الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- ما قاله أحد المستشرقين من (أنَّ القرآن الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأُخرى، وقد أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب، وحرَّم محمدٌ قتل الرهبان لعكوفهم على العبادات، ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس)(1)، ويشير مستشرق آخر إلى ما فعله الصليبيون حينما دخلوا القدس قائلًا:(بعد أن سقطت المدينة، وقعت المذبحة، إذ ذبح كل المسلمين رجالًا ونساءً وأطفالًا. . . وفي معبد سليمان وحوله؛ خاضت الجياد في الدم حتى الركب بل وحتى اللجام. . أمَّا بالنسبة ليهود القدس فحين اجتمعوا في معبدهم الرئيسي أضرمت فيه النيران وحرقوا جميعًا أحياء)(2).
وإذا كانت هذه الأقوال تنصب على جانب واحد من جوانب الوسطيَّة كخصيصة من خصائص الأُمَّة الإسلاميَّة، صاحبت انتشار الإسلام، واتسمت بها علاقاتها مع الأمم الأخرى، فإنَّ هناك أقوالًا أخرى بينت الوسطية كخصيصة من خصائص الأُمَّة الإسلاميَّة في جانب العقائد وجانب العبادات، ولكنَّها تأتي ضمنًا في تلك الأقوال إذا أُخذَ في الاعتبار ما عليه الأمم الأخرى في تلك الجوانب.
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره بعض المستشرقين عن هذه الوسطية:
أ- يقول (فرانز روزنثال): (وعندما ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت اليهودية والنصرانية منتشرتين في الجزيرة، ولهما آراء متشابهة في التفسير التاريخي
(1) ميشو: تاريخ الحروب الصليبية، نقلًا عن: عفاف صبرة: المستشرقون ومشكلات الحضارة: ص 86، (مرجع سابق).
(2)
كافين رايلي: الغرب والعالم (تاريخ الحضارة من خلال موضوعات): ص 197، ترجمة: عبد الوهاب محمد المسيري وآخر، (مرجع سابق)، ولمزيد الاطلاع على خلفية الحروب الصليبيَّة في تاريخ الغرب واتسامه بالعنف في أعقاب ذلك؛ انظر: المرجع السابق نفسه: ص 175 - 211.
للحياة الإنسانية، غير أن الدين الإسلامي الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتميز بالوضوح والقدرة على تفهم أسس الوجود بصورة واضحة جدًّا ومن غير تعسف، والواقع أنَّ مفاهيم الإسلام أوضح وأقل جمودًا من ناحية العقيدة، من مفاهيم اليهود والنصارى الدينية) (1).
ب- ويقول (جاك ريسلر): (أمَّا الإسلام المسكون بهاجس وحدانية اللَّه وتوحيده، فقد رفض في سياق بحثه عن المطلق عقيدة الأقانيم الثلاثة، وابتعد بذلك عن المسيحية التي كان يتهمها بنوع من الشرك في تصورها لأُلوهيةٍ ذات ثلاثة أشخاص، ولكن الإسلام كان يعترف، بوفاءٍ نادرٍ جدًّا في تاريخ الأديان بأنَّ الكتب العبرانية أو المسيحية كانت منزلة (قبل أن يمسها التحريف)، وكان يتقبل قصص التوراة اليهوديَّة - المسيحية. وكبرهان على رسالته الإلهية، يعترف النبي ويحتج حتى بالتوافق القائم بين القرآن والتوراة،. . . ويدعو اليهود بتسامح وبتعقل في آن إلى طاعة شريعتهم، ويدعو المسيحيين إلى احترام أناجيلهم، ولكن من المؤكد أنَّ عليهم التسليم بالقرآن بصفته آخر كلام اللَّه، ودينه المنزل المميَّز) (2).
ج- ويتحدث (آرثركين) الفيلسوف الأمريكي المسلم، عن سبب إسلامه؛ قائلًا:(لقد بحثت طويلًا في سر الوجود وتعمقت في أبحاثي بحكم دراستي للفلسفة وعلم النفس، ورأيتُ أن الإسلام هو أقرب الأديان إلى السماء وإلى النفس الإنسانية، فتأكد يقيني بأنَّه الدين الكريم الذي أرتضيه وأؤمن به. . .)(3).
(1) علم التاريخ عند المسلمين ص 39؛ ترجمة: صالح أحمد العلي، الطبعة الثانية، 1403 هـ - 1983 م، عن مؤسسة الرسالة، بيروت.
(2)
الحضارة العربية: ص 17، تعريب: خليل أحمد خليل، (مرجع سابق).
(3)
عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا، 9/ 155، 156، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م، عن دار القلم، الكويت، وانظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام. . ص 230، (مرجع سابق).
د- وعن العبادات في الإسلام قال (أميل درمنغم): إن الإسلام (يرى كمال العبادة في نيل الجسم حقه الشرعي)(1)، وقال بعد ذلك:(كان الكثير من المسلمين يكثرون من التوبة والاستغفار والصلاة والصوم، فرأى محمد أن القصد أولى من الإفراط. . . وأشار بالاعتدال في التقشف، وبترك كلِّ ما يميتُ النفس)(2).
ولعل (أميل درمنغم) يشير بقوله هذا إلى النفر الثلاثة الذين جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أصلي ولا أنام، وقال الثالث: وأمَّا أنا فلا أتزوج النساء. فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال:"أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(3).
وعلى أيِّ حال فقد تحدث (أميل درمنغم) عن خصيصة الوسطية في جانب العبادات، وله -أيضًا- أقوالٌ أخرى عن وسطية المجتمع الإسلامي فيما يتعلق بمبادئ العقيدة والتشريع والنظرة إلى الدنيا والآخرة، إذ قال:(على ما تراه في دعوة النبي من المبادئ الأخروية لم يأل النبي جهدًا في تنظيم المجتمع الإسلامي تنظيمًا عمليًّا، فكان القرآن كتاب شريعة كما كان مثل كتاب التنبيه والزبور)(4).
وله بعد ذلك أقوال في مشروعية الأذان ومقاصد العبادات في الإسلام (5) تأتي في مكان آخر إن شاء اللَّه.
* * *
(1) حياة محمد: ص 284، (مرجع سابق).
(2)
المرجع السابق نفسه: ص 286.
(3)
سبق تخريجه: ص 748، (البحث نفسه).
(4)
حياة محمد: ص 289، 290، (المرجع السابق نفسه).
(5)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 290.