الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه من المسلمات، ولذلك انتقلوا من مناقشتها في أساسها والبحث العلمي فيها إلى طرح أساليب ووسائل أخرى للخروج بالعربية من تلك الأزمات التي اختلقوها، ومجمل تلك الوسائل والأساليب فيما يأتي:
1 -
كتابة اللغة العربية أو العاميَّة بالحرف اللَّاتيني.
2 -
الدعوة إلى العاميَّة، وتقعيدها.
3 -
إهمال الإعراب.
4 -
الدعوة إلى تطوير اللغة والتصرف فيها (1).
الرد على الشبهة الأولى:
إن رمي اللغة العربية بالقصور وعدم الكفاية العلميَّة تهمة لا تتفق مع حقيقة اللغة العربية؛ لأنَّها لغة حيَّة عمليَّة لها طاقة هائلة على استيعاب المعاني الغزيرة في الكلمات القليلة (2)، يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه عن هذا الجانب في اللغة العربية:(ولسان العرب أوسع الأسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غيرُ نبيٍّ)(3).
وقد أقرت هيئة الأمم المتحدة عالمية اللغة العربية، وأدرجتها في اللغات المعتمدة (كلغة سادسة لشعوب الأرض كافة، يتكلمها ما يزيد على (180) مليون من العرب، ويقدسها المسلمون؛ لأنَّهَا لغة القرآن الكريم ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم) (4).
(1) انظر: من قضايا اللغة العربية المعاصرة: ص 130، 168، 185، 282، (مرجع سابق)، انظر: نذير حمدان: اللغة العربيَّة. .: ص 74 - 97، (مرجع سابق)، وانظر: السيد رزق الطويل: اللسان العربي والإسلام معًا في معركة المواجهة: ص 47، من سلسلة (دعوة الحق)، السنة السادسة، العدد [60]، ربيع الأول 1407 هـ، عن رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة.
(2)
انظر: نايف معروف: خصائص العربية. . .: ص 74، (مرجع سابق).
(3)
الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر: ص 42، (مرجع سابق).
(4)
انظر: أحمد محمد جمال: تآمر الأعداء على لغة القرآن، (مجلة رابطة العالم =
ومِمَّا جاء في قرار الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة الذي اتخذته بالإجماع في دورتها الثامنة والعشرين لسنة (1973 م): (إنَّ اللغة العربية أدت دورًا مهمًّا في الحفاظ على حضارة الإنسان وتراثه الثقافي، وفي العمل على نشرهما)(1).
ولئن خرجت اللغة العربية من صراعها مع الاستشراق والاستعمار أو كادت أن تخرج بهذه النتيجة؛ فإنها في حقيقة الأمر اللغة الأولى، ويكفيها شرفًا أنَّ اللَّه اختارها لكلامه المجيد، وما أصدق ما قاله (حافظ إبراهيم) في رده على شبهات المستشرقين وتلاميذهم على لسان اللغة العربية:
وسعت كتاب اللَّه لفظًا وغايةً
…
وما ضقتُ عن آيٍ به وعظاتِ
فكيف أضيقُ عن وصف آلةٍ
…
وتنسيق أسْمَاء لمخترعاتِ
أنا البحرُ في أحشائه الدر كامنٌ
…
فهل سألوا الغُوَّاصَ عن صدفاتي؟ (2)
أما الاعتراف للغة العربيَّة بأنها حافظت على تراث الإنسان، وعملت على نشره، فإنَّ ذلك جزءٌ من الحقيقة، وجزؤها الآخر هو ما أسهمت به اللغة العربيَّة من صنع الحضارة الحديثة في مختلف مجالاتها، وما أضافت من ابتكارات علميَّة ومنهجيّة إضافة لتلك الوحدة السلميَّة الفذَّة بين شعوب المعمورة التي عبَّرَت عنه المستشرقة (زيغريد هونكة) بقولها: (إنَّ كل
= الإسلامي، محاضرات موسم 93/ 1394 هـ): ص 98، تصدر عن رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، وانظر: إسماعيل العرفي: اللغة العربية أم اللغات ولغة البشرية: ص 21، الطبعة الأولى 1456 هـ - 1985 م، عن دار الفكر - دمشق.
