الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألفاظها، كاملة في حروفها، وكما قال ابن خلدون فهي:(أحسن الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد)(1).
الرد على الشبهة الرابعة:
أمَّا التفاوت بين النطق وطريقة الكتابة فإنَّه موجود في سائر اللغات الأخرى وواسع فيها، واللغة الإنجليزيَّة وهي تتسنم المركز الأول في سلم اللغات العالميَّة في العصر الراهن فيها ما يزيد على (200) أصل لغوي شاذ (2)، في حين أنَّ التفاوت بين النطق والكتابة في اللغة العربيَّة محدود في كلمات تعد على أصابع اليد الواحدة مثل (هذا، لكن، داود، عمرو، اللام الشمسية)(3)، ولا يعد هذا التفاوت عيبًا، ولا سيما أنَّه مسموع عن العرب يحفظ ولا يقاس عليه (4).
وينبغي أن يذكر أنَّ ما يؤخذ على اللغة العربيَّة -في هذا الصدد وغيره- هو في واقع الأمر من مزاياها، فمثلًا مثنى الكلمة العربيَّة يختزل في كلمة واحدة مثل رجل مثناها: رجلان، في حين يكتب في اللغات الأخرى كلمتين (5).
خلاصة القول: إنَّ هذه الشبهات التي أظهرها بعض المستشرقين، ونظَّروا لها في دراساتهم اللغويَّة بدعم من الدوائر المعادية للإسلام، وبخاصة الاستعمار والصهيونية وقبلهما التنصير، لا ترتكز على أساس ولا يوجد لها مبرر من حيث منطلق الشبهة في أساسها، ولذلك فإنَّ ما رتبوا
(1) مقدمة ابن خلدون: ص 546، (مرجع سابق)، وانظر: نايف معروف: خصائص العربيَّة: ص 38، (مرجع سابق).
(2)
انظر: نذير حمدان: اللغة العربيَّة: ص 42، (مرجع سابق)، وانظر: رمضان عبد التواب: بحوث ومقالات في اللغة: ص 167، (مرجع سابق).
(3)
انظر: نذير حمدان: المرجع السابق نفسه: ص 41.
(4)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 42.
(5)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 43.
عليها من حلول تمثلت في الدعوة إلى الكتابة بالحرف اللاتيني والعاميَّة. . . وغيرهما مِمَّا سبق ذكره كل ذلك يسقط بسقوط شبهاتهم، ويكفي هنا الإلماح لأبرز الأهداف من تلك الحلول فيما يأتي:
1 -
إهمال القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف لغة وأصلًا وتشريعًا (1).
2 -
هجر لتراث المسلمين، واجتثاث لوجودهم الفكري والثقافي (2).
ذلك أنَّ المستشرقين العاملين في خدمة الدوائر المعاديَّة للأُمَّة الإسلاميَّة أدركوا (قوة ارتباطها بالدين والثقافة الإسلاميَّة. . .)(3)، وأنها من أقوى أسباب الوحدة الإسلاميَّة، وهو ما عبَّرَ عنه المستشرق الإنجليزي (جيب) بقوله:(إنَّ من أهم مظاهرها الحروف العربيَّة التي تستعمل في سائر العالم الإسلامي واللغة العربيَّة التي هي لغته الثقافية الوحيدة، والاشتراك في الكلمات والاصطلاحات العربيَّة الأصل)(4)، وعملوا من أجل ذلك على إثارة الشبهات في حياض اللغة العربيَّة، ودعوا إلى الكتابة بالحرف اللاتيني حينًا وإلى العاميَّة حينًا آخر، أو الجمع بينهما أو تطوير اللغة سواء بإهمال الإعراب، أو التصرف فيها وتطويرها على نحو مِمَّا حدث للغة اللَّاتينيَّة، وذلك كله يهدف لما سبق ذكره.
(1) انظر: نفوسة زكريا سعيد: تاريخ الدعوة إلى العامّية وآثارها في مصر: ص 203، (مرجع سابق)، إذ تقول:(يريد أن يباعد بيننا وبين القرآن ويحرمنا من تلك النعمة التي خصنا اللَّه بها، وهي معرفتنا للغته والقواعد التي عليها) في سياق كلامها عن دعوة المستشرقين للعاميَّة في مصر وترك الفصحى متذرعين بصعوبتها.
(2)
انظر: نذير حمدان: اللغة العربيَّة. .: ص 78، 79، (مرجع سابق).
(3)
انظر: مرزوق بن صنيتان بن تنباك: الفصحى ونظرية الفكر العامي: ص 29، (مرجع سابق).
(4)
أين يتجه الإسلام: ص 20، نقلًا عن: السيد الطويل: اللسان العربي والإسلام. .: ص 102، (مرجع سابق).
وقد نبه الرافعي إلى حملة الاستعمار على اللغة العربيَّة بقوله: (لا جرم كانت لغة الأُمَّة هي الهدف الأول للمستعمرين؛ فلن يتحول الشعب أول ما يتحول إلَّا من لغته، إذ يكون منشأ التحول من أفكاره وعواطفه وآماله، وهو إذا انقطع من نسب لغته انقطع من نسب ماضية، ورجعت قوميته صورة محفوظة في التاريخ، لا صورة محققة في وجوده، فليس كاللغة نسب للعاطفة والفكر؛ حتى إن أبناء الأب الواحد لو اختلفت ألسنتهم فنشأ منهم ناشئ على لغة، ونشأ الثاني على الأخرى، والثالث على لغة ثالثة، لكانوا في العاطفة كأبناء ثلاثة آباء)(1).
ومِمَّا يؤكد اضطلاع الاستشراق بالأهداف الاستعمارية في إطار اللغة العربيَّة، وإسهام المستشرقين فيما فرضه الاستعمار من دعوات مضللة هدمت اللغة العربيَّة، وعملت على انحسارها من أرجاء العالم، واستبدلتها بالحروف اللاتينية أو اللغات واللهجات المحليَّة ما أبداه المستشرق الألماني (كامغماير) من سرور حينما رأى غياب السمت الإسلامي، وذهاب اللغة العربيَّة والحرف العربي من تركيا، فقال في شماتة واضحة (2):(إنَّ قراءة القرآن العربي، وكتب الشريعة الإسلاميَّة قد أصبحت الآن مستحيلة بعد استبدال الحروف اللاتينيَّة بالحروف العربيَّة)(3).
* * *
(1) وحي القلم 3/ 33، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، (بدون تاريخ).
(2)
انظر: السيد رزق الطويل: اللسان العربي والإسلام. .: ص 103، (المرجع السابق نفسه).
(3)
المرجع السابق نفسه: ص 103.