسلام أو أخبار التواريخ)(3)، وصدق القائل:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]، والقائل جل وعلا:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 45 - 46]، وقال تعالى:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44].
وخلاصة القول في آراء (سوندرس) وغيره من المستشرقين الذين شككوا في عالميَّة الإسلام وفي كونها خصيصة تميَّزت بها الأُمَّة الإسلاميَّة
(1) الإسلام دعوة عالمية. .: ص 127، 128، (المرجع السابق نفسه).
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 128.
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 130، وانظر: محمد فتح اللَّه الزيادي: انتشار الإسلام وموقف المستشرقين منه: ص 32 - 34، (مرجع سابق).
على سائر الأمم؛ أن آراءهم تلك اراء أقرب إلى الجهل والغرض والحقد على الإسلام وأمته منها إلى العلم والمنهج النزيه.
والعالميَّة خصيصة من خصائص تَمَيُّز الأُمَّة الإسلاميَّة ثابتة بالنص والعقل والتاريخ (1).
* * *
(1) لمزيد من الاطلاع على أدلة عالميَّة الإسلام، انظر: علي عبد الحليم محمود: عالميَّة الدعوة الإسلاميَّة، الباب الثاني: ص 159 - 448، عن دار الوفاء بمصر، الطبعة الأولى 1412 هـ.