(1)
نقلًا عن: أحمد محمد جمال: المرجع السابق نفسه: ص 98.
(2)
ديوان حافظ إبراهيم (ضبط وتصحيح وشرح وترتيب): أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري، 1/ 253، 254، عن دار الجيل - بيروت، (بدون تاريخ).
الشعوب التي حكمها العرب اتحدت بفضل اللغة العربيَّة والدين الإسلامي، بتأثير قوة الشخصية العربيَّة من ناحية، وتأثير الروح الإسلاميَّة الفذَّة من ناحية أخرى، في وحدة ثقافية ذات تماسك عظيم) (1).
وأمَّا تخلف الأُمَّة الإسلاميَّة عن ركب الأمم الأخرى في ميادين الصناعة والعلوم، فليس مرجعه إلى قصور في اللغة العربيَّة وعدم كفايتها العلميَّة كما يدعي خصومها من المستشرقين وغيرهم؛ بل يرجع ذلك لعوامل كثيرة. . . منها:
أولًا: وهن الأمَّة. . . كما لحظ ذلك ابن حزم بقوله: (إنَّ اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم، أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم، فإنَّما يفيد لغة الأُمَّة وعلومها وأخبارها قوة دولتهم ونشاط أهلها وفراغهم، وأمَّا من تلفت دولتهم وغلب عليها عدوها، واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم فمضمونٌ منهم موت الخواطر، ورُبَّمَا كان ذلك سببًا لذهاب لغتهم، ونسيان أنسابهم وأخبارهم، وبيود علومهم، وهذا موجود بالمشاهدة معروف بالعقل ضرورة)(2).
وقال أحد المفكرين المعاصرين في هذا المعنى: (الأُمَّة العزيزة تعتزُّ بلغتها، وتحرص على استقلالها كما تحرص على استقلالها العسكري والاقتصادي سواء، وتحترم قوانينها اللغويَّة وتتمسك بها)(3).
ثانيًا: ما قام به الاستعمار في سبيل الحيلولة دون ممارسة اللغة العربيَّة وتغليب لغة المحتل عليها وتشجيع اللهجات العاميَّة، حيث رسم دهاقنة
(1) شمس العرب تسطع على الغرب، تعريب: إبراهيم بيضون وخر: ص 13، 14، (مرجع سابق).
(2)
الإحكام في أصول الأحكام 1/ 32، (مرجع سابق).
(3)
محمد بن سعيد رسلان: فضل العربيَّة ووجوب تعلمها على المسلمين: ص 28، (مرجع سابق).
الاستعمار من أمثال (دنلوب)(1) سياسة التعليم على أساس الحيلولة بين اللغة العربيَّة وبين أن تصبح الأداة الثقافية لأبناء الأُمَّة الإسلاميَّة ولغة العلوم والتقنية؛ (فحلت مصطلحات أجنبية عن دينها ولغتها في جوانب: الحكم، والقضاء، والتعليم، ولغة الحياة العامَّة والسلوك، وغيرها متابعة بذلك سنّة الإبعاد عن كتب الشريعة وفقهها بتحنيط لغتها، وبذلك يستحكم الانفصام بين المسلم وتراثه ليكون رسمًا لا معنى له، وصورة لا حقيقة له)(2).
ولعل من الشواهد المعاصرة على صلاحيَّة اللغة العربيَّة لتدريس كافة العلوم؛ ما يحدث في الجامعات والمعاهد التي اتخذتها أداةً للعلم والمعرفة وأفادت منها، فعلى سبيل المثال مضى على تأسيس كلية الطب في دمشق ما يزيد على سبعين عامًا وأساتذتها يدرسون الطب باللغة العربيَّة (3)، وقد (أغنوا خزانة الكتب العربيَّة بما لا يقل عن ثمانين مجلدًا في فروع الطب المختلفة)(4).
(1) لمزيد من الاطلاع على هندسة (دنلوب) الماكرة وآثارها على اللغة العربيَّة والدين الإسلامي، راجع: محمود محمد شاكر: أباطيل وأسمار: 166، 171، 227، 257، 258، 259، 442، 443، 444، 558، 559، 560، (مرجع سابق)، وانظر: محمد قطب: واقعنا المعاصر: ص 217 - 222، (مرجع سابق).
وانظر: نايف بن ثنيان بن محمد آل سعود: المستشرقون وتوجيه السياسة التعليمية في العالم العربي، مع دراسة تطبيقية على دول الخليج العربي (دول مجلس التعاون)، الطبعة الأولى 1414 هـ، وأساسها رسالة ماجستير في الثقافة الإسلاميَّة نوقشت عام 1411 هـ ـ في كلية الشريعة بالرياض: ص 186 - 197.
(2)
بكر أبو زيد: فقه النوازل: ص 102، 103، (من رسالة بعنوان: المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأوضح اللغى؛ دراسة ونقد)، (مرجع سابق).
(3)
انظر: مازن المبارك: اللغة العربيَّة في التعليم العالي والبحث العلمي: ص 43، (مرجع سابق).
(4)
المرجع السابق نفسه: ص 43، 44.
كما أن كثيرًا من الأساتذة الذين جربوا التدريس بالعربيَّة لا في دمشق وحدها، وإنَّما في القاهرة والرياض وبغداد لم يجدوا عائقًا يذكر من اللغة ذاتها، وإذا كانوا قد اصطدموا بصعوبات فهي خارج الإطار اللغوي (1)، بل (استطاع عدد من المخلصين في هذا العصر أن يثبتوا قدرة اللغة العربيَّة على استيعاب العلوم، فوضعوا عددًا من الكتب العلميَّة تناولت شتى الموضوعات، وقدمت أمثلة لقدرة اللغة العربيَّة على التعبير عن دقائق العلوم)(2).
وعلى الرغم من الجهود المبذولة في هذا المضمار فإنَّه ينبغي أن تتسم حركة التعريب بالصفة الشموليَّة فلا تقتصر على تعريب الحرف وتنسى مرتكز التعريب، وهي العقيدة الإسلاميَّة وليست القوميَّة العربيَّة (3) حيث إنَّ العقيدة الإسلاميَّة هي السر في انتشار اللغة العربيَّة وسيادتها، ومن جهة
(1) انظر: أحمد مطلوب: دعوة إلى تعريب العلوم في الجامعات: ص 25 - 53، عن دار البحوث العلمية، الكويت 1395 هـ - 1975 م، وانظر: نايف معروف: خصائص العربية. .: ص 80، 81، (مرجع سابق).
(2)
مازن المبارك: المرجع السابق نفسه: ص 47، وانظر: شحادة الخوري: دراسات في الترجمة والمصطلح والتعريب: ص 185 - 193 الطبعة الأولى 1989 م، عن دار طلاس، دمشق، فقد أورد في الصفحات المشار إليها آنفًا ثلاث تجارب تاريخية أثبتت قدرة اللغة العربية على استيعاب مسيرة الإنسانية الحضارية؛ وكانت التجربة الأولى في القرن الثاني للهجرة. . .، أمَّا التجربتان الأخريان فكانتا في العصر الحديث إحداهما في مصر وبيروت، إذ بدأ التعليم الطبي فيهما باللغة العربية، والثانية بدأت في دمشق، وهي المشار إليها أعلاه.
(3)
مِمَّا يؤكد العلاقة الفكرية بين اللغة العربية والإسلام ذلك التلازم بينها وبين خطاب الإسلام وانتشارها بانتشاره وضعفها بضعف أمته، ويؤكد هذه الحقيقة من جهة أخرى ما وُجِّه من نقد حاد للقومية العربيَّة عندما (أغفل الدَّاعون إلى إحياء القومية العربيَّة جانب اللغة)، محمد خليفة الدناع: العربيَّة الفصحى رباط قومي (من قضايا اللغة العربيَّة): ص 165، (مرجع سابق